خبراء عسكريون لـ "المسيرة": جنود الاحتلال الإسرائيلي يخوضون معركة بلا بُوصلة استراتيجية في غزة

خاص| محمد ناصر حتروش- المسيرة نت: يتحول قطاع غزة تدريجيًّا إلى حقل ألغام لجيش الاحتلال الإسرائيلي، فالمقاومة الفلسطينية تتفنّن في ابتكار وسائلَ دفاعية وهجومية؛ ما يؤدي إلى استنزاف شامل لجنود العدوّ الإسرائيلي وآلياته.

ورغم القوة النارية الهائلة التي يوظّفها العدوّ الإسرائيلي، تتحدث الوقائع الميدانية عن إنجازاتٍ نوعيةٍ للمقاومة، التي باتت تمتلك زمام المبادرة في أكثر من جبهة، وتُخضِع جيشًا مصنَّفًا ضمن قائمة الجيوش الأقوى عالميًّا لمنطق المفاجأة والإرباك المُستمرّ.

ويجمع الخبراء والمحللون العسكريون على أن حركاتِ المقاومة تجاوزت مرحلة الدفاع، واتجهت نحو قلبِ المعادلة، في المقابل، يعاني جيشُ العدوّ من تخبُّطٍ استراتيجي، وانهيار في الثقة القيادية، وتآكل في أدوات الحسم العسكري.

وتعتمد المقاومةُ الفلسطينية على تكتيكات مركَّبة ومغايرة تربك جيش العدوّ وتعيده إلى مربع الصفر، مبددةً كُـلَّ أوهامه المتعلقة بالحسم والانتصار، وبالتالي دخول جنود الاحتلال الإسرائيلي في مأزق استراتيجي يصعب الخروج منه.

وفي السياق، يؤكّـد الخبير في الشؤون العسكرية، العميد مجيب شمسان، أن "المقاومةَ الفلسطينية ابتكرت معادلاتٍ ميدانيةً جديدة أرعبت العدوّ الإسرائيلي وغيَّرت كُـلَّ موازين المعركة.

وفي حديثه لقناة "المسيرة"، يرى شمسان أن "المقاومة الفلسطينية نجحت، خلال الأسابيع الأخيرة، في نقل المعركة إلى مستوى نوعي جديد يعتمد على العمليات المركَّبة والتكتيكات المتقدمة التي أربكت الحسابات الإسرائيلية وكشفت هشاشةَ القيادة الميدانية للجيش"، مُشيرًا إلى أن محاولة عملية أسر جنود صهاينة في هذه المرحلة الحسَّاسة من الحرب تمثل "صفعة قوية" لمؤسّسة الكيان العسكرية.

وفيما يروِّجُ العدوّ الإسرائيلي للمستوطنين الصهاينة حول السيطرة الكاملة على قطاع غزة وتحقيق الأهداف، تأتي المقاومةُ الفلسطينية لتؤكّـد أن بنيتها العسكرية والتكتيكية لا تزال حاضرة وقادرة على المبادرة.

ووفقًا للعميد شمسان، فَــإنَّ "محاولةَ تنفيذ عمليات الأسر، لا تُنفذ إلا بعد توافر معلومات استخبارية دقيقة، وجهد ميداني عالي التنسيق، واستعداد قتالي منضبط؛ ما يدل على تطور ملحوظ في أداء المقاومة"، لافتًا إلى أن "الاستخدامَ المكثّـفَ والذكيَّ للعبوات الناسفة كأحد أبرز وجوه التحول في تكتيكات المقاومة".

وبحسبِ تقديرات العدوّ الإسرائيلي، فَــإنَّ 27 جنديًّا من أصل 38 قُتلوا مؤخّرًا نتيجة لتفجير عبوات، سواء أثناء تقدم الآليات أَو ضمن مبانٍ مفخخة استدرجت إليها القوات الخَاصَّة.

ولعل ما يُفاقِمُ الخسائر هو تآكُلُ القدرات الهندسية لجيش الاحتلال الإسرائيلي، حَيثُ نجحت المقاومة في تدمير عدد كبير من جرافات "دي 9" المُدرَّعة؛ ما دفع العدوّ لاستخدام جرافات مدنية مكشوفة غير مصفَّحة؛ الأمر الذي جرَّد القوات من غطائها الهندسي وأدَّى إلى سقوط المزيد من الجنود في الكمائن.

ويشير شمسان إلى أن "براعة المقاومة تتجلى في إعادة توجيه استراتيجية الاحتلال ضده، فبينما يحاول جنود الكيان تشتيتَ قدرات فصائل المقاومة، بادرت المقاومة إلى تشتيت العدوّ نفسه عبر تعدد جبهات الاشتباك وتوقيت الضربات".

ويعتقد أنه "كلما حاول الكيان الغاصب حشد قواته في خان يونس، يتفاجأ بعمليات مركَّزة في بيت حانون أَو جباليا أَو الشجاعية؛ ما أَدَّى إلى إنهاكِ القوة العسكرية الميدانية وفقدان السيطرة على الإيقاع العملياتي".

وخلص شمسان إلى أن "أكثر من 45 عملية نوعية نُفذت خلال الأسابيع الماضية، شملت كمائنَ مُركَّبة، قنصًا، تفخيخَ مبانٍ، وتدمير آليات ومراكز قيادة، وكلها موثَّقة بالصوت والصورة؛ ما يؤكّـد وجود غرفة عمليات مركَزية ذات تخطيط محكم وتنفيذ لا مركزي شديد الفعالية".

[

من العبوات الناسفة إلى الأسر.. كيف قلبت المقاومة استراتيجيات الاحتلال في غزة؟

🔹 العميد مجيب شمسان - خبير عسكري#ملفات pic.twitter.com/JP9mHPTYJN

— قناة المسيرة (@TvAlmasirah) July 14, 2025

]

وفي ظل الإرباك الميداني المتصاعد، يبدو أن تقديراتِ العدوّ الإسرائيلي لم تعد تصمد أمام الوقائع؛ فالآليات التي اجتاحت مناطق مثل خان يونس والزيتون باتت تتحَرّك دون غطاء هندسي كافٍ، والجنود المدجَّجون بالسلاح يُجبرون على البقاء داخل ناقلاتهم خوفًا من الاشتباك.

وحول هذه الجزئية، يسلط الخبير في الشؤون العسكرية العميد علي أبي رعد الضوءَ على الزاوية النفسية والعسكرية لهذا الانهيار، كاشفًا عن خللٍ عميقٍ في بنية جيش الاحتلال يتجاوز الخسائر البشرية إلى أزمة قيادة ومعنويات متهالكة.

وفي حديثه لقناة (المسيرة)، يرى أبي رعد أن "جنود الاحتلال الإسرائيلي يخوضون معركة "بلا بُوصلة استراتيجية"، حَيثُ يكرّرون الدخولَ إلى مناطق مدمّـرة كليًّا، مثل الشجاعية وحي الزيتون وخان يونس، دون أن يحقّقوا أي مكسب عسكري واضح"، موضحًا أن "الهدفَ الحقيقي هو تفريغُ غزة من سكانها وليس تحقيقَ "نصر عسكري"، كما يدّعي قادة الاحتلال".

ويوضح أبي رعد أن "دبابات ميركافا 4 التي تُمثل فخر الصناعة "الإسرائيلية"، تعرضت لتدمير وإعطاب كبيرَين رغم منظومة "تروفي" الدفاعية، مؤكّـدًا أن "الكيان لجأ إلى استخدام دبابات ميركافا 2 و3 القديمة، وهو مؤشِّرٌ على تراجُعِ قدرته على الصمود ميدانيًّا، وسط استنزاف متسارع للمعدات".

ويشير إلى أن "سلاسلَ الإنتاج الحربي التابعة للكيان تعاني نتيجة نقل عناصر فنية إلى جبهات القتال؛ ما تسبّب في إبطاء التصنيع، وتعطيل صيانة المعدات، وتعميق الأزمة اللوجستية".

ومن الناحية النفسية، يكشف أبي رعد عن حالات انهيار واسعة في صفوف الجنود الإسرائيليين، خُصُوصًا مع تمديد خدمتهم الاحتياطية أربع مرات متتالية، مبينًا أن "بعض الجنود يرفضون الخروجَ من ناقلات الجند؛ ما يسهل على المقاومة استهدافهم".

ويشير إلى أن "احتجاجات ذوي الجنود وتصاعد الغضب الشعبي من إدارة الحكومة للمعركة قد زاد، ونقل عن ضابط متقاعد هجومَه على وزير المالية الإسرائيلي المتطرِّف بقوله: "اذهب أنت وابنك إلى الجبهة إذَا كنت تملك الجرأة".

[

انهيار أسطورة جيش العدو الإسرائيلي: خسائر فادحة في العتاد والبشر وتعويضات أمريكية-أوروبية عاجلة

🔹 العميد علي أبي رعد - خبير عسكري#ملفات pic.twitter.com/8hYPFCVKZK

— قناة المسيرة (@TvAlmasirah) July 14, 2025

]

وتحافظ المقاومة الفلسطينية على حيويتها وقوتها، بفضل عقيدتها القتالية المتجذرة، حَيثُ يعيش جنود الكيان الصهيوني واحدةً من أسوأ أزماتهم البنيوية، في ظل فشل القيادة، وتآكُل العتاد، وتصدُّع الجبهة الداخلية، وغياب أي أفق استراتيجي.

 وتبقى غزة ميدانَ ساحة لاختبار الإرادَة، حَيثُ تقفُ المقاومةُ الفلسطينية كقوة منظمة ومرنة، تنسج معركتها بهدوء، وتضرب بثقة، وتعيد تعريف مفاهيم النصر والخسارة في ميزان المنطقة.