اعترافٌ بالوهم وإنكارٌ للإبادة
آخر تحديث 12-08-2025 16:47

روّجت السعوديّة وفرنسا منذ سبتمبر من العام الماضي لما سُمِّي بـ"التحالف الدولي لحل الدولتين"، وتم عقدُ المؤتمر الأول لهذا التحالف المزعوم في العاصمة السعوديّة الرياض، ومؤخّرًا انعقد مؤتمرٌ آخرُ لهذا التحالف في مقر الأمم المتحدة في نيويورك.

ويتزامن الترويج السعوديّ الفرنسي للتحالف الدولي لحل الدولتين مع اقتراف جريمة إبادة جماعية بحق أبناء الشعب الفلسطيني في قطاع غزة من جانب كَيان الاحتلال الصهيوني، بشراكة معلَنة وواضحة من جانب القوى الاستعمارية الغربية، ومنها فرنسا المروِّجة مع السعوديّة لمؤتمر دولي لحل الدولتين!

الواضحُ أن ترويجَ السعوديّة وفرنسا لـ وَهْمِ حَـلّ الدولتين في ظل حقيقة قائمة على أرض الواقع في قطاع غزة، الهدفُ منه صرفُ الأنظار عن الجريمة الصهيونية والشراكة الغربية فيها، ولو لم يكن الأمر كذلك لكان الأولى بالسعوديّة وفرنسا أن تعملا على الترويج لمؤتمر دولي ضاغط على الكيان الصهيوني لوقف أفعال جريمة الإبادة الجماعية.

فليس من المنطق والواقعية في شيء الترويج لحل الدولتين في ظل جريمة إبادة جماعية تُقترف أفعالها منذ ما يقرب من عامين بشكل مُستمرّ ومتتابع، فوقف أفعال الجريمة أولى من الترويج لوهم حَـلّ الدولتين إن كانوا صادقين!

وتتبادل القوى الاستعمارية الغربية والكيان الصهيوني الأدوار لتتويه وإشغال وتشتيت الرأي العام العالمي، الذي ركّز في مرحلة الإبادة الجماعية بفعل التجويع على الحالة في قطاع غزة، التي أصبحت الشغل الشاغل للتحَرّكات الشعبيّة في أغلب مدن العالم، باستثناء شعوب العالم العربي، وخُصُوصًا الخليجية منها.

ويندرج الترويجُ الفرنسي السعوديّ للتحالف الدولي لحل الدولتين في إطار إشغال الرأي العام عن تصاعد التحَرّك لمواجهة أفعال جريمة الإبادة الجماعية في قطاع غزة.

ويقتضي تبادل الأدوار بين القوى الاستعمارية الغربية والكيان الصهيوني أن تخرُجَ للعلن مواقفُ حادة من واشنطن ومن تل أبيب ومن لندن حول هذا التحَرّك الذي تندّد به الإدارةُ الأمريكية ويرفُضُه الكيان الصهيوني، وتؤيِّدُه لندن بشروط.

وفي الحقيقة الجميع متفقون على أية خطوات ظاهرُها إسنادُ الشعب الفلسطيني وباطنها تخفيف ضغط الرأي العام عن الكيان الصهيوني وشركائه في الجريمة.

ولم يقف الترويجُ الفرنسي السعوديّ عند حَــدِّ الدعوة لتشكيل تحالف دولي لحل الدولتين، بل تجاوز ذلك إلى تهديد فرنسا بالاعتراف بالدولة الفلسطينية في مؤتمر الأمم المتحدة في شهر سبتمبر القادم، وذات الموقف ينطبق على عدد من الدول الغربية التي تعلن حكوماتها أنها ستعترف بالدولة الفلسطينية.

ولا تخرج هذه المواقفُ عن كونها تزييفًا وتضليلًا لتوجّـهات الرأي العام وتغطية لشراكة القوى الاستعمارية الغربية في جريمة الإبادة الجماعية.

والأَولى بالدول التي تعلن عن مواقفَ متشابهة متعلقة بالاعتراف بالدولة الفلسطينية أن تعترف أولًا بجريمة الإبادة الجماعية المقترفة في قطاع غزة، وبدلًا من ترحيل اعترافها بالدولة الفلسطينية لشهر سبتمبر القادم، تبادر الآن وبشكل فوري للاعتراف بجريمة الإبادة الجماعية، والدعوة لدول العالم لإدانة الكيان الصهيوني بارتكاب هذه الجريمة.

لكن القوى الغربية تدرك جيِّدًا أنها شريكة في الجريمة، وأن إدانة الكيان الصهيوني باقترافها سيعني بالنتيجة إدانة لهذه القوى ذاتها، ومن ثَم فهي ليست معنية بإدانة الكيان الصهيوني بقدر ما هي معنية بتضليل وتزييف وعي الرأي العام وقناعاته عن المنفّذ المباشر للجريمة والشركاء فيها!

وما يرفع من مستوى ذلك الزيف والتضليل ما يصدر عن النظام السعوديّ بشكل شبه يومي من مواقف متضمنة الترحيب والشكر والتقدير للدول التي تعلن مواقف مماثلة للموقف الفرنسي فيما يتعلق بالاعتراف بالدولة الفلسطينية.

وتعمل السعوديّة من خلال ذلك على إيهام الرأي العام العالمي عُمُـومًا، والإسلامي خُصُوصًا، بخطوات جبارة في طريق الاعتراف بالدولة الفلسطينية.

وتقتضي رسالةُ النظام السعوديّ عدم الالتفات إلى هوامش الأخبار الواردة من قطاع غزة عن تتابع واستمرار أفعال جريمة الإبادة الجماعية، بالقتل المباشر، والقتل بالتجويع والتعطيش، فالاعتراف بالدولة الفلسطينية الوهمية كفيل بطمس مأساة غزة!

ولو ناقشنا من ناحية موضوعية التضليل والزيف الفرنسي السعوديّ لما يسمى التحالف الدولي لحل الدولتين والتهديد بالاعتراف بدولة فلسطين في سبتمبر القادم من جانب فرنسا وعدد من الدول الغربية، لاتضح فعلًا أن الهدف الحقيقي لا يخرج عن توفير المزيد من الحماية للكيان الصهيوني المجرم وللدول الغربية الشريكة له في الجريمة.

فلو كان التحالف المزعوم سيؤدي إلى إنضاج حَـلّ الدولتين خلال مرحلة حساسة وحرجة في تاريخ الشعب الفلسطيني، لكان الأولى أن تنضج جهود أكثر من سبعة عقود من الزمان تردّد خلالها الحديث عن حَـلّ الدولتين، ليس بمبادرة زائفة ومضللة، ولكن بقرار ملزم من الجمعية العامة للأمم المتحدة، ومع ذلك لم يرَ النور على أرض الواقع.

فكيف يمكن لمبادرة زائفة ومضللة، على رأسها فرنسا والسعوديّة، أن تخدع الرأي العام وتفعل ما عجزت عن فعله بقرارها المشؤوم في الجمعية العامة للأمم المتحدة؟

وعن الاعتراف الفرنسي المزعوم في سبتمبر القادم، ما هو مضمونُ هذا الاعتراف وما هي قيمته القانونية والواقعية؟

الأصل أن الاعترافَ بالدولة ليس مسألة وهمية، ولكنه يتضمَّنُ الاعترافُ بركن الشعب وحقه في أرضه وفي تقرير مصيره بحرية تامة، واختيار حكامه ونظام حكمه، وهذا ما يفتقده الزيف والتضليل الفرنسي؛ إذ إن ركن الشعب في الدولة الفلسطينية يتعرض لجريمة الإبادة الجماعية التي تعد فرنسا شريكًا لمقترفها المباشر.

والأصل ألا يتضمن الاعترافُ الفرنسي المزعوم الاشتراط المسبق بعدم مشاركة فئة محدّدة من الشعب في السلطة، فذلك تدخل سافر ومشين في الشؤون الداخلية للشعب الفلسطيني.

ومع ذلك تشترطُ فرنسا للاعتراف بالدولة الفلسطينية استسلامَ حماس وتسليمَ وسيلة مقاومتها للاحتلال، وعدمَ الاشتراك في حُكم الدولة الفلسطينية محل الاعتراف الفرنسي المزعوم.

والأصل أن يتضمن الاعتراف بالدولة الاعتراف بركن الأرض أَو الإقليم الذي يقيم عليه شعب الدولة، وأن يكون ذلك واضحًا ومحدّدًا سواء بالنسبة لليابسة من النطاق الجغرافي لركن الدولة أَو الجزء الملاصق له من البحر أَو المحيط وما يعلوهما من فضاء، شرط أن تتمكّن الدولة المعترف بها، ودون عوائق، من ممارسة سيادتها على نطاقها الجغرافي برًّا وبحرًا وجوًّا، وهو ما لا يوفره اعتراف فرنسا وغيرها من الدول التي أعلنت ذات الموقف؛ مَـا يعني أن الموقف الفرنسي لا يتضمن الاعتراف حقيقة بدولة بأركانها الثلاثة: الشعب، والأرض، والسلطة السياسية.

ويتضمن الاعتراف بالدولة أَيْـضًا الاعتراف بركن السلطة السياسية للدولة، وما يجب أن تتمتع به هذه السلطة من سيادة واستقلال داخليًّا وخارجيًّا، وذلك ما لا يتوافر في الترويج الفرنسي للاعتراف بالدولة الفلسطينية؛ مَـا يعني أن التضليلَ والزيفَ الفرنسي، وإن كان يتحدث عن اعتراف بالدولة، فَــإنَّه ينصرف إلى اعتراف بسيط ومحدود بسلطة بدون شعب ولا أرض، هي السلطة الفلسطينية، وليس الدولة الفلسطينية، وشتّان ما بين الأمرين!

وإذا ما تساءلنا في نهاية المطاف، بعد اتضاح الزيف والتضليل الفرنسي السعوديّ وأهدافه: هل الاعتراف بالدولة من جانب الدول الأُخرى له قيمة قانونية وضروري لقيام الدولة واقعًا؟

حقيقةُ أن الاعترافَ بالدولة من جانب الدول الأُخرى لا يترتب عليه قيام الدولة أَو انهيارها، فالدولة تعد قائمة على أرض الواقع بمُجَـرّد تبلور أركانها الثلاثة: وهي الشعب، والأرض، والسلطة السياسية.

وَإذَا ما كان هناك من اعترافٍ بالدولة من جانب الدول الأُخرى؛ فَــإنَّ هذا الاعترافَ لا أثرَ له في نشأة الدولة ووجودها من عدمه، ويقتصر أثره على الجانب السياسي المتعلق بتسهيل التعامل بين الدول، وهذا التعامل إن لم يأتِ به اعتراف سياسي معلن ستكرّسه وتفرضه على أرض الواقع حاجة الدول إلى بعضها.

وقد تكون الدولة قائمة بأركانها الثلاثة ومعترفًا بها دوليًّا، فتنهار إذَا ما انهار أحد أركانها.

فركن الشعب، مثلًا، قد يتعرض للفناء بانتشار وباء قاتل، أَو يتعرض للإبادة بأسلحة دمار شامل، مثلما يتعرض له الشعب الفلسطيني اليوم من جانب كيان الإجرام الصهيوني وشركائه في الجريمة، ومنهم فرنسا.

وقد يختفي ركن الأرض إذَا ما تعرض لزلزال مدمّـر، أَو لاحتلال من جانب دولة أُخرى، كما هو الحال أَيْـضًا بالنسبة لأرض دولة فلسطين العربية التي تعرضت للاحتلال من جانب بريطانيا، ومن بعدها الكيان الصهيوني.

وقد ينهار ركن السلطة وتنتهي الدولة، كما هو حال الصومال في بداية عقد التسعينيات من القرن الماضي وإلى اليوم.

وتجب الإشارةُ إلى هدف خفي يخفيه الترويج السعوديّ الفرنسي للاعتراف بالدولة الفلسطينية، وهو تكريس حالة شاذَّة في نشأة الدول، لتقييد هذه النشأة باعتراف الدول الأُخرى بها، وهذا أمر في غاية الخطورة؛ ليس لأَنَّه يقيد الدول حديثة النشأة، إما بانفصالها عن دولة أَو دول أُخرى، أَو نيلها استقلالها عن دولة كانت محتلّة لها، بل الأخطر من ذلك أن الزيفَ الفرنسي السعوديّ ينصرف إلى سحب صفة الدولة عن دول قائمة على أرض الواقع فعلا منذ عقود.

فبلادنا اليمن، مثلًا، دولة قائمة منذ أوائل القرن الماضي عقب استقلالها عن الاحتلال العثماني حتى اليوم، ولا يعني تغيير ممثلي السلطة العامة بحال من الأحوال تغيّر في وضع الدولة.

وهذا ما تحاولُ السعوديّةُ وفرنسا تكريسه من خلال اعترافها بممثلي السلطة الذين يعدّون أدوات بيدها، كما هو حالُ حكومة الخونة والعملاء الموصوفة بأنها شرعية، والتي تمثل من حَيثُ الأصل سلطة جمهورية، لكنها تقيم في فنادق أنظمة ملكية، بلا أرض وبلا شعب.

ومع إسقاط ذلك، يهدفُ الزيفُ والتضليل إلى إسقاط الاعتراف على الدولة بجميع أركانها.

وهذا أمر غير سائغ في العلاقات الدولية؛ إذ يعد تغيير ممثلي السلطة العامة من أخصّ الشؤون الخَاصَّة بشعب الدولة، وهو شأن داخلي بحت لا يجوز لأي جهة خارجية التدخل فيه بأي صورة من الصور، وهو ما ورد التأكيد عليه في ميثاق الأمم المتحدة، الذي نصّت الفقرة (7) من المادة (2) منه على أن:

"ليس في هذا الميثاق ما يسوِّغُ للأمم المتحدة أن تتدخَّلَ في الشؤونِ التي تكونُ من صميمِ السُّلطانِ الداخلي لدولة ما، وليس فيه ما يقتضي الأعضاء أن يعرضوا مثلَ هذه المسائل لأن تحل بحُكم هذا الميثاق...".

شديد: اليمن يقدّم نموذجًا فريدًا ويكسر حالة العجز العربي
خاص| المسيرة نت: أكد الخبير في الشؤون الصهيونية عادل شديد، إن الشعوب العربية تتعاطف بصدق مع القضية الفلسطينية، لكن أنظمتها تعيق تحركها وتمنعها من الضغط أو المواجهة، على عكس الحالة اليمنية التي وصفها بـ"النموذج الثوري الفريد"، والتي استطاعت أن تفرض حصارًا بحريًا على الاحتلال وتوجه ضربات شبه يومية.
قيادي في حماس: وافقنا على المقترح ونحذر من نوايا الاحتلال
أكد القيادي في حركة المقاومة الإسلامية حماس، الدكتور باسم نعيم، أن الحركة سلّمت ردها الرسمي إلى الوسطاء بشأن المبادرة الأخيرة، مؤكدًا أن الرد جاء بالموافقة الكاملة، انطلاقًا من تقدير وطني مسؤول للواقع الميداني، وصمود شعبنا في وجه آلة العدوان الصهيوني.
تظاهرة حاشدة في كبرى مدن واشنطن ضد جرائم الاحتلال في غزة
المسيرة نت| خاص: خرج الآلافُ من سكان مدينة "سياتل" ــ الأمريكية الساحلية وَكُبْرَى مدن ولاية واشنطن ــ إلى الشوارع، في تظاهرة حاشدة؛ استجابةً للدعوة إلى "الأسبوع العالمي للتحَرّك ضد التجويع القسري" الذي يفرضُه الكيان الصهيوني على الفلسطينيين في قطاع غزة.
الأخبار العاجلة
  • 03:06
    أمريكا: احتجاجات غاضبة أمام قنصلية العدو الصهيوني في مدينة هيوستن بتكساس تضامنا مع غزة واستنكارا لحرب الإبادة
  • 03:06
    مستشفى الهلال الأحمر الميداني بغزة: 3 شهداء ومصابون إثر قصف مسيرة للعدو الإسرائيلي خيمة نازحين بمواصي خان يونس
  • 03:06
    مصادر فلسطينية: شهيد ومصابون إثر قصف مروحيات العدو الإسرائيلي منزلاً في مخيم النصيرات وسط قطاع غزة
  • 02:30
    شركة فيريسك مابلكروفت البريطانية: وقف إطلاق النار في غزة من شأنه أن يخفف التوترات الإقليمية
  • 02:30
    شركة فيريسك مابلكروفت البريطانية: القدرات العسكرية لليمنيين تردع السعودية والإمارات من الانجرار مجددًا و التورط المباشر في الحرب
  • 01:42
    مصادر فلسطينية: شهداء وإصابات في قصف العدو الإسرائيلي منزل عائلة درويش جنوب مخيم النصيرات وسط قطاع غزة