المسيرة تبث الحلقة الأولى من برنامج "جغراسيا" لناصر قنديل: استعراض لأهمية غزة وأوكرانيا واليمن

خاص| المسيرة نت: يقدم النائب اللبناني ورئيس تحرير صحيفة البناء اللبنانية تحليلاً شاملاً للتحولات الجيوسياسية التي طالت المشهد العالمي وتحدياتها على القوى العظمى، من غزة إلى أوكرانيا واليمن.

ويرى الأستاذ قنديل في الحلقة الأولى من برنامجه "جغراسيا" الذي يعرض على قناة "المسيرة" أن المشهد الدولي الراهن يتميز بـالتفكك وإعادة التشكيل، حيث تراجعت أهمية المقاييس التقليدية للقوة أمام ظهور عوامل جديدة، مؤكداً أن الاستعصاء المعنوي والحق الوجودي هما الآن أثقل موازين الفعل الدولي.

 ويقدم "جغراسيا" تحليلاً عميقاً للظواهر التي قلبت المعادلات الكلاسيكية، مُبيِّناً كيف تحوَّلت بؤر الصراع المحدودة جغرافياً إلى مفاتيح استراتيجية لتوازنات القوى الكبرى، لا سيما في إطار المواجهة بين الولايات المتحدة الأمريكية والتحالفات الإقليمية الصاعدة، مركزاً في تحليله على الأبعاد الاستراتيجية للعدوان الصهيوني على قطاع غزة، وعلى الحرب في أوكرانيا، والعمليات اليمنية في البحر الأحمر، مستنداً إلى مفهوم الجغرافيا السياسية الذي تخطى الجغرافيا الطبيعية والموارد والسكان ليشمل عناصر الوجدان، والتاريخ، والقيم.

[

🔷 مقدمة الحلقة الأولى من برنامج جغراسيا
يقدمه الأستاذ / ناصر قنديل
على شاشة #المسيرة#جغراسيا pic.twitter.com/FFRXBVB4a1

— قناة المسيرة (@TvAlmasirah) November 21, 2025

]

غزة شوكة في حلق أمريكا

ويمثل الانشغال الأمريكي المستمر بقضية غزة على مدى عامين لغزاً في الجغرافيا السياسية، نظراً للتفاوت الهائل في الحجم والقوة.

ويقول الأستاذ قنديل إن الولايات المتحدة هي أكبر من غزة بنحو 27,000 مرة من حيث المساحة، وأكبر بـ 163 مرة من حيث عدد السكان، وبفارق هائل في الاقتصاد، غير أن غزة، توصف بـ "الشوكة في حلق العملاق الأمريكي، و"رأس حربة متمرد" تجرأ في السابع من أكتوبر 2023 على اجتياز كل الخطوط الحمراء.[

🔷 جغراسيا فلسطين | كيف يمكن لدولة بحجم أمريكا مساحةً أن تنشغل لسنتين بقطعة أرض لا تمثل حيا من أحياء مدنها الكبرى هي #غزة!؟ ما سر غزة أمام أمريكا!؟#جغراسيا pic.twitter.com/yjEDnKo1eX

— قناة المسيرة (@TvAlmasirah) November 21, 2025

]

وحول الأهمية الجيوسياسية لغزة، فهي نقطة القطع والربط والوصل لـ المنطقة بشرقها وغربها، وتشكل غزة واجهته الأمامية، وخلفه يقع محور المقاومة الذي تشكل إيران قلعته الاستراتيجية، واليمن ولبنان واجهاته الأمامية، والمنافسة على طريق الحرير، يُعد الإمساك بغزة ضرورياً لـ فتح طريق الهند-أوروبا الذي يفترض أن ينافس الحزام والطريق الصيني، ويمر بالسعودية وفلسطين، وبدون غزة، ينطلق طريق الحرير الصيني، ويتعثر الطريق الأمريكي.

وتعد غزة اليوم مفتاح التطبيع والغاز، حيث تعد مفصلاً محورياً في خطة أنابيب الغاز والنفط وبناء الخطوط والطرق الدولية التي ستنقل السفن والبضائع من الخليج إلى ساحل المتوسط، كما أنها مفتاح طريق التطبيع السعودي "الإسرائيلي".

وحاولت الاستراتيجية الأمريكية – بحسب قنديل- تحويل غزة من عنوان الهوية الفلسطينية إلى مجرد قضية سكان ومساعدات وملف إنساني تحت الوصاية الدولية، وفشلت في فصلها عن المنطقة ، حين فشلت عرض البحر الأحمر بسبب حضور اليمن.

وعن العامل الوجودي والمعنوي يقاس الحجم الفعلي في الجغرافيا السياسية بـ "الحق الثابت مقابل العدوان البائن"، وهنا تنقلب الصورة ويصبح الصغير المظلوم والمقاوم كبيراً في الوجدان، وأن غزة أصبحت أكبر من أمريكا نفسها في الوجدان العالمي، وباتت غزة أمن وجودي لكيان العدو الصهيوني بسبب الاختلال الديموغرافي بعد الطوفان الذي أسقط أسطورة الجيش الذي لا يُقهر، وباتت غزة العظمى لأنها علمت البشرية معنى القيم والكرامة والتضحية، وغيرت العالم.

وفي هذا السياق ينكشف الموقف الأمريكي، اذ أدت تداعيات العدوان على غزة إلى تهديد نتائج انتخابات الكونغرس، ودفعت المعتوه ترامب إلى وقف العدوان وإطلاق النار دون تحقيق الأهداف، ويُنظر إلى هذا الاهتمام على أنه اهتمام بأمريكا نفسها، حيث يرمي رئيس أمريكا بثقله داخل مجلس الأمن ليحصل على منصب رئيس حكومة غزة (360 كم مربع)، وهنا سقطت أمريكا في امتحان غزة، مما جعلها عاجزة عن الانتشار أو الخروج من الحفرة.

أوكرانيا مفتاح أوروبا وإرباك الاستراتيجية الأمريكية

ويسلط الأستاذ ناصر قنديل في المحور الثاني من برنامجه "جغراسيا" الضوء على أوكرانيا التي تُعد مفتاح أوروبا، وهي المحور الذي ترسم حوله خريطة التوازنات الدولية بين روسيا والغرب، فمن ناحية الأهمية الجيوسياسية لأوكرانيا، يرى المُنظّر الاستراتيجي "بريجنسكي" أن روسيا بدون أوكرانيا تبقى دولة كبيرة، لكنها مع أوكرانيا تصبح دولة عظمى، وكانت الاستراتيجية الأمريكية لتفكيك الاتحاد السوفيتي وربح الحرب الباردة تبدأ بـ نزع أوكرانيا من روسيا لتسقط عنها صفة الدولة العظمى.

[

🔷 جغراسيا العالم | أوكرانيا مفتاح أوروبا.. وترسم خريطة توازنات العلاقات الدولية خصوصا بين روسيا وأمريكا#جغراسيا pic.twitter.com/CbEi6LBxDs

— قناة المسيرة (@TvAlmasirah) November 21, 2025

]

وتعتبر أوكرانيا الذراع الزراعية لأوروبا، وخزان القمح والحبوب والزيوت والمعادن النادرة، ومصانع الحديد، بالإضافة إلى موقعها على البحر الأسود وشبه القرم ذي القيمة الملاحية والثروات، وتعد أوكرانيا حائط الصد في منظومة الأمن الأوروبي، وكانت المعركة على ضمها "للناتو" أو على الأقل أن تكون حليفاً لروسيا، والموقف الأمريكي من الحرب في أوكرانيا اتسم بـ التقلب والحيرة و"الارتباك الأمريكي" والاستراتيجيات التجريبية العشوائية، حيث تراوحت بين "جائزة ترضية لروسيا لتحييدها عن الصراع الأمريكي-الصيني، ومن ناحية أخرى استنزاف روسيا وتطبيق سياسة الاحتواء المزدوج، إضافة إلى كونها مدخل لـ إعادة تنشيط وتمويل النيتو وتشكيله على مقاس الرؤى الأمريكية".

وأمام فشل استراتيجية العقوبات، التي اعتمد التخطيط الأمريكي على فرض حزمة عقوبات اقتصادية قاتلة فور التدخل الروسي مثل: "قطع الودائع، ومنع السويفت، والامتناع الأوروبي عن شراء النفط والغاز" بهدف إسقاط روسيا في 48 ساعة، ولكن روسيا تمكنت من الوقوف على قدميها، وامتلكت خطة معاكسة بتحويل التحدي إلى فرصة، ودعم الصين لها، وفتح أسواق الهند لبيع النفط، مما أدى إلى سقوط المشروع وانهيار التخطيط.

وهنا تتجلى المالات المستقبلية – كما يرى قنديل- حيث تُظهر التقارير الأوروبية انهياراً كبيراً في أوكرانيا، وباتت نسب الالتحاق بالجندية من المطلوبين لا تتعدى 11%، ونسبة الفرار تصل إلى 85%، مع أن روسيا لن توقف الحرب إلا بالشروط التي أعلنتها في : " حياد أوكرانيا، نزع السلاح، وضم شرق أوكرانيا لروسيا"، وأمام هذه المعادلة انسحب ترامب من الحرب وحمل عبئها على أوروبا، وهي حرب أمريكية، والآن تكتفي أمريكا بـ إدارة أزمة الحرب، لا ممارستها.

يمن البحر الأحمر ونهاية عصر حاملات الطائرات

ويتناول الأستاذ ناصر قنديل في المحور الثالث من البرنامج جغرافيا اليمن حيث تُشكل المنازلة التي جرت في البحر الأحمر وخليج عدن بين القوات الأمريكية الغربية والقوات المسلحة اليمنية ظاهرة جيوسياسية جديدة، حيث لم يشهد العالم مثلها منذ الحرب العالمية الثانية.

[

🔷 جغراسيات | كيف حوّل اليمن الجغرافيا إلى سلاح استراتيجي هزَّ أساطير القوة الأمريكية#جغراسيا pic.twitter.com/m11sc7LTdi

— قناة المسيرة (@TvAlmasirah) November 21, 2025

]

وهنا تبرز الخلاصة الاستراتيجية الصينية، حيث كشفت دراسة صينية متخصصة في الحروب البحرية أن البيئة البحرية الحديثة قرب السواحل المحصنة بـ طائرات مسيرة وصواريخ مجنحة كما يملك اليمن تجعل السفن الكبرى وحاملات الطائرات أهدافاً مكشوفة يصعب الدفاع عنها، مما يستدعي الخروج الكامل من البحر الأحمر والابتعاد عن السواحل بمسافة تصل إلى 1000 كم.

وأمام اليمن الجديد بات البحر الأحمر الذي وُصف سابقاً بـ "مركز الأمن الأمريكي في العالم" لم يعد صالحاً لحاملات الطائرات والسفن الأمريكية، وأدت قدرة اليمن على الاستهداف إلى تغيير قواعد الحرب في العالم، وبروز معادلات قوة جديدة ومن المرجح أن تقرر أمريكا في المستقبل إخراج الحاملات من جدول الأعمال الحربي بفضل ما فعله اليمنيون.

ويعتبر الخروج الأمريكي من البحر الأحمر، يعني الخروج من الخليج، مما يعني آسيا محررة، وهو الانسحاب الجغرافي للعدو الأمريكي وهيمنته البحرية والجوية من المنطقة.

وتُظهر هذه الصراعات وهذه الملفات الثلاثة في برنامج "جغراسيا" أن الجغرافيا السياسية تُقاس بعمق الأشياء، حيث ينقلب فيها حجم الدول وقوتها العسكرية أمام الحق والقيم والصمود.

وأصبحت غزة واليمن القوتان المؤثرتان في إعادة تشكيل التوازنات العالمية، وكشفت حرب أوكرانيا عن ارتباك وفشل في الاستراتيجيات الأمريكية، وهذه المحاور الثلاث تشير مجتمعة إلى أن النظام الدولي يمر بمرحلة تفكيك وإعادة تشكيل هوياتي، فلم تعد القوة تُنال بالاحتلال المباشر أو التفوق الاقتصادي، أو العسكري المطلق فحسب، بل بالقدرة على الاستعصاء الجيوسياسي وتغيير الوجدان العالمي.

والقوى التي تتبنى مشاريع الوحدة والكرامة (كمحور المقاومة الذي يمتد من اليمن إلى غزة وإيران) تكتسب اليوم ثقلاً يتجاوز إمكاناتها المادية، بينما تتجه القوى العظمى نحو الاكتفاء بـ "إدارة الأزمات" بدلاً من إدارة الحقائق الجيوسياسية، وهذا المشهد يؤكد أن المستقبل سيعاد بناؤه حول سؤال: من مع هذه القيم ومن ضدها؟ لتصبح الهوية والضمير الجماعي المعيار الفاصل في رسم خرائط التوازنات الدولية الجديدة.