قمة الدوحة.. أسباب الفشل وأسرار الضعف [الحقيقة لا غير]
آخر تحديث 16-09-2025 20:49

خاص| عباس القاعدي| المسيرة نت: انعقدت قمة عربية جديدة في العاصمة القطرية الدوحة، غير أن مخرجاتها جاءت مخيبة للآمال، ولم ترقَ إلى مستوى التحديات والمتغيرات الإقليمية والدولية، كما عجزت عن اتخاذ خطوات عملية للحد من تصاعد السياسات العدوانية للكيان الصهيوني.

ويمثل ضعف الموقف الصادر عن القمة عامل تشجيع للعدو الإسرائيلي على المضي في مشاريعه التوسعية في المنطقة، إذ عكس البيان الختامي خطابًا يوحي بغياب الإرادة السياسية الفاعلة لدى الأنظمة العربية، الأمر الذي يفسَّر لدى صانعي القرار في الكيان المؤقت وواشنطن على أنه ضوء أخضر لمواصلة سياسات الإبادة والهيمنة دون خشية من ردع حقيقي.

وقبل انعقاد القمة، تسرب مشروع بيانها الختامي، فكان أبرز ما فيه هو تجديد الإدانة المعتادة، مع إضافة صيغة لفظية جديدة تمثلت في "الإدانة بأشد العبارات"، فضلاً عن الدعوة التقليدية إلى ما يُسمّى بالمجتمع الدولي لتحمل مسؤولياته ومحاسبة كيان العدو.

ويعكس مضمون القمة في جوهره، رسائل ضعف وسلبية تُضر بالأمن القومي العربي، إذ اقتصر محور الاهتمام على التضامن مع قطر إثر العدوان الصهيوني عليها، في حين تجاهل البيان الإشارة إلى العدوان المستمر على غزة منذ عامين، وكذلك غارات العدو المتكررة على عواصم عربية كدمشق وبيروت وصنعاء، فضلًا عن الاعتداءات التي طالت إيران. ويبدو من هذا التجاهل أن القمة قد تعاملت مع هذه الاعتداءات وكأنها خارج نطاق الاهتمام العربي المشترك.

إن حصر القمة في التضامن مع الدوحة – على الرغم من مشروعية هذا التضامن – عكس حذرًا وترددًا حال دون توسيع دائرة الموقف العربي ليشمل مختلف الساحات المستهدفة، وبهذا الشكل، فإن الرسالة التي التقطها كيان العدو والولايات المتحدة لم تكن رادعة أو ضاغطة، بل قد تُقرأ باعتبارها إشارة إلى استمرار حالة الضعف العربي، الأمر الذي يوفّر غطاءً إضافيًا لسياسات المجرم نتنياهو العدوانية ويشجعه على المضي في مشاريعه التوسعية في المنطقة.

وتُظهر الخلاصة أن المواقف الرسمية العربية كثيرًا ما جاءت محمّلة بالتناقضات والعجز، بحيث انعكست بصورة سلبية على قضايا الأمة، وأضرت بمصالح الشعوب العربية والإسلامية، بل إن مجرد افتراض حياد الحكومات العربية بين كيان العدو الإسرائيلي من جهة، وبين الشعوب وقوى المقاومة من جهة أخرى، يمكن اعتباره – في ظل الواقع الراهن – تقدّمًا ملحوظًا مقارنة بالمسار القائم.

وعليه، فإن التجارب المتكررة تشير إلى أن أي تحرّك صادر عن الأنظمة العربية، في غياب رؤية استراتيجية جادّة، لا يؤدي إلا إلى المزيد من التوغّل لجيش الاحتلال وتعاظم السياسات الصهيونية القائمة على الغطرسة والعدوان، وما يرافقها من تداعيات كارثية تصيب الدول والشعوب العربية والإسلامية على حد سواء.

ومن اللافت أنّ البيان الصادر عن القمة قد تجنّب الإشارة إلى أسماء شهداء فلسطين الذين ارتقوا في الغارة الصهيونية على الدوحة، مكتفيًا بإدانة الجريمة والترحّم على الشهيد القطري، في حين غابت تمامًا أي إشارة إلى الشهداء الفلسطينيين، على الرغم من أنّ البيان مثّل موقف 55 زعيمًا عربيًا وإسلاميًا، ويعكس هذا التجاهل دلالة رمزية سلبية، تُظهر محدودية الموقف العربي الرسمي إزاء تضحيات الشعب الفلسطيني.

ويكشف هذا الخطاب عن افتقار البيانات الرسمية إلى أي مضمون عملي أو خطوات ملموسة، إذ لم يرقَ حتى إلى ذكر أسماء شهداء حركة المقاومة الإسلامية (حماس) الذين استشهدوا في العدوان ذاته، حيث صيغ البيان بعبارات فضفاضة من قبيل: "مواطن قطري وعدد من المدنيين"، دون الجرأة على القول "وعدد من الفلسطينيين"، وهو ما يكرّس صورة المواقف الرسمية باعتبارها أقرب إلى مجرّد صيغ إنشائية لا تتجاوز حدود الورق.

يُشار إلى أن حديث الباحث العربي عبد الله الأشعل لم يكن تعليقًا على القمة العربية والإسلامية الأخيرة في الدوحة، بل ورد قبل ما يقارب 17 عامًا، وتحديدًا في عام 2008، خلال مقابلة مع قناة الجزيرة،  غير أن دلالاته ما زالت تبدو راهنة، إذ يمكن إسقاطها على الواقع الحالي دون عناء كبير، فالعدو الإسرائيلي، مع مرور الزمن، يزداد تغولًا وتوسعًا، وتتسع شهيته للهيمنة الإقليمية، في حين تشهد العديد من الأنظمة العربية مزيدًا من الضعف والانقسام والتبعية، مع اتكالها على الحماية الأمريكية، ورهانها على سياسة التطبيع، وتقديمها تنازلات وخدمات متزايدة للكيان المؤقت.

والخلاصة أنه لا يوجد في قاموس أمريكا صداقة دائمة ولا عداوة دائمة، فهذه مقولة مشهورة في قاموس السياسة، بل تعد من البديهيات، لكن حكام العرب وحكام دول التطبيع وإمارات الخليج، مثلهم مثل من سبقهم من حكام العرب، اعتقدوا أن حاجة الأمريكي والصهيوني لهم ستستمر بلا توقف وبلا نهاية، والنتيجة العدوان على قطر الذي يمثل النموذج للحقيقة.

الحقيقة أن العدوين الأمريكي والإسرائيلي يتعاملان مع الحكام العرب كأدوات "مرحلية"، حيث إن كل حاكم عربي له مدة صلاحية معينة، فإذا انتهت انتهى معها، لذا من كان يتصور، مثلاً، أن أمريكا ستنقلب على محمد حسني مبارك، الذي وصل في آخر أيامه إلى نتيجة لخصها بقوله: "المتغطي بأمريكا عريان."

وتُظهر القراءة الراهنة أن حالة الضعف والعجز في النظام الرسمي العربي قد بلغت مستويات غير مسبوقة، حيث باتت العواصم العربية مكشوفة أمام الاعتداءات الصهيونية، في الوقت الذي يستمر فيه الاحتلال في إبادة الشعب الفلسطيني وتوسيع دائرة عدوانه، وقد ترافق ذلك مع تراجع واضح في المظلة الأمريكية التي طالما وفّرت حماية لعواصم النفط والتطبيع، رغم ما قدّمته من تنازلات اقتصادية ضخمة تجاوزت التريليونات.

في المقابل، لم تسفر المواقف الرسمية سوى عن بيانات وقمم شكلية، تفتقر إلى الفاعلية ولا تعكس إرادة الشعوب أو متطلبات الأمن القومي العربي والإسلامي، و هذا الانفصام بين مستوى التهديدات من جهة، وضعف الاستجابة الرسمية من جهة أخرى، يعمّق الإحباط الشعبي ويكشف عن أزمة عميقة في بنية النظام العربي وعجزه عن حماية الأرض والإنسان والمقدسات.

لقد أصبح من الواضح أن إضعاف سوريا وتفكيك بنيتها السياسية والعسكرية شكّل أحد العوامل الرئيسة التي شجّعت كيان العدو الإسرائيلي على توسيع نطاق عدوانه ليطال عواصم عربية وخليجية، حيث يذهب العديد من المحللين إلى أن أدوار بعض القوى الإقليمية، وعلى رأسها السعودية والإمارات وقطر، ساهمت بصورة غير مباشرة في إضعاف الموقف السوري، وهو ما انعكس في تزايد جرأة الاحتلال الإسرائيلي تجاه المنطقة، ولو بقيت سوريا متماسكة ضمن محور المقاومة، لكان من الصعب على العدو الإسرائيلي أن تبلغ الدوحة أو أن تتمادى في استهداف لبنان وحزب الله.

ويُلاحظ أن ازدياد حجم التسهيلات والخدمات التي تقدّمها الأنظمة العربية للاحتلال يقابله توسّع في مخططاته التوسعية، بما في ذلك طموحات مشروع "إسرائيل الكبرى" الذي يُتوقع أن يكون على حساب مساحات واسعة من الأراضي العربية، بما فيها أجزاء معتبرة من السعودية، و هذه المعادلة القائمة على التواطؤ والتطبيع جعلت المنطقة أقرب إلى فريسة مكبلة أمام قوة غاشمة مطمئنة، وهو ما يفسر تصاعد خطابات نتنياهو التي لا تتردد في التهديد باستهداف أي عاصمة عربية أو إسلامية تستضيف قيادات المقاومة الفلسطينية.

وفي هذا السياق، ورغم انعقاد القمة العربية والإسلامية في الدوحة، لم تتجاوز رسائل العدو الإسرائيلي نطاق التحدي العلني والإصرار على مواصلة الاغتيالات والاعتداءات، الأمر الذي يكشف عن خلل بنيوي في بنية النظام العربي، وعجزه عن إنتاج موقف رادع يوازي مستوى التحديات الأمنية والسياسية التي تواجه المنطقة.

تُعد صناعة "العدو البديل" إحدى أبرز الأدوات التي استخدمتها بعض الدول الخليجية، وفي مقدمتها السعودية، لإعادة توجيه وعي الشعوب العربية والإسلامية، فقد جرى تصوير إيران كتهديد استراتيجي عبر خطاب مكثف حول "الخطر الإيراني" و"التوسع الإقليمي" و"الهلال الشيعي"، بما جعله الهاجس الأول في الخطاب السياسي والإعلامي الخليجي، وقد أُنفقت مليارات الدولارات في هذا المسار، على نحو أسهم في خدمة الأجندة الإسرائيلية من دون مقابل ملموس، وبما انعكس سلبًا على قضايا الأمة وأولوياتها.

إلا أن التطورات اللاحقة أظهرت أن هذه السياسات لم تضعف سوى الجبهة العربية والإسلامية ذاتها، إذ أدت إلى إنهاك الشعوب وإشعال النزاعات المذهبية والطائفية وتدمير المقدرات الوطنية، بينما تبيّن بجلاء أن التهديد الحقيقي للأمن القومي العربي والإسلامي مصدره كيان العدو الإسرائيلي، لا إيران، وهو ما يعكس خللاً جوهريًا في بوصلة الأولويات التي وجهت السياسات الخليجية خلال العقود الأخيرة.

وظل مصطلح "الخطر الإيراني" يتردد لعقود طويلة في الإعلام العربي والساحة السياسية، ممولاً من السعودية ودول الخليج، وقد كان ذلك الخطاب منسجماً مع الخطابين الأمريكي و"الإسرائيلي"، واليوم، جاءت لحظة الحقيقة: "فإسرائيل الكبرى"، لا الهلال الشيعي، هي التي تتربص بالدول العربية وتعلن صراحة أنها جزء من نبوءة (إسرائيل الكبرى الصهيونية واليهودية). 

وهنا يتضح لكل شعوب الأمة الخيانة التي ارتكبتها السعودية وبعض أنظمة الخليج حين تبنوا خطاب الفتنة المذهبية بين المسلمين سنة وشيعة، وفرس وعرب، وغير ذلك من مصطلحات الفتن الداخلية التي يعرفها الجميع من خلال وسائل إعلام الخليج.

ما يجري اليوم في الخليج والمنطقة، نسخة طبق الأصل من المصير الذي لاقاه ملوك الطوائف في الأندلس، الذين كانوا يدركون أن هناك خطراً يزحف نحوهم، لكنهم واجهوا ذلك الخطر، بالخيانة حيث كان كل ملك يتآمر على شقيقه وأخيه من أجل استرضاء الصليبيين، فاستغل الصليبيون هذه السياسة لإسقاطهم واحداً تلو الآخر.

ونحن في اليمن  عندما نتابع الأحداث، ندرك نعمة الموقف اليمني، ونعمة الثورة اليمنية، وثورة الشعب اليمني في الواحد والعشرين من سبتمبر، و لولا تحرك الشعب، ولولا المشروع القرآني والثورة، لكنا بنفس مستوى الهوان والضعف الذي عليه القطري والسعودي والأردني.

وإذا كانت هناك قمة أو قمم تستحق أن يتابعها العالم العربي والإسلامي، فهي القمم التي يعقدها الشعب اليمني كل أسبوع، وكل يوم جمعة، هذه هي القمة الحقيقية، قمة مليونيه تعبر بحق عن ضمير الأمة وضمير الشعوب، وتدعم الموقف العملي تجاه القضايا العربية والإسلامية وعن المستضعفين في غزة.

من يصدق أن 55 زعيماً عربياً أو مسلماً يمتلكون 55 جيشاً و55 دولة بكل مقدراتها، لا يجرؤون أن يطلقوا رصاصة بمسدس ضد العدو الإسرائيلي، وشعب الإيمان والحكمة، كل يوم تقريباً، يقصف العدو الإسرائيلي بالمسيرات والصواريخ الفرط صوتية، وبصوت عال ومسموع.

وتتبوأ اليمن موقعًا بارزًا في وعي الأحرار والشعوب العربية والإسلامية، حيث تتابع الأجيال كل أسبوع مجريات القضايا الإقليمية من خلال موقف اليمن وعملياته الميدانية ضد كيان العدو الإسرائيلي، ومن ثم، لا تُعتبر الأنظمة التي تُبدي اليوم استياءها من استهدافها مصدرًا مفاجئًا للمؤامرة؛ فهي، بحسب التحليل، شريكٌ في استهداف جبهة الإسناد وفي التضييق على الشعب اليمني، ومع ذلك، يبقى التفاؤل مرتبطًا بثقة متجذرة بالله وبإمكانية تحقيق النصر القريب، لا سيما مع اتساع فضح ممارسات العدو وظهور أهدافه وتوجهاته بشكل أكثر وضوحًا للعامة.

عملية "جدعون 2" الصهيونية.. استمرارٌ ممنهج لحرب الإبادة قتلاً وتجويعًا وتهجيرًا قسريًّا
المسيرة نت| خاص: مع ساعات الصباح الأولى لليوم الثلاثاء، أعلن جيش الاحتلال الصهيوني رسميًا بدء عملية "جدعون 2" في قلب مدينة غزة، تحت مظلةٍ دعم أمريكي مباشر، وربما بضوء أخضر عربي غربي، وسط عجز أممي.
يديعوت أحرونوت: نخوض حرباً دينية معقدة في غزة ولا حلول سريعة لها
متابعات | المسيرة نت: أقرت صحيفة يديعوت أحرونوت العبرية بأن حرب الإبادة الصهيونية على قطاع غزة هي حرب دينية في المقام الأول، وتمتد لتطال فلسطين والمنطقة بأسرها.
الأخبار العاجلة
  • 23:03
    مصادر لبنانية: مسيّرة للعدو ألقت قنبلة صوتية ثانية بالقرب من أحد المنازل المأهولة في بلدة عيتا الشعب
  • 22:56
    موقع "ميدل إيست آي": نظام الدفاع الجوي والرادار الذي نُشرا في قبرص سيشكلان عنصرًا محوريًا في شبكة الاستخبارات "الإسرائيلية" بشرق البحر الأبيض المتوسط
  • 22:56
    موقع "ميدل إيست آي" البريطاني: "إسرائيل" سلمت قبرص أنظمة دفاع جوي متطورة توفر ما يعرف بـ"مظلة رقمية" تغطي جزءًا واسعًا من المجال الجوي جنوبي تركيا
  • 22:49
    وزارة الخارجية: عدم خروج القمم العربية والإسلامية بقرارات عملية، يشجع العدو للاستمرار في إبادة الشعب الفلسطيني في غزة
  • 22:49
    وزارة الخارجية: القمة لم تتبن خطوات عملية جادة تجبر العدو الصهيوني على إنهاء عدوانه وحصاره لغزة وتهديده لدول المنطقة
  • 22:49
    وزارة الخارجية: مخرجات قمة الدوحة خيبت آمال الشعوب العربية والإسلامية ولم ترقَ لمستوى الخطر الوجودي للعدو الصهيوني