الدكتور قاسم لبوزة لبرنامج "ساعة للتاريخ": عيد الاستقلال أهم صفحة في تاريخ اليمن وبريطانيا تكبدت خسائر لم تحدث في أي بلد محتل
آخر تحديث 27-11-2025 22:58

المسيرة نت| خاص: قدم نائب رئيس المجلس السياسي الأعلى سابقاً ونائب رئيس المؤتمر الشعبي العام الدكتور قاسم لبوزة سرداً تاريخياً لأهم محطة مفصلية في تاريخ اليمن مرحلة الاستقلال.

وتحدث الدكتورة لبوزة في حوار خاص مع برنامج "ساعة للتاريخ" على قناة المسيرة عن مخاض ثورة 14 أكتوبر 1963م، وما سبقها من أحداث، وما تلاها حتى نيل الاستقلال، متنقلاً إلى محطات متعددة في تاريخ اليمن.. نستعرضها في هذا الحوار:

 إلى نص الحوار:

 المذيع: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته مشاهدينا الأكارم، وأهلاً وسهلاً بكم في حلقتنا لهذا الأسبوع من برنامج [ساعة للتاريخ] والتي نستضيف فيها الدكتور قاسم لبوزة، نائب رئيس المجلس السياسي الأعلى سابقاً ونائب رئيس المؤتمر الشعبي العام أيضاً.. مرحباً بكم دكتور قاسم.

أهلاً وسهلاً وشكراً على الاستضافة.

المذيع: أهلاً وسهلاً.. نحن استضفناك في شهر نوفمبر، في هذه المناسبة العظيمة المباركة التي تذكّر الشعب اليمني بتحرير الجنوب من الاحتلال البريطاني، وطبعاً نحن نعرف أنه في 30 نوفمبر تحررت اليمن من الاحتلال البريطاني، بعد أن قدم الشعب اليمني تضحيات كبيرة جداً في تحرير اليمن.

  هل كان قرار الثورة يخص تنظيماً معيناً، أم كان فعلاً شعبياً ثورياً استمر على مدى 128 عاماً؟

في البداية، وفي خضم احتفالات شعبنا بعيد الاستقلال الوطني، عيد خروج آخر جندي بريطاني من على تراب وطننا الحبيب، أتقدم بعظيم التهاني والتبريكات لقائد الثورة، ولقيادتنا السياسية، وقواتنا المسلحة الباسلة، وإلى شعبنا اليمني العظيم بكل مكوناته وقواه الحية والشريفة، والتهاني موصولة إلى قناة المسيرة بكادرها الإعلامي والإداري، هذا الصرح الإعلامي المتميز والمقاوم، والذي أبلى بلاءً حسناً خلال فترة الاعتداء الأمريكي السعودي على اليمن، ومن خلالكم نوصل تهانينا لكل الإعلاميين في الجبهة الإعلامية بكل مؤسساتها: [التلفزيون، والراديو، والصحف، والمواقع الإلكترونية]، فنشكرهم لقد أبلوا بلاءً حسناً، وقاموا بواجبهم على أفضل وجه.

المذيع: نعم، وأنت كنت مهتماً طبعاً بالإعلام طيلة فترة العدوان، وواكبتنا كثيراً خلال فترة وجودك في المجلس السياسي الأعلى.. ونحن اليوم نتحدث عن ثورة الثلاثين من نوفمبر، وما حققته ثورتا الثلاثين من نوفمبر والرابع عشر من أكتوبر.. ما هي العوامل التي ساهمت في انطلاق ثورة التحرير برأيكم؟ هل كانت نتيجة الفعل الوحشي الذي كان يمارسه الاحتلال البريطاني، والكثير من الجرائم والمذابح التي ارتكبتها بريطانيا؟ أم كان هناك قرار شعبي من قبل الشعب اليمني بضرورة التحرر من هذا الاحتلال؟

أولاً، عندما نتحدث ونقف أمام ذكرى ثورة الاستقلال، 30 نوفمبر، لم تعد تعني فقط ذكرى تاريخية، وإنما يتم فيها استحضار أعظم صفحة من صفحات تاريخ وطننا اليمني، حيث استطاع شعبنا تحقيق الانتصار لإرادته وانتزاع استقلاله من المستعمرين، والمضي قدماً في رفع راية الحرية عالياً في شمال اليمن الحبيب. وفي مثل هذا اليوم قد أشرقت شمس الحرية والاستقلال في ربوع يمننا الكبير، وغابت شمس المستعمر البريطاني، وانتهت أسطورة الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس.

إنَّ وصولنا إلى هذا اليوم المشرق لم يكن حديث يومه فقط، وإنما أتى بعد تضحيات، من خلال مقاومة المستعمر منذ وطأت أقدامه أرضنا الطاهرة، مروراً بعدة مراحل ووصولاً إلى فترة الخمسينات وبداية الستينات، بحيث مع المدّ القومي ومع حركات التحرر، زاد زخم مواجهة الاستعمار وأصبحت المواجهات بشكل مستمر، غير أن المواجهات والمقاومة والانتفاضات والحركات كانت مستمرة بشكل انفرادي وفي مناطق متباعدة، مما مكن الاستعمار من أن يستفرد بكل حركة وبكل مقاومة ويحبطها ويفشلها، وإنصافاً للتاريخ أن نذكر أن الإمامة في اليمن الشمالي دعمت كثيراً من هذه الانتفاضات.



المذيع: سنأتي إلى هذه النقطة، وهي مهمة، ولكن موضوع المبررات والعناوين التي رفعها الاحتلال البريطاني عندما اجتاح كريتر ومدينة عدن، تحديداً في العام 1839م، كان هناك ادعاء بأن أبناء عدن هجموا على سفينة ونهبوها؟

هذا كان هو الادعاء، لكن الأهداف الحقيقية للاستعمار كانت تتمثل في رغبة شركة الهند الشرقية بالاستيلاء على عدن لموقعها على خطوط الملاحة البحرية، وموقعها الاستراتيجي، فكان موضوع سفينة ونهب سفينة مجرد ذريعة من أجل احتلال عدن. فبقيت ثقافة مقاومة وطرد الاستعمار باقية في وجدان شعبنا في المحافظات الجنوبية، في كل شعبنا في الجنوب اليمني المحتل، وتضاعفت مع زخم حركات المقاومة للاستعمار.



 لكن الاستعمار كان يستخدم نفس الأسلوب الذي تستخدمه ربيبته العدو الإسرائيلي في فلسطين، وهو البطش والتنكيل وبقساوة وجبروت بحق أهالي المناطق التي تقاوم، فكانوا يحرقون ويدمرون المباني والمزارع، ويسممون الآبار، ويأخذون الرهائن، كما ملأوا السجون رهائن، و في أي منطقة تقاوم كانت تواجه بوحشية ويرتكب بحقها كل الجرائم، وكان من ينجو يلجأ إلى اليمن الشمالي، حيث كانوا يستقبلونهم ويؤمّنونهم ويؤمّنون لهم العيش والسكن وكل شيء.



 وفيما بعد العشرينات، و بداية الخمسينات، كان رجال المقاومة الذين قادوا هذه الانتفاضات يقيمون من وقت إلى آخر نقاط ضعفهم وسبب فشلهم، فتوصلوا إلى نتائج؛ أن السبب الأول هو أن الانتفاضات والحركات المسلحة كانت بشكل فردي وفي مناطق متباعدة، فكان الاستعمار، وثانياً أنه لا توجد قيادة موحدة للمقاومة لقيام ثورة مسلحة ضد بريطانيا، ولا توجد قيادة ثورية مسلحة توحد الجهود والطاقات، وثالثاً، تحرك الاستعمار لأنه كان يشعر أن أيامه معدودة في عدن، فبدأ يتحرك في إنشاء ربيبته، ما يسمى بـ"حكومة الاتحاد"، وبدأ يتوسع ويعمل بشكل خبيث في السياسة المعروفة "فرق تسد"، وتفجير صراعات قبلية وثارات في كل المناطق حتى لا يتقارب اليمنيون ويتحدوا، فأشعلوا الحروب القبلية في كل المناطق حتى يضعف اليمنيون ويبقوا متباعدين، ويقطعوا الطريق أمام توحدهم، وهم يعرفون أنه إذا توحد اليمنيون، فهم غير باقين وأيامهم معدودة.



والشيء الآخر الذي يرافق هذه التحركات هو حركة وعي للمواطنين، التي تهيأ لهم الأرضية الطيبة للثورة، وتوجد حاضنة ممتازة، وفي هذا الوضع وهذا التقييم، كانوا كلما بدأوا يعملون تشكيل لجان للصلح بين القبائل، كانت بريطانيا تفشلها، فانطلقت ثورة السادس والعشرين من سبتمبر عام 1962م، وبانطلاقة الثورة ، وإعلان مبادئها الستة العظيمة الخالدة، التي حملت معالم مشروع يمني عظيم جامع وشامل للجغرافيا اليمنية من عسير إلى سقطرى، ومن ميدي إلى المهرة، احتفل الشعب بها.



ويمكن القول إن انتصار ثورة 26 سبتمبر كان كالصاعقة على رؤوس الإنجليز، فبدأوا يشتغلون بهستيريا، والتسريع بتثبيت الحكومة المزيفة "حكومة الاتحاد"، كما بدأوا في إشعال الثارات في المناطق، وبدأوا في دعم الملكيين ضد الحكومة الفتية في صنعاء، وبدأوا بتجميع المرتزقة من كل مستعمراتهم لمحاصرة الجمهورية في صنعاء ومحاولة وأد الثورة في مهدها.. هذا فيما يخص وقع ثورة 26 سبتمبر على الإنجليز.

أما فيما يخص وقع الثورة السبتمبرية على الشعب اليمني في الجنوب، فقد احتفوا بهذه المناسبة واستبشروا خيراً، وبدأوا يرون أن التحرر والاستقلال سيكونان قريبين جداً،  فبدأوا—كنوع من الفرحة والاحتفاء—يشمرون سواعدهم، وبدأوا يشتغلون على النقاط التي تم تقديمها في السابق، فوجدوا وضعاً ثورياً منقطع النظير، فانتشرت الثقافة الثورية، وثقافة المقاومة، وثقافة الحرية والاستقلال، وثقافة مقاومة المستعمر كالنار في الهشيم، فبدأوا يتحركون على هذه المحاور، أولاً: اشتغلوا شغلاً إعلامياً لتهيئة الأرضية وإيجاد حاضنة للثورة، واشتغلوا على قدسية المقاومة وطرد الاستعمار، ثم على ضرورة وحدة الإرادة ووحدة الجهد، ونشر ثقافة وحدة الشعب. وكان الشعب موحداً تماماً وبشكل غير عادي، وفي وضع ثوري منقطع النظير. 

وحددوا هدفاً لهم، وهو أنه عندما رأوا ما يقوم به الاستعمار في دعم الملكيين ومحاربة ومحاولة وأد ثورة 26 سبتمبر الفتية، كان لزاماً دعم الثورة الفتية من قبل الثوار، وهذا يتأتى في جانبين، الأول هو العمل على إفشال أي مخططات تقوم بها بريطانيا عبر المناطق الحدودية ضد الجمهورية العربية اليمنية، ثانياً دعم الثورة بالمقاتلين، وهذا لن يتحقق إلا عبر حل المعضلة الكبيرة، والتي سهلت للثورة تحقيقها، وهي تشكيل لجان للصلح القبلي وإنهاء الثارات.

 


واستطاعوا في فترة وجيزة تحقيق هذا الهدف الذي كان قبل ثورة سبتمبر من المستحيل تحقيقه، فأوجدوا الصلح وأجّلوا الثارات إلى بعد الاستقلال، وتم تأجيل كل الثارات والمشاكل الداخلية إلى بعد الاستقلال، هذا مكّن الثوار والمناضلين والمطوّعين من أن يرسلوا مجاميع كبيرة للدفاع عن سبتمبر، فبدأت المجاميع من كل المناطق في وقت متزامن، وكأن هناك قيادة موحدة، بينما الواقع أن القيادة الموحدة لم تنشأ ولم تتحقق، على أن تطلع المجاميع تقاتل ويتم استقبالها هنا في صنعاء في الجمهورية العربية اليمنية، ويوزعونهم على جبهات القتال، وأن يعودوا مع سلاحهم وترسل مجاميع أخرى، حتى تتهيأ الظروف للثورة في الجنوب.

 في نفس الوقت المتزامن، الذين كانوا موجودين لقيادة الانتفاضات التي تكلمنا عنها والحركات التي كانت موجودة في صنعاء وفي المناطق الشمالية كلها الذين استقبلهم الإمام، هؤلاء بدأوا يشكلون نواة لقيادة ثورية موحدة، بالإضافة إليهم ضمّ الأحزاب والحركات المناهضة للاستعمار.



استمر رفد المقاتلين لدعم ثورة سبتمبر، واستمر تشكيل ميثاق وطني وقيادة موحدة، حتى شهر أغسطس، و تم الإعلان عن تشكيل الجبهة القومية لتحرير الجنوب اليمني المحتل، وبدأ إعلان الكفاح المسلح، و هذا في أغسطس 1963م، وكان لكل الأحزاب دور، وترأس الجبهة القومية قحطان الشعبي، الذي كان وزيراً في حكومة الجمهورية العربية اليمنية الوليدة في الشمال، وهو كان يترأس الجبهة القومية لتحرير الجنوب اليمني المحتل، فوجدت الأداة الثورية التي هي الجبهة القومية، ووجدت القيادة الموحدة، وطلعت مجاميع كبيرة من المسلحين، ومجاميع كبيرة عادت، وأخرى مستمرة في الطلوع، وتم اتخاذ القرار على إنشاء معسكرات في المناطق الحدودية لتدريب المقاتلين، لأن جبهات المواجهة مع الملكيين لم تكن تستوعب كل المقاتلين، فبدأوا بتشكيل وبناء معسكرات في المناطق الحدودية.



وبدأ  كذلك، تكليف الشهيد أحمد بن أحمد الكبسي، وواحد اسمه محمد الخاوي، أن يكونا همزة الوصل بين الثوار والمجاميع المسلحة الثائرة في الجنوب الذين يقومون بالمواجهة، وكان حينها الشهيد اللواء أحمد الكبسي قائداً للمنطقة العسكرية في تعز، وتحددت المعسكرات، وتحددت قواعد الدعم اللوجستي من شأن دعم الثوار في الجنوب.

لقد كان الشهيد راجح لبوزة من ضمن الموقعين على تشكيل الجبهة القومية، وقيادياً في الجبهة القومية لتحرير الجنوب من المحتل، وعندما نزل ضمن مجموعته خلال الفترة هذه، كان المحتل البريطاني الهستيري قد عمل مراسيم كثيرة من ضمنها منع أي مواطن من حكومة الاتحاد أن يذهب إلى حدود الجمهورية العربية اليمنية التي كان يطلق عليها أوصافاً من قبيل "الإرهابية المارقة"، مع أن كلمة إرهاب قد استخدمها البريطانيون من زمان، كما كان الاستعمار يعتبر  الذهاب إلى الشمال بمثابة الذهاب إلى دولة أجنبية معادية، وعليه أن يدفع غرامة خمسين "شلن" وأن يسلم السلاح وأن يعمل تعهداً بعدم العودة إلى مناطق الجمهورية العربية اليمنية.


 في تلك الفترة، دار الحديث أنهم سينزلون، وكان الهدف لم يتحدد في تاريخ 14 أكتوبر، وإنما كان على أساس التهيئة لاتخاذ القرار في موعد تفجير الثورة، وتكون في كل المناطق، لكن طُرح السؤال هذا أمام القيادة ولجنة التخطيط التي تتخذ القرار بالكفاح المسلح، إذا بدأت بريطانيا هي بالاعتداء، فقد نزلوا منشوراً بهذا الخصوص، فكان الاتفاق أن أي منطقة تبدأ فيها الاعتداء من قبل بريطانيا يتم فيها تفجير الثورة، ونحن سندعمهم وسنكون معهم، وهذا حدث في الشمال.

نزل الشهيد راجح لبوزة مع مجاميعه، وأرسل مجاميع أخرى خلال فترة نزوله، فتحرك الضابط البريطاني ومعه المشيخات المحلية، وطلبوا منهم أن يسلموا أسلحتهم ويتعهدوا ويدفعوا الغرامة، غير أن المناضلين رفضوا هذا الكلام، وعملوا رسالة فيها ردّ على ذلك وطرحوا فيها طلقة رصاص، وقالوا: نحن حدودنا من الجبهة ومطلع، وهذه حدود قبيلة "القطيبي" و "ردفان"، وهي المنطقة القريبة من منطقة "الحبيليين" التي يتواجد فيها مركز لحكومة الاتحاد ومستشارين بريطانيين، فحددوا أن من الجبهة وما فوق، من يطلع من الجبهة (دمه دم حنش)، ومعناه أن هذه المناطق تتبعنا، وأن جمهوريتنا هي الجمهورية العربية اليمنية، وحكومتنا هي حكومة اليمن.

 هذا قاله لبوزة في رسالته للعدو البريطاني، بعد أن اجتمع مع الذين رجعوا من الشمال، وعملوا تهنئة بمناسبة الذكرى الأولى لثورة 26 سبتمبر، وعملوا رسالة للمركز والضابط البريطاني الذي في الحبيلين فيها تهديد بعدم الاعتداء على مناطقنا، وحدد أن دولتنا هي الجمهورية العربية اليمنية، لا نعترف بحكومة الاتحاد دولتكم. وأشعروا الحكومة في صنعاء بما دار في هذه الرسالة بين الثوار وبريطانيا، وحددوا فيها أنهم إذا تقدموا فإننا سنفجر الثورة.

راحت الرسالة والتهنئة، وأعلنت التهنئة من إذاعة صنعاء، وتقدم البريطانيون وألقوا القبض على واحد من مجموعة الشهيد لبوزة بتاريخ 13 أكتوبر، ووصل الخبر وتجمع الثوار والمجاميع وتحركوا على أساس أنه لابد أن يطلقوا سراحه من الحبيلين ويحتلوا الحبيلين.

حينها علمت بريطانيا أن المجاميع تجمعت، وتحركت وتمركزت في موضوع هنا جبل البدوي، وأسفل جبل المسراح، فالقوات البريطانية استعانت بقوات من الضالع، وبدل ما ينتظروا في الحبيلين، بتكتيك عسكري، تقدموا، وهؤلاء تقدموا، ودارت معركة من صباح 14 أكتوبر، حيث استخدمت فيها بريطانيا كل أنواع الأسلحة، من مدفعية والطيران، فكانت المعركة شرسة، واستطاع الثوار الذين كانوا في الوادي، بعد أن توزعوا ثلاث جبهات في الوادي، وفي الجبل في المرتفع بقيادة الشهيد، فبدأت قوات الاستعمار تُدحَر.

 ومع ظهيرة اليوم استشهد القائد راجح لبوزة بشظية طلقة مدفعية وهو في مترسه، وأعلن استشهاده، وتجمع الثوار وأخذوا جثة الشهيد القائد راجح لبوزة، ونفذوا وصيته أن يُقبَر في منطقة عقيبة، بجوار جثة المناضل الشيخ محمد منصر محمد، وهذا الشيخ محمد منصر عندما دعم الإمام أبناء ردفان في حركة 57 19م أسقطوا طائرتين بريطانيتين، إحداهما مقاتلة، ومعهم الشهيد محمود حسان، فأوصاهم أن يقبروه هناك، وفوق القبر تعهدوا أنها ثورة، وأعلنوا أنها بداية ثورة، وعملوا رسالة إلى الشمال بقيادة الجبهة القومية، وبدأوا من نفس الليلة التي قبروا فيها المناضل لبوزة العمل المسلح باستهداف القوات البريطانية ومن معهم من القوات المحلية.

ومن هنا بدأت الثورة، واستخدمت بريطانيا على منطقة ردفان سياسة الأرض المحروقة، كما استخدمت فيها كل أنواع الأسلحة، حيث ضربت ودمرت البيوت، وأحرقت المزارع، وسممت الآبار، وارتكبت كل جرائم الإبادة والمجازر ومختلف أنواع جرائم الحرب ضد الإنسانية، على أمل أن تخضع تلك المناطق، ولكن حصل العكس، حيث تولد وضع قومي ثوري إنساني، وأعيد لليمنيين طبعهم وسجيتهم وثوريتهم، فاشتعلت المناطق، والجبهات التي تواجدت فيها بريطانيا كلها في كل المناطق، و اشتعلت الثورة، والجبهة القومية أمسكت القيادة، وبدأت تقود الكفاح المسلح بشكل منظم في كل جبهات القتال.

المذيع مقاطعاً: كان اسمها الجبهة القومية؟

الجبهة القومية، وتشكّلت الجبهة القومية لتحرير الجنوب اليمني المحتل، هكذا اسمها، وبدأ النضال فيها، وقاتلت دون أي وجود لخلاف بينها، وحينها زُلزلت الأرض من تحت أقدام البريطانيين، وبدأت النعوش البريطانية، وتقوت الثورة، وانتقلت في عمل مفصلي، حيث كانوا في البداية يستهدفون البريطانيين، ويستهدفون القوات اليمنية التي تعمل مع بريطانيا المرتزقة.

المذيع: كان في مراكز للثوار؟

نعم، كان هناك مراكز، وفي ردفان أنشأت بريطانيا مطاراً عسكرياً من أجل الدعم اللوجستي لقواتها، فبدأ الثوار بسياسة جديدة، وهي ألا نستهدف اليمني، بل نستهدف البريطاني.

المذيع: سنناقش هذا الموضوع، ولكن دعنا نذهب إلى فاصل قصير، مشاهدينا الكرام… سنعود إليكم بعد الفاصل.

المذيع: مرحباً بكم دكتور قاسم مرة أخرى، توقفنا عند موضوع تركيز الثوار على استهداف البريطانيين فقط؟

نعم، كان المرتزقة جنوداً يمنيين تابعين للبريطاني، و هذه الاستراتيجية الجديدة أثمرت نتائج طيبة، فالكثير من الجنود لما رأوا أن الثوار لا يستهدفونهم ويستهدفون البريطانيين، أدركوا أن الموضوع ثورة ضد المحتل وطرده، فانضمّ الكثير منهم إلى الثوار، ومن بقي كان مفيداً للثوار أكثر؛ كان ينبه الثوار ويعمل عيناً راصدة لهم، وكانوا أعضاء في جيش الاتحاد، وطبعاً كانوا وطنيين وأثبتوا وطنيتهم، ما عدا أعداد تُعدّ بالأصابع من القيادات التي كانت تعمل مع البريطاني، فتشكل وعي ثوري متلاحم، والمناطق التي كانت تُضرب الأسر فيها تنزح، وتُفتح لها كل البيوت في الشمال، ويستقبلوهم ويتقاسمون معهم الطعام والماء.



ومن أخلاقيات الثوار والثورة أنها أوجدت حاضنة وقاعدة شعبية محصنة وشعبية صلبة إلى درجة أنه بعد ما انتقلت المعركة والجبهة والنضال بالعمليات الفدائية إلى داخل عدن، كان التأثير أكبر بالفعل، وكان له أثر غير عادي.

 المذيع: بدأت المعركة في ردفان ثم انتقلت إلى عدن؟

نعم، بدأت في ردفان، ثم انتشرت في مختلف المناطق، وفي بداية شهر أبريل وصلت إلى مدينة عدن، وكل المناطق التي يتواجد فيها المستعمر البريطاني، فكان العمل الفدائي في عدن له أثر كبير، لأنه يضرب بريطانيا من الداخل، من عقر دارها.

 المذيع: العمل الفدائي كان يتركز على استهداف المراكز التي يتواجد بها البريطانيون ما هو الهدف الاستراتيجي؟

العمل الفدائي كان يتركز على استهداف البريطانيين والمراكز التي يتواجدون فيها، وشلّ المراكز البريطانية، وكان هناك أيضاً عمل ثوري في النقابات، منها العمال والأحزاب والإضرابات، وكل أشكال النضال كانت موجودة في عدن، ومن ضمن أخلاقيات الثورة أن أصل الجبهة القومية مرسوم: أي فدائي ينفذ عملية ويدخل أي بيت، فإن البيت يحتضنه ويخبّيه ويطعمه حتى يأمن، لكن مقابل هذا أصدروا مرسوماً "أي فدائي يدخل ويحاول أن يسيء للأسرة التي آوته يُعدم، وأُعدمَت مجموعة، خاصة إذا كان في هذا المنزل نساء فقط".

هنا أصبحت الحاضنة قوية، نفذ أي عملية، وادخل أي بيت وسيحمونك، وهذا ساعد كثيراً، وقدم شعبنا ثورة من أعظم الثورات، وأنزهها وأنبلها، خلال أربع سنوات متواصلة، قدم شعبنا فيها الكثير من التضحيات، رغم ما ارتُكب بحق شعبنا من مجازر يعاقب عليها القانون الدولي إذا كان هناك إنصاف.

لقد تكبدت بريطانيا خسائر لم تتكبدها في أي منطقة كانت محتلة، في أي بلد كان محتلاً، وخلال أربع سنوات تُوّجت بالإعلان عن الاستقلال، وأشرقت شمس الحرية من عدن، وغابت شمس بريطانيا إلى الأبد.

 المذيع: من هذا الدرس الذي تحدثت عنه حول كيف توحّد الشمال والجنوب في ثورة واحدة ضد المحتل البريطاني وكيف أُنجز هذا الاستقلال والتحرير؟ قبل ذلك، كان هناك أيضاً من يحاول اليوم أن يصوّر ستة وعشرين سبتمبر ويريد أن يرفع من خلالها أعلام دول أجنبية، ويستدعي الأجنبي من خلال ثورة ستة وعشرين سبتمبر، ويستخدمها كعنوان يتحرك فيه لصالح الأجنبي، بينما تحدثتَ بأنها كانت رافعة لثورة الرابع عشر من أكتوبر؟

نحن لما نتحدث، ونحن ثوار، أقول لك ونحن من سمعناه منهم، وما تعلمناه منهم، أي الثوار الحقيقين، فإن مثل هؤلاء لا هم مع كلمة الثورة الأم، ولا الثورة البنت، ولا مع الثورة اليمنية، ومهما حاولوا أن يستخدموا 26 سبتمبر كعنوان يتحرك فيه لصالح الأجنبي، بينما هي كانت ثورة تحرر، هي ثورة ضد الظلم، هي ثورة تحررية حررت الجنوب اليمني من المستعمر الذي جثم 128 عاماً.

 أصدقك القول: لأنك سألت سؤالًا عندما قلت لي الجبهة القومية فقط كجبهة تحرير، فالجبهة القومية العربية، هي يمنية جنوبية 100% ، أخذت التسمية، و هي في بدايتها كانت تسمى جبهة تحرير الجنوب اليمني، فعندما أتت حركة القوميين العرب وكانوا أكثر نشاطًا، تغير الاسم إلى الجبهة القومية لتحرير الجنوب اليمني المحتل، فحاول خلال الثورة، وبعد أن انضموا إلى الثورة بعض الوزراء وبعض السلاطين وشكّلوا منظمة تحرير، وبعضهم من أعلنوا بأنهم مع الثورة بصدق، وبعضهم الذي كان يريد أن يهرب لما رأى الثورة منتصرة، فتشكّلت منظمة التحرير، وأصرّت المخابرات المصرية، وأصرّ جمال عبدالناصر على دمج الجبهة القومية ومنظمة التحرير، وكان الكثير من قيادات المقاتلين في الجبهات لا تهمهم المناصب ولا تهمهم الامتيازات، بل كان همهم الوحيد هو طرد المحتل، فكان لهم رأي، ونحن نعرف مكانة مصر ودعمها، وقدمت دعمًا غير عادي لثورة 26 سبتمبر، فضغطوا على الثوار، واحترامًا لمصر شُكِّلت جبهة التحرير والتي استمرت فترة، بعدها انفصلت الجبهة القومية، وانفصل فصيل الحركيين، وبقيت الجبهة القومية، وجبهة التحرير، ووقع خلاف واستمروا في مقاتلة بريطانيا، وكان القتال مستمرًا، والخلاف قبل الاستقلال، ومع الخلاف اقتتلوا في عدن فترة، والخلاف كان على مسألة: متى ما أُعلن الاستقلال يجب أن ننصهر في الوحدة اليمنية في الجمهورية العربية اليمنية.

المذيع: هذا الجبهة القومية؟

كلهم، الخلاف أن جبهة التحرير تقول لا يجب أن نعمل دولة هنا بل ننصهر في إطار الجمهورية العربية اليمنية، نحن ثورة واحدة ودولة واحدة وشعب واحد، وفصيل في الجبهة القومية يقول: لا، الأوضاع في الجمهورية العربية اليمنية، وضع ثورة، والحصار الملكي، خلونا نحن نشكل جبهة ونشكل دولة هنا، وبعدين الدولة هذه تروح للمشروع.. إنها توحد اثنتين وعشرين سلطنة ومشيخة، فهي جزء من توحيد اليمن، فبريطانيا تدخلت بقوة من أجل زراعة الخلاف، وتحسب لأبناء قيادة جبهة التحرير حين قالوا لن نتقاتل بإرادتك يا بريطانيا، استمروا وخذوا الاستقلال، بعد الانتهاء نحلّ الخلاف، والجبهة القومية هي الجبهة القومية، واتجهوا للدفاع عن حركة خمسة نوفمبر وحصار السبعين، واتجهوا لتثبيت النظام الجمهوري، وشاركوا مشاركة فعّالة في فك الحصار عن صنعاء.

المذيع: الخلاف الذي كان حاصلًا بين جبهة التحرير والجبهة القومية استغلّته بريطانيا؟

فوتته جبهة التحرير على بريطانيا قبل نيل الاستقلال، وبعده وقع الخلاف داخل السلطة نفسها، داخل من استلموا الاستقلال، ووقع الخلاف.

المذيع: هنا نقطة مهمة، عندما ذهب الوفد اليمني للتفاوض في بريطانيا في لندن حول موضوع الاستقلال، كان هناك مساومة على مسألة تشكيل حكومة.. وضّح لنا ذلك؟

نعم، رُفضت المساومة، وأنا أكلمك: لما نختلف فيما بيننا ونضعف ونلتقي إلى طرف معين، أو تستحوذ بريطانيا بطرف معين، يعني طبعًا تساومه، فكانت هناك مساومة، وأقول لك: سعى الثوار وهدف الثورة، يعني أننا جمهورية عربية يمنية واحدة موحدة، وأننا سننصهر الجنوب بكل مكوناته في إطار الجمهورية العربية اليمنية، في الثلاثين من نوفمبر.

لكن أنا قلت لك حصل هذا: إن بريطانيا حاولت، أنه قبل أن تتوسع الهوة، وجبهة التحرير تقول: لن نتقاتل بإرادة بريطانيا، خذوا الاستقلال، وقعوا رجال وخذوا الاستقلال ولا تفرطوا فيه بأي شيء، وأعلنوا توحيد اثنتين وعشرين سلطنة ومشيخة، وبريطانيا حينها كانت عليها التزامات كثيرة، التزامات مالية والتزامات كثيرة، يعني ضغط.

المذيع: التزامات بريطانية لمن تقصد؟ وتجاه من؟

لليمنيين وللشعب اليمني، كانت ملزمة بالقانون الدولي وفي كل المواثيق الدولية والإنسانية وغيرها، وهذه بريطانيا نتيجة ما وصلنا إليه من خلافات ساومت الجبهة القومية، وكان هدف الجبهة القومية هو أن نطرد بريطانيا، ولا نريد فلوسها ولا أي شيء، هم غير مدركين أن هذه الالتزامات عليها وتعويضات مطلوبة، فحصلت المساومة، والكثير من الثوار لا يقولون ثلاثين نوفمبر يوم الاستقلال، يقولون استقلال ناقص، غير ناجز، فيسمونه يوم الجلاء، أما الاستقلال فهو عندما تتحقق الوحدة اليمنية.

المذيع: كانت الوحدة اليمنية من ضمن أهداف الثورة ضد المحتل، وحمل الثوار من اليوم الأول موضوع الوحدة اليمنية كهدف من أهدافهم سواء كان على مستوى المحافظات والمناطق الجنوبية أو على مستوى اليمن بشكل عام.

بدون شك، وأنا قلت: لما أعلنت أهداف ثورة سبتمبر الستة، كان أحد أهدافها هو تحقيق الوحدة اليمنية وطرد المستعمر، فاعتبروا الثورة واحدة، واليمن موحد، فقط هي إعادة اللحمة الوطنية اليمنية، فازدادت الهوة بين الشمال والجنوب، بين شطر شمالي وشطر جنوبي، بعد الاستقلال.

المذيع: من المؤسف يا دكتور، أنه بعد التحرير، وبعد إعلان الجبهة القومية موضوع الاستقلال وبيان الاستقلال، وبعد أن جاءت الجمهورية الديمقراطية الشعبية، انفجرت حرب بين الشمال والجنوب كانت تتجدد باستمرار.. ما هي الأسباب؟ حرب حدودية؟ حرب أهلية؟

شكرًا على السؤال، كنت أريد أن أقول إن الوحدة اليمنية، الشعب اليمني كان موحدًا، نعم الشعب اليمني كان موحدًا، الذين كانوا غير موحدين هم الحكومتان السياسيتان في الشمال والجنوب، فبعد حرب اثنين وسبعين، حينها شعر الشعب في المحافظات الجنوبية أننا شطران، وحدثت حرب، وبعدها تم التشديد على الحدود ومنع التنقل، وكان شعار الجبهة القومية وبعدها الحزب الاشتراكي إلى يوم الوحدة أننا نناضل من أجل الدفاع عن الثورة اليمنية وتنفيذ الخطة الخمسية وتحقيق الوحدة اليمنية، والشعار هنا أنه هدف من أهداف ثورة ستة وعشرين سبتمبر هو إعادة تحقيق الوحدة اليمنية.

المذيع: لكن الحدود الشطرية من رسمها؟

الحدود الشطرية هي حدود رسمتها بريطانيا وتركيا، وهي مرسومة من قبل، رغم أنها رُفضت من قبل الإمام، لكنها بقيت كأمر واقع، وكانت هناك قواعد اشتباك، الله يرحم الإمام ويرحم من سبقونا، يعني كانت هناك قواعد اشتباك، ما أحد يتجاوزها. فقلت لك: كان الإمام يدعم الثوار، ولما يضغطوا عليه بطّل ووقف وخاض حربًا وقُصفت منازله.

 المذيع: هو خاض حرب من باب الحفاظ على وحدة اليمن؟

في هذا الكلام، نحن عندما نتكلم لا نريد محاسبة أحد، بل لأنه كلما ابتعدنا عن بعضنا، كلما تبعنا مصالحنا، كلما ضعفنا وتركنا الآخرين هم من يتحكمون بمصير شعوبنا.

المذيع: نحن نتحدث عن تاريخ لاستخلاص الدروس والعبر للاستفادة بالطبع؟

نعم، وأتمنى وأدعو من هذه المنصة أن يكون هناك اهتمام بكتابة التاريخ بطريقة حقيقية ومحايدة، وأن نسلط الضوء على كل الإيجابيات وكل المواقف المشرقة والمضيئة التي سيستلهم منها أبناؤنا وأحفادنا تاريخهم ومواقفهم، وأيضًا كل ما عمله الاستعمار وكل ما ارتكبه من جرائم تُدرس لأبنائنا وتكون في مناهجنا؛ لأن الآن أصبح من يتكلم ويقول أين كانت بريطانيا، بريطانيا صلّحت لنا، وبريطانيا لم تعمل أي شيء، إنها ما طورت عدن إلا لمصلحة قواعدها البحرية وقواعدها الجوية وجنودها وموظفيها، ولم تعمل شيئًا للجنوب غير السجون في عدن، ولم تعمل شيئًا خارج عدن غير مراكز شرطة لقمع الثوار وأبناء المناطق التي تحتلها.

المذيع: طيب في موضوع الوحدة لم نكمل الحديث كما ذكرت، بأنه رغم أن الثورة في الجنوب كانت حاملة لشعار الوحدة وهدف من أهدافها، ونفس الشيء في الشمال، فما الذي حصل؟ بعد ثلاث سنوات انفجرت حرب بينية بين الشطرين كما كان يسمى حينها، واستمرت هذه الحرب وتجددت واستمرت.. ما هي العوامل التي أدت إلى هذه الحروب؟ هل هي الأطماع السياسية من قبل السياسيين الذين كانوا وقتها في الحزب الاشتراكي في الجنوب؟ والمؤتمر قبل المؤتمر وأيام الأرياني والحمدي الذي هدأ الأمور؟

كانت الوحدة ستعلن عام 1977 لولا أنه تم اغتيال الشهيد الحمدي للأسف، الرجل البطل القومي.

المذيع: وكان سالم ربيع علي في الجنوب يريد الوحدة؟

كل القيادات في الجنوب كانت تريد الوحدة.

المذيع: من فجّر الحرب حينها؟ هل كان لبريطانيا أيادٍ خفية تقف خلف ذلك؟

أنا سأقولها لك: بريطانيا لم تخرج من أي بلد إلا وقد وضعت لها البدائل، فنحن في المحافظات الجنوبية نشمّ في كل الأحداث التي تحدث في المحافظات الجنوبية رائحة بريطانيا موجودة، وقلنا الأطماع البريطانية موجودة، والذات، ودخل بعدها الإقليم، تدخل بعدها الإقليم، وصلونا إلى أن نتقاتل فيما بيننا، والوحدة اليمنية كانت هدفًا ساميًا، وكلما تقاتلنا كانت الوحدة اليمنية هدفًا ساميًا وقوميًا ودينيًا وإنسانيًا، ولماذا نقول هذا الكلام؟ لأنه كلما تقاتلنا إلى أين نذهب؟ كلما تقاتلنا نذهب إلى الوحدة، وشكّلنا لجانًا وحدوية، وعملنا "سور" للجمهورية اليمنية في 1972 وفي 1978، فمعناته أن الوحدة ليست المشكلة، الوحدة هي الحل؛ لأن الثورة كانت واحدة، والوحدة هي الحل لكل مشاكلنا، وكلما اختلفنا رجعنا للوحدة، فالوحدة هي القوة بجميع معانيها النبيلة، وقوتنا على مدى التاريخ في وحدتنا، أما التشظي والتشطير، فهذا هو الاستثناء، والقاعدة على مر تاريخنا الحضاري الضارب في التاريخ هي وحدتنا، وحدتنا هي القوة، وكنا بها نحتل موقعنا بين الأمم، فتحققت الوحدة في الثاني والعشرين من مايو 1990، لكن أنا أقول لك ما الذي حصل.

كانت ظروف عالمية، منها انهيار الاتحاد السوفيتي، وكانت الوحدة بالشعار، وكان هناك خلل، فلم نؤسس تأسيسًا صحيحًا للوحدة، وكان يُفترض أن نهيّئ الظروف في المحافظات الجنوبية، ونهيّئ الظروف في الشطر الشمالي، ثم نأتي على وحدة وقد ثبتنا كل القوانين وكل اللوائح وحلّلنا كل الخلافات.

بالله عليك، إخواننا في الشطر الجنوبي لما عندما أتوا إلى صنعاء للتوقيع على الوحدة خرج علي ناصر محمد ومجموعة من أصحابه الذين اختلفوا في 1986، واعترضوا وقالوا لا نريد وحدة، وما في داعي للوحدة، ونزل علي عبدالله صالح وقال: الذي يشتي يلحقني يلحق، فوقع الاستعجال في التوقيع على الوحدة.

وأيضًا كانت النوايا مبيّتة من الطرفين، فالحزب الاشتراكي فرض الديمقراطية على أساس أنه ستقع انتخابات، وقالوا: الناس كلهم معنا بمن فيهم الذين كانوا موجودين هناك من الجبهة، ومن المحافظات الشمالية كلها معنا، وعلي عبدالله صالح والمؤتمر يقول لك، هم قليل وسوف نطلع صنعاء ونلتهمهم.

المذيع : وملف التصفيات بحقهم ماذا عنه؟

ملف التصفيات هذا كان المفروض أن تكون هناك عدالة انتقالية، وأن تُحل مشاكل الثارات والناس الذين راحت عليهم من أسرهم، فهذا وجدوه مدخلًا، ثم جاءت حرب الخليج، وجاءت ظروف أخرى، والسعودية تفاجأت بالوحدة، وبدأت بعدها تشتغل ضد الوحدة، ولهذا السبب، الوحدة حُمّلت أخطاء البشر، وهي لا تتحمل، فالوحدة هي قوة، والوحدة هي قيمة، والوحدة هي الحل وستظل، وسيظل الشعب اليمني موحدًا شاء من شاء وأبى من أبى.

المذيع: ثم انفجرت حرب م1994، فكانت استمرارًا، وكأن الاشتراكي، وعلي سالم تحديدًا، دُفع إلى أن يتخذ موقفًا تجاه الوحدة، فجاءت الحرب لتُكمل مساراً ربما تحجيم الحزب الاشتراكي، فلم تكن حربًا لتثبيت دعائم الوحدة وإنما لتحجيم الحزب الاشتراكي وهذا فهم حرب 94، أليس كذلك؟

حرب 94 هي تسميتها الحقيقية، هي حرب الوحدة ضد الانفصال، هي حرب الحفاظ على الوحدة ومنع الانفصال، لأن السعودية ودول الخليج، ومن فيها الإمارات، قد أعدّوا للاعتراف بجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، وانفصالها عن الوحدة، ودعموهم بسلاح لم نمتلكه أيام الاتحاد السوفيتي، دعموهم بالسلاح وبالإمكانيات وبكل شيء، وهيأوا لهم سياسيًا وإقليميًا، فالسعودية كانت تريد الانفصال، والإمارات تريد الانفصال، والآن الإمارات اعترفت، لكن السعودية بطبيعتها تريد الانفصال لكن تريد دولة ضعيفة هناك، فكانوا يشتغلون شغلهم. فالحرب هذه كانت حربًا ضرورية لتثبيت الوحدة.

لكن لما نقيم، شوف أنا الآن على قناة المسيرة، وهي قناة مرتبطة بالأخوة أنصار الله، وقائدكم وشهيدكم الأول، شهيد القرآن، هو حسين بدر الدين الحوثي -رضوان الله عليه-، وكان له موقف، وموقف إنساني ممتاز، والبعض لا يتوافق في التعبير، فهو كان مع الوحدة وضد مبدأ الحرب، كان ضد أسلوب تثبيت الوحدة، ودعا لتثبيت ميثاق العهد، وكان مع الوحدة، فكان ضد الأسلوب الذي تم به تثبيت الوحدة فقط، وحصلت أخطاء نجني تبعاتها إلى الآن.

وُلدت مشاعر جرح عميق، وسُلّمت رقاب المحافظات الجنوبية للإصلاح وللقوى المتشددة، ووقع نهب لكل شيء، وارتُكبت جرائم، وحصل نهب، وتدمير لكل المؤسسات التي يملكها الشعب، كل مؤسسات الدولة التي يملكها الشعب، وتم تقاسمها ونهبها، وكنا نتوقع أن ينهبوا أرضية 100 %، لكنهم نهبوا بالكيلو، نهبوا ودمروا مؤسسات ومصانع، دمروا كل شيء، وهذا الذي أوجد بعدين، وكان بذرة لظهور النتوءات، والدعوة للانفصال، واعتبار الجمهورية اليمنية محتلة، وليست جزءًا من اليمن.

وبعد أن كان الشعب واحدًا، وشعبًا موحدًا في عام 1990، الشعب توحد وفتحت الحدود، الشعب توحد ورجعوا يلاحقوا الشعب ملاحقة، ولما قلت لك استعجلوا ووقعوا داخل نفق، ونحن لكنا انطلقنا، صاحب صنعاء قدّه في حضرموت، وصاحب عدن في صنعاء، وهكذا انطلق الشعب من كل الجهات، وعشنا تلك اللحظات التاريخية، وكنت في ردفان، وكان هناك فرحة لا توصف ولا تساويها فرحة، بصراحة.

المذيع: فيما يخص بعد الوحدة: أنت عملت في محافظة لحج مدير مديرية.. اشرح لنا كيف كان الوضع؟

بعد الوحدة، كنت أولًا هنا في مركز البحوث، وجلست في وزارة الدفاع، ثم مدير مكتب نائب رئيس الأركان العامة. وبعدها مدير عام المديرية في ردفان، فاشتغلت هناك بحوالي خمس سنوات، ثم ذهبت لتحضير الدكتوراه في بلغاريا، ثم بعد الدكتوراه عدت وتم تعييني مستشار وزير الدفاع برتبة عميد، ومستشار وزير الدفاع ، لأنهم كانوا كل الخريجين عندهم مستشارين، ما يعطوهم مناصب في الدولة.

المذيع: ليش؟

هكذا طبيعتنا، طبيعتنا في الدول العربية كلها، يعني المؤهل نطرحه مستشار، وغيره نعينه هنا أو هناك، وهذه مدرسة، ممكن نقول مدرسة في الوطن العربي كله، وبعدها وُسعت انتخابات محلية، وانتُخبت ممثل ردفان في المحافظة، وبعدها عُيّنت وكيلًا ورئيس فرع المؤتمر، وبعدها شاركنا في مؤتمر الحوار الوطني، فجاء العدوان على اليمن، ونحن هنا مستمرون إلى الآن في صنعاء.

المذيع: عندما شُكّل المجلس السياسي الأعلى كان هناك مفاوضات قبل تشكيل المجلس السياسي.. كيف تم اختياركم؟

لا أعرف.

المذيع: أُبلغت من قبل؟

لا، لم أُبلغ من قبل على الإطلاق، وإنما أُبلغت عندما أعلنوا، قالوا: أنت عضو في المجلس السياسي. قلنا: مستعدين وننفذ، وحين استبعدونا لا نعرف، قالوا: أنت مستبعد. قلنا: طبيعي.

 المذيع: من استبعدك؟ هل هو علي عبدالله صالح؟

والله يا أخي ما عاد نشتي ندخل في هذا الموضوع. أنا خَدمني حين استبعدني، فالمسؤولية مغرم هذه الأيام وليست مغنم.

المذيع: كان لكم مواقف طيبة تجاه المؤامرة التي استهدفت اليمن، ورافقت الشهيد الرئيس صالح الصماد خلال مرحلته، وكنت نائبًا له فترة من الوقت.. كيف وجدت هذا الرجل؟

صراحة كنت أتجنب الحديث عن الشهيد صالح الصماد لأنه مهما قلت لن أوفيه حقه.

باختصار، ممكن أقول لك إنه رجل استثنائي جاء لقيادة مرحلة استثنائية، وكأنه مُفصّل على قيادة هذه المرحلة الاستثنائية الصعبة، رجل زاهد في السلطة، ومشبَع بثقافة قرآنية، حافظ، وهذا الذي يعطيه القوة، وكان يستوعب كل الآراء، وحتى المختلف معه يقنعه بما معناه. اليمن توفقت برئيسين، أنا ما عشت فترة الحمدي، وإنما أسمع الآن فترة الحمدي، وتوفقت بالرئيس صالح الصماد، فرحمة الله عليه، كان رجلًا استثنائيًا بكل ما تحمله الكلمة، خسرته اليمن، وخسرته الأمة، وخسرته المسيرة القرآنية خسارة كبيرة.

 

وزارة الخارجية تحذر أمريكا وبريطانيا من التطاول على القضاء اليمني
صنعاء| المسيرة نت: حذرت وزارة الخارجية والمغتربين، الولايات المتحدة الأمريكية وتابعتها بريطانيا وغيرها من التطاول على القضاء اليمني المستقل أو التدخل في شؤونه.
حماس: إقدام العدو على إعدام شابين أعزلين في جنين يكشف عقليته الإجرامية واستباحته للدم الفلسطيني
المسيرة نت| متابعات: أدانت حركة المقاومة الإسلامية حماس، "إقدام قوات الاحتلال على إعدام شابين فلسطينيين أعزلين في جنين بدم بار"، رغم خروجهما من المنزل دون أنّ يُشكّلا أيّ تهديد، معتبرةً أنّ الحادثة تكشف مجددًا العقلية الإجرامية التي تحكم سلوك الاحتلال، "واستباحته الكاملة للدم الفلسطيني خارج كل القوانين والأعراف الإنسانية".
عراقجي: إيران دائمًا مستعدّة للحوار
المسيرة نت| متابعات: أعلن وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، أنّ إيران دائمًا مستعدّة للحوار ولم تترك المفاوضات؛ بينما "في المرحلة الحالية لا يمكن إجراء مفاوضات عادلة بسبب التوجّهات الأمريكية".
الأخبار العاجلة
  • 22:28
    مصادر فلسطينية: قوات العدو تقتحم قرية فحمة وبلدة اليامون قضاء جنين
  • 21:46
    وزير الدفاع الإيراني: نرصد التهديدات عن كثب ونحن مستعدون أكثر من أي وقت مضى للرد بحزم على أي تهديد
  • 21:04
    حماس: الحملة العسكرية للعدو في محافظات الضفة ولاسيما شمالها تبرهن أن خيار المقاومة هو الرد الطبيعي والمشروع على جرائمه وتصعيده
  • 21:04
    حماس: ننعى شهيدي جنين وكافة شهداء شعبنا ونؤكد أن الجريمة ليست حدثًا معزولًا بل حلقة جديدة في مسار إبادة وتصفية ممنهجة
  • 21:03
    حماس: إقدام قوات العدو على إعدام شابين فلسطينيين أعزلين في جنين يكشف عقلية العدو الإجرامية واستباحته الكاملة للدم الفلسطيني
  • 20:58
    الصحة الفلسطينية: شهيدان برصاص قوات العدو الإسرائيلي بمنطقة جبل أبو ظهير في جنين واحتجاز جثمانيهما