كيف تتحوّل المنصات الرقمية إلى أدوات توجيه نفسي وسياسي دون أن يشعر المستخدم؟
آخر تحديث 03-12-2025 20:42

عباس القاعدي| المسيرة نت: تجاوزت المنصات الرقمية دورها التقليدي كمنصات للترفيه والتواصل، حيث أصبحت تعمل كنظم تأثير واسعة قادرة على إعادة تشكيل الوعي السياسي والاجتماعي لملايين المستخدمين، هذا التأثير لا يعتمد على الرسائل العلنية فقط، بل على خوارزميات توصية تصمم حركة المحتوى، وتحدد ما يظهر وما يخفى، ومن يتصدر النقاش العام، ومن يُدفع به إلى خارج المشهد.

ومع تزايد الاعتماد على هذه المنصات كمصدر رئيسي للمعلومات، باتت القرارات الاجتماعية والسياسية تتشكل داخل بيئة تكنولوجية مغلقة، تديرها شركات تمتلك البيانات والأدوات وتتحكم في مسار الاهتمام العام.

هذا الواقع يطرح سؤالاً أساسياً حول مدى قدرة المجتمعات على حماية وعيها في فضاء رقمي يتغير باستمرار، خصوصاً أن هذه المنصات تعتمد على خوارزميات عالية الدقة ترصد سلوك المستخدمين وميولهم الفكرية، وتتعلم من تفاعلاتهم لتوجيه المحتوى الأنسب لتفضيلاتهم. ليس الهدف هنا تسهيل التصفح فقط، بل تعزيز توجه معين وجعله يبدو وكأنه خيار طبيعي. وهكذا، يتشكل الرأي تدريجياً، دون صخب، ودون أن ينتبه المستخدم إلى أنه يتحرك داخل مسار معد مسبقاً.

والمحتوى الذي يظهر أمام المستخدمين في هذه المنصات ليس عشوائياً، بل نتيجة عملية ترشيح مقصودة، فالخوارزميات البرمجية تبني غرفة صدى خاصة بكل فرد، وتكرر له الأفكار التي يتفاعل معها، وتبعد عنه الآراء التي قد تزعجه أو تخالف توجهه. ومع الوقت، يصبح المستخدم محاصراً داخل عالم فكري واحد، يظن أنه الحقيقة المطلقة.

وأيضًا، تدرك هذه المنصات جيدًا أن المحتوى العاطفي أو الغاضب، المستفز، الصادم هو الذي يحقق انتشارًا واسعًا وربحًا أعلى، لذلك تدفع به إلى الواجهة، خصوصًا فيما يتعلق بالقضايا السياسية، وتقوم بتأليب الرأي العام. ولهذا، فإن ظهور مقطع فيديو لمعلم يبكي من سوء المعيشة، أو شخص يشكو من رداءة الوضع الأمني، قد تبدو هذه الأخبار حقيقية، لكن تكرارها وتنوعها بهذا الشكل يزرع فكرة معينة لدى المستخدمين، تخدم طرفًا يدفع أكثر لهذه المنصات، والنتيجة تضخيم الخلافات وتحويلها من نقاش إلى صراع، ومن اختلاف إلى انقسام، وكلما ارتفع مستوى الاحتقان، ارتفعت معه أرباح الشركات.

وهذا التغيير لا يحدث دفعة واحدة، بل يحدث ببطء، عبر تعديل تدريجي في نوعية المحتوى، وترتيب الاهتمامات، وفي طريقة صياغة الأفكار، ومع مرور الوقت، يتحول المستخدم إلى نسخة فكرية جديدة دون أن يدري أنه تغير. إنها عملية إعادة تشكيل ناعمة تعرف في علم النفس بالتأثير الخفي عبر التعرض المتكرر.

وإزاء هذا الواقع، تتعالى الأصوات المطالبة بفرض وتشديد العقوبات على المحتوى المضلل والموجه سياسيًا في بعض الدول، خصوصًا في أوروبا وأستراليا، حيث بدأت باتخاذ خطوات عملية لوقف هذا التلاعب الخفي بالعقول عبر قوانين تلزم المنصات بالكشف عن آليات التوصية، والحد من التوجيه السياسي الخفي. فالقضية لم تعد مجرد متابعة محتوى أو التفاعل معه، بل تتعلق بكيفية تشكل وعي الشعوب وصياغة مستقبل مجتمعات كاملة عبر أدوات غير مرئية.

هندسة نفسية خفية

توضح المهندسة المتخصصة في الاتصالات وإدارة المشاريع الاستراتيجية غادة الأسدي أن الخوارزميات لم تعد مجرد أدوات لفرز المحتوى كما كان سابقًا، بل أصبحت نماذج تتعلم من سلوك المستخدمين لحظة بلحظة، أي ماذا يشاهدون حتى النهاية، وما الذي يثير فضولهم من المواضيع. ومع تراكم البيانات، تتحول المنصة إلى آلة تتنبأ بما يحرك المستخدمين نفسيًا، وخلال فترة طويلة من الزمن، تبني قدرة تنبؤية دقيقة من نماذج متعددة. ومن هنا تظهر الإشكالية، حسب تعبيرها.

وتؤكد أن التطور التقني طبيعي، لكن طريقة توجيهه هي ما خلقت الإشكاليات وجعلت الكثير من الخبراء يتحدثون عن هندسة نفسية ناعمة تقوم بها المنصات، التي تعمل على توجيه الانتباه، وتضخيم مشاعر معينة، وتعزيز قناعات دون أخرى، وخلق صورة معينة عما يفكر به المستخدمون، فيتحول ذلك بالتدقيق إلى ما يجب أن يفكر به الناس. وتشير إلى أن ذلك يحدث نتيجة تصميم مبني على علم السلوك، وهو ما كان سابقًا يتطلب تحليلًا صعبًا ومطولًا، لكن اليوم يتم بكل سلاسة وتلقائية، وبشكل مؤدلج وأكثر فعالية باستخدام الذكاء الاصطناعي ونماذجه.

وتلفت إلى أن المحتوى الغاضب والصادم يُفضَّل في الظهور لأنه الأكثر تفاعلًا، وهذا يرفع مدة المشاهدة والأرباح. أما الأخطر، فهو تحول الغضب إلى وقود للاستقطاب السياسي، إذ تنتشر المواد المثيرة للانقسام أسرع بست مرات من المحتوى الهادئ، ما يجعل المنصات بيئة خصبة لتوجيه الرأي العام وتمرير الرسائل الدعائية.

وتلفت إلى أن المنصات أصبحت تفضل المحتوى الغاضب أو الصادم والعاطفي، لأنها تعرف أنه سيكون الأكثر تفاعلاً، والتفاعل يعني بقاء المشاهدات أطول، وإعلانات أكثر، وبالتالي أرباح أكثر. هذا ما يتعلق بالأرباح والجانب التجاري، موضحة أن الأخطر من ذلك هو تحول الغضب إلى وقود للمنصات، ومن ثم يتحول إلى سلاح للاستقطاب السياسي، إذ تنتشر المواد المثيرة للانقسام أسرع بست مرات من المحتوى الهادئ، ما يجعل المنصات بيئة خصبة للاستقطاب السياسي فعلياً ولتوجيه الرأي العام، وتمرير رسائل دعائية بشكل مباشر.

من التخصيص إلى العزل الفكري

وحول التحول التدريجي على منصات التواصل من العموم إلى تخصيص المحتوى، توضح الأسدي أن التحول التدريجي في هذه المنصات يحدث عبر ثلاث خطوات أساسية: أولاً، التخطيط المفرط على المحتوى، بحيث يرى كل شخص عالماً رقمياً مختلفاً بالكامل، وتشكل له منصات تدريجية وفق اهتماماته، وهذا يعزل الأفراد داخل فقاعات فكرية.

ثانياً، التكرار، وهو فكرة واحدة تظهر مثلاً خمسين مرة من مصدر مفلس، وتبدو كأنها رأي للمجتمع، لكنها في الحقيقة موجهة، فتغير قناعات كل مستخدم دون أن يدري، وهي مرتبة خصيصاً لهذا الغرض، ويتم ظهورها بشكل عشوائي.

ثالثاً، خطوة التعود، وهي كثرة مشاهدة المحتوى، فمثلاً المحتوى الغاضب يجعل الغضب نفسه شيئاً عادياً، وكثرة مشاهدة محتوى متحيز تجعل التحيز يبدو منطقياً. وبهذه الخطوات تتحول المنصات من ناقل للأخبار أو وسائل للتواصل وتبادل الأفكار إلى مشكل بطيء للوعي الجمعي.

التنظيم مهم والوعي هو السلاح

وفيما يتعلق بقوانين فرض الضوابط والالتزامات على منصات التواصل الاجتماعي، وما يرتبط بالوقاية والحماية، تشير الأسدي إلى وجود جهود عالمية كبيرة، خاصة في أوروبا وأستراليا، تتجه نحو فرض قوانين تلزم المنصات بالكشف عن آليات التوصية والحد من التوجيه السياسي الخفي، وذلك من خلال قوانين الحماية الرقمية بأنواعها، سواء ما يتعلق بالأطفال أو القوانين العامة. وتؤكد أن هذه القوانين تحسن مستوى الحماية، لكنها لا تلغي المشكلة، لأن الخوارزميات تتطور أسرع من قدرة الحكومات على تنظيمها، وهذه هي المشكلة الرئيسية. 

وتشير إلى أن التنظيم ضروري، لكن الوعي يظل السلاح الأهم؛ فعندما يفهم المستخدم آلية عمل المنصة يصبح أقل عرضة للخداع الخوارزمي، وأكثر قدرة على حماية وعيه في عالم رقمي متسارع.

العدو السعودي يستهدف بالمدفعية والرشاشات وادي الرقو بمحافظة صعدة
صعدة | المسيرة نت: استهدف العدو السعودي اليوم الأربعاء، بالمدفعية والرشاشات وادي الرقو بمحافظة صعدة.
حماس تتهم الاحتلال بارتكاب جريمة حرب في خان يونس وتطالب الوسطاء بلجمه
أدانت حركة المقاومة الإسلامية "حماس" العدوان الصهيوني الهمجي على خيام النازحين بالقرب من المستشفى الكويتي في خانيونس جنوب قطاع غزة.
الأمم المتحدة: غزة تسجل أكبر عدد من الأطفال مبتوري الأطراف في التاريخ
أعلنت الأمم المتحدة، أن قطاع غزة أصبح موطنًا لأكبر مجموعة من الأطفال مبتوري الأطراف في التاريخ الحديث، في نتيجة مأساوية لتصعيد العدوان المستمر والحصار الذي يفرضه العدو الصهيوني على سكان القطاع، مشيرة إلى أن أعداد الأطفال الذين فقدوا أطرافهم نتيجة الغارات الإجرامية تتزايد بشكل مستمر، في ظل ظروف إنسانية صعبة للغاية.
الأخبار العاجلة
  • 23:47
    حماس : نطالب الوسطاء والدول الضامنة بضرورة لجم الاحتلال الفاشي عن الاستمرار في جرائمه، وعدم السماح لمجرم الحرب نتنياهو وحكومته المتطرفة في التهرب من موجبات الاتفاق
  • 23:46
    حماس : ما قام به جيش العدو الصهيوني المجرم من عدوان همجي على خيام النازحين بالقرب من المستشفى الكويتي في خانيونس جريمة حرب واستهتار باتفاق وقف إطلاق النار
  • 23:17
    مصادر فلسطينية: ارتفاع عدد الشهداء إلى 6 بينهم طفلان في قصف طيران العدو خيام النازحين في مواصي خان يونس جنوب القطاع
  • 22:55
    مصادر فلسطينية: 5 شهداء بينهم طفلان نتيجة قصف طيران العدو الإسرائيلي خيام النازحين في مواصي خان يونس جنوب القطاع
  • 22:53
    مصادر فلسطينية: جرحى نتيجة قصف طيران العدو الإسرائيلي خيام النازحين في مواصي خان يونس جنوب القطاع
  • 22:53
    مصادر فلسطينية: غارات للعدو الإسرائيلي تستهدف خيام النازحين في مواصي خان يونس جنوب القطاع