عاشوراء.. حكايةُ انتصار الدم على السيف

كيف يمكنُ للمظلومية المقرونة بالعزة
والإباء أن تنتصر؟ وكيف يمكن للمأساة المليئة بالدم الممزوجة بالصبر والثبات أن
تكون لونا من ألوان الغلبة والتفوق؟ وهل يمكن أن يحدث ذلك ضمن القوانين الطبيعية،
أَو أنه لا يكون إلَّا من خلال المعجزة الخارقة لنواميس الكون؟
في العاشر من محرم، خطت فاجعة
كربلاء، ذلك الحدث التاريخي المؤلم؛ تلك المظلومية التي حلت بالإمَام الحسين السبط
وأهل بيته عليهم السلام، كمأساة هي الأكثر إيلامًا عبرَ تاريخ الحضارات الإنسانية.
في عصر العاشر من محرم، كانت عين
الدنيا شاخصةً باتّجاه الحسين عليه السلام بعد مقتل أصحابه، ففي ذلك المكان على
مقرُبة من شاطئ الفرات يقف مقاتلٌ واحد وابنه الرضيع على يديه، أمام جيش قوامُه
أكثر من أربعين سفاح ومجرم ومرتزِق.
لا أحد يستطيع أن يستوعبَ وجودَ أكثر
من أربعين ألف سيف ورمح معلق فوق رقبته بينما يقف رجل واحد يهتف ملءَ تلك الصحراء
(هيهات منا الذلة) في شجاعة نادرة احتاجت الدنيا إلى أكثر من 1400 عام ليوثق
التاريخ ملحمة أُخرى وحسينًا آخر في كربلاء مران، ففي أحد أَيَّـام شهر رجب كانت
فوهات مئات العيارات النارية موجهة إلى رأس الحسين البدر والذي هو الآخر لم يهتز
له رمش، في موقف لا يمكن لأحد تصوُّرُه.
عبر حقب التأريخ الطويلة لم تفجع
أُمَّـة من الأمم كما فُجعت أُمَّـة الإسلام بكارثة كربلاء، فلم تبقَ محنة ولا
مصيبة من مصائب الدنيا إلا ووقعت على سبط رسول الله وابن ريحانته، لقد انتهكت في
كارثة كربلاء كُـلّ المحرمات حتى قال أحد أئمة أهل البيت: إن يوم الحسين اقرح جفونَنا
وأذل عزيزَنا.
عسكريًّا في المعايير السائدة لعالم
اليوم يُصنع النصرُ عبر جحافل الجيوش وآلات القتل والدمار، وحراب الموت، والهزيمة،
من تلك المعايير أَيْـضًا أن توقع بخصمك ومقاتليه، القتل الذريع، وأن تهدم البيوت
على رؤوس ساكنيها، وأن تمثّل بالجثث، وتسمّم مياه خصمك، وتنشر الرعب والذعر في
صفوفه، وتقتل أطفاله، وتسبي نساءَه، المهم تحقيقُ الانتصار على الخصم، فالغاية
تبرّر الوسيلة على حَــدّ قول فيلسوف إيطاليا الشهير مكيافيلي، الذي لا يهمه بحسبِ
فلسفته أن تداس القيم، وتسحق الكرامات في مقابل تحقيق النصر.
في عاشوراء حدث مثل هذا الانتصار
المزعومِ، وغطرسة القوة الغاشمة وعربدتها، وتطبيقًا لقاعدة مكيافيلي وكل جنرالات
الفجور، فقد قطع رأس سيد شباب أهل الجنة في ساحة الطف ورؤوس أهل بيته وأصحابه،
ومنع عنه الماء، ورضّت خيول الجريمة صدر سبط رسول الله وظهره، وسُبيت عقائل الوحي،
وحرم الرسالة، إلا أنه ورغم كُـلّ هذا القتل وقطف الرؤوس وسبي النساء، لم تمنح
نتيجة النصر للقوة اليزيدية الغاشمة؛ لأَنَّ ذلك وبمعايير القيم لا يعد انتصارًا
بل جريمة بحق كُـلّ القيم وعربدة حراب فاجرة؛ إذ لم يحصل القتلة حتى على (خسيس عيش
كالمرعى الوبيل) على حَــدّ تعبير الإمَام الحسين عليه السلام، بخلاف تلك الرؤوس
المحمولة على الرماح والتي تحوَّلت إلى تيجان مرصَّعة بالكرامة على مر العصور.
أما الانتصار الذي حقّقه الإمَام
الحسين عليه السلام في كربلاء فلم يكن انتصارًا عسكريًّا؛ فالغلبة -حسب هذا
المعيار- كانت للجهاز الحاكم، حَيثُ استشهد الإمَام وأهل بيته وأصحابه، كما هو
واضح، إلا أن جميع سكان الأرض متفقون على أن الانتصار كان من نصيب الإمَام الحسين
عليه السلام حتى سمي هذا اليوم (يوم انتصار الدم على السيف) وَ(يوم انتصار المظلوم
على الظالم) وغيرها من التسميات التي تؤكّـد هذه الحقيقة، هو نصرٌ على الغرور
والغطرسة والزيف، نصرٌ للقيم، والمعاني التي ثاروا مِن أجلِها، وارتقوا شهداء؛ مِن
أجلِ إحيائها وغرسها في ضمير الأُمَّــة.
والحقيقة أَيْـضًا تقول إن الانتصار
للمبادئ هو النصر الحقيقي لا سِـيَّـما إذَا اقترن بالمظلومية والتضحية العظيمة،
هذا النصر يبقى حيًّا في الضمير الإنساني عبر الأجيال ويجد على الدوام أنصارًا
ومؤيدين، وباعتقادي أن هذه الرؤية تجعل الإنسان المجاهد أكثر اندفاعًا وأملًا، على
خلافِ النصر العسكري الذي يزيله نصر عسكري آخر.
عاشوراء إذًا -حسب المعايير الإنسانية- يمثّل أنقى
وأطهر معركة في التأريخ، غير قابلة للتكرار بوقائعها وأحداثها، والذين يبحثون عن
الطهر والنقاء، يستلهمون من عاشوراء كُـلّ هذه المعاني السامية، والقيم النبيلة؛
ولهذا يخبرنا التأريخ أن ثورة الإمَامَ الحسين عليه السلام لم تخمد ولم تنتهِ بعد
غروب شمس ذلك اليوم الدامي، فهي مُستمرّة في وجه يزيد وأشباه يزيد إلى يومنا هذا،
وأن ذلك السيف الذي امتشقه الإمَام الحسين في كربلاء ما زال يلمع في نحور جيشِ
يزيد في هذا العصر وفي كُـلّ العصور.
نعم هناك عبر التأريخ البشري الطويل من يعجبه الالتحاق
بركب الظالمين والاصطفاف في طابور الجلادين والمرتزِقة والحمقى، كما يحدث اليوم من
تخندق ملوك الرغوة النفطية في الخليج (اليزيديين الجدد) أَو من يقومون بحصار أطفال
غزة من الماء والغذاء حتى الموت.
في أحد دروس المعركة التي كتبت
تفاصيلها صحراء الطف يجد أصحابُ القيم النبيلة الباحثون عن دروس يستفيدون منها في
واقع مسيرتهم الجهادية، أن الإمَام الحسين وحتى تلك اللحظة التي جثا فيها أشقاءُ
الأشقياء (شَمِر بن ذي لجوشن) على صدره الشريف ليحتز رأسه كان إمامنا واثقًا من
نصر الله وواثقًا أن تلك الدماء الزكية التي ملأت نينوى ستثمر نصرًا ولو بعد حين،
بعكس أُولئك الخانعين في الكوفة الذين فضّلوا الاستسلام للظالمين والذين تم سلخُهم
بعد ذلك كالخراف على أيدي جيش يزيد.
أيضًا درسٌ آخر يجب ألا نغفله وهو أن
عاقبةَ الخنوع فادحة ومصارع المستلمين في ذلك الزمان يجب أن تكون درسًا؛ فالكوفة
كانت مسرحًا لأكبر مذابح التاريخ بحق المتخاذلين، حتى قال قائد شرطة الكوفة في جيش
ابن الزبير عندما تهاوت مقاصلُ جيشِه على رقابِ مَن خذلوا المختار الثقفي وكان عددُهم
أكثرَ من سبعة آلاف مقاتل (واللهِ لو كان هؤلاء الجماعة أغنامًا من إرث آل الزبير
لما حق لمصعب أن يذبحَهم بهذا الشكل أبدًا).
هذه ما روته عاشوراء للأجيال بوجهَيها:-
الوجهِ الناصع العلوي الملكوتي والذي مثّله سيدُ شباب أهل الجنة وأهل بيته
وأصحابه، ووجهِها الآخر القبيح المظلم الذي جسّده المجرمون والمرتزِقة والذي مثّله
يزيد وابن زياد وشَمِر بن ذي الجوشن وعُمَرُ بن سعد وأنس وخولي، وكل هذه القائمة
من المجرمين.
لقد روت لنا عاشوراء وللأجيال عبرَ
الخط الزمني الممتد من القرن الأول الهجري إلى عشية يوم القيامة انتصارَ المظلومية
على القوة الغاشمة بكل حرابها وسيوفها وسهامها ونبالها، بكل مجرميها ومرتزِقتها...
روت عاشوراء لكل الأحرار حكايةَ انتصار الدم على السيف.

حركات المقاومة الفلسطينية تدين العدوان الصهيوني على اليمن وتؤكد واحدية المعركة
متابعات | المسيرة نت: أدانت حركات الجهاد والمقاومة الفلسطينية العدوان الصهيوني على الحديدة، مجددةً تضامنها مع اليمن قيادةً وجيشاً وشعباً.
حركات المقاومة الفلسطينية تدين العدوان الصهيوني على اليمن وتؤكد واحدية المعركة
متابعات | المسيرة نت: أدانت حركات الجهاد والمقاومة الفلسطينية العدوان الصهيوني على الحديدة، مجددةً تضامنها مع اليمن قيادةً وجيشاً وشعباً.
عراقجي لقادة "بريكس": ليدرك الجميع فظاعة انتهاك العدوان على إيران للقانون الدولي وتبعاته المدمّـرة
الأخطر في العدوان الضربة المميتة التي وُجّهت إلى الدبلوماسية وحكم القانون ونظام عدم الانتشار النووي.-
06:47حركة المجاهدين: الشعب اليمني العظيم يدفع ضريبة وقوفه التاريخي المشرف نصرة للشعب الفلسطيني المظلوم
-
06:46حركة المجاهدين: نشيد بالرد اليمني السريع الذي استهدف عمق الكيان الغاصب وأضاف فشلاً جديدا للمنظومات الدفاعية الصهيونية
-
06:45حركة المجاهدين الفلسطينية: نعتبر ذلك امتداد للعدوان على شعبنا وأمتنا ونجدد تضامننا وقوفنا مع أهلنا في الشعب اليمني المجاهد
-
06:44حركة المجاهدين الفلسطينية: ندين بشدة العدوان الصهيوني الجديد الذي استهدف مواقع ومنشآت مدنية في اليمن
-
05:58ترامب: أي دولة تنضم إلى سياسات مجموعة بريكس المناهضة لأمريكا ستفرض عليها رسوم جمركية إضافية بنسبة 10% ولن تكون هناك استثناءات
-
05:52مصادر طبية فلسطينية: 6 شهداء و15 جريحا في استهداف العدو عيادة الرمال التي تؤوي نازحين وسط مدينة غزة