إحياء واشنطن لمبدأ "مونرو" .. روائح الهيمنة الكريهة على أمريكا اللاتينية
آخر تحديث 15-11-2025 19:26

خاص| إبراهيم العنسي| المسيرة نت: تعود واشنطن للحديث عن استهداف فنزويلا بشكل مباشر، لأسباب لا علاقة لها بمزاعم تهريب المخدرات أو غيرها من الترهات والأكاذيب التي دأب عليها الأمريكان منذ تاريخ طويل.

في الواقع أن التدخل الأمريكي في الأزمة الفنزويلية الأخيرة أعاد إحياء مبدأ "مونرو" في السياسة الأمريكية الذي يعود إلى العام 1823م، والذي يسوغ لها مبررات التدخل في الشؤون الداخلية لدول أمريكا اللاتينية.

ورغم أن هناك أسباب جوهرية مرتبطة بقوة أمريكا وحضورها الإقليمي والدولي، كنفوذها في القارة الجنوبية، ومواجهة الطموحات الصينية ، ومساعي استهداف روسيا، والضغط على النظام الفنزويلي للحصول على امتيازات أكبر في قطاع النفط الفنزويلي الكبير، والمساهمة في تغيير النظام المستقبلي، إلا أن تاريخ واشنطن في هذه القارة يقوم في الأساس على السيطرة واستغلال ثرواتها وإمكانياتها من خلال توظيف المبدأ الأمريكي الإمبريالي.

 

مبدأ مونرو والقارة اللاتينية

تاريخيًا، ظهرت الولايات المتحدة كبديل للاستعمار الأوروبي في القارة الجنوبية، فما إن خرج الإسبان حتى ظهر الوجه القبيح للولايات المتحدة الأمريكية تجاه جيرانها في القارة الجديدة، حيث يتذكر العالم مبدأ "مونرو" الأمريكي وما ارتبط به من هيمنة أمريكية على دول أمريكا اللاتينية والوسطى ومنطقة الكاريبي.

قبل مرحلة التمهيد التي امتد فيها النفوذ الأمريكي نحو الجنوب، إيذانًا ببسط الهيمنة الأمريكية على القارة اللاتينية، والوقوف بوجه القوى الاستعمارية الأوروبية؛ كإسبانيا وبريطانيا وفرنسا، كانت شعوب القارة لا ترغب في إبعاد الخطر الأوروبي عنها؛ أي أنها لم تكن تريد استبدال نفوذا ضعيفا بنفوذ أقوى، أي لا تريد استبدال السيطرة الإسبانية بسيطرة فرنسا أو بريطانيا، حيث تفضّل البقاء على وضعها القائم آنذاك حتى يتسنى لها القضاء على الاستعمار الذي كان آخذ في الانهيار، غير أنها لم تكن تدرك أن هناك خطرًا يتربص بها من الجوار ومن داخل أمريكا نفسها، فحين سيتخلص الأمريكيون من لندن وباريس، سيكون الطريق إلى الجنوب مفتوحًا طالما وجد مبدأ "مونرو".

والملفت أن موقف دول أمريكا اللاتينية من مبدأ "مونرو" كان إيجابيًا فقد رحبت به الدول اللاتينية، واعتبرته "وقفة باسلة وقوية لجارها الشمالي" لكنها لم تكن تعرف ما تخفيه العبارات المنمقة لذلك الإعلان المخادع، حيث كانت ترى فيه المظلة التي تحتمي بها في سبيل المحافظة على استقلالها الحديث، للحد الذي رغبت فيه تطوير هذا المبدأ بعقد المؤتمرات التي تجمع بينها وبين الولايات المتحدة!

وبعد زوال الخطر الإسباني والأوروبي بدأت دول القارة اللاتينية تشكك في نوايا جارها الشمالي، وبدأت مشاعرها تتغير تجاهه، خاصة بعدما ظهرت نواياه الاستعمارية عند ضمه لـ "مقاطعة تكساس" بعد انتزاعها من المكسيك والحرب معها (1846–1848م)، وكذلك ضمّه لكوبا وغيرها.

لقد هاجمت أمريكا المكسيك سنة 1831م وكذلك الأرجنتين، واستطاعت أن تمسك بزمام الأمور في الإكوادور بعد حصولها على الاستقلال سنة 1830، وحاولت عن طريق الاستثمارات الأمريكية وبوساطة شركاتها الرأسمالية السيطرة على مناجم النحاس والنفط والمعادن الثمينة، وعلى آلاف الهكتارات من أجود الأراضي الزراعية والغابات، ولم تحصل الإكوادور إلا على (16%) من الأرباح التي كانت تجنيها الشركات النفطية الأمريكية العاملة فيها.

استمر التوغل الأمريكي في أمريكا اللاتينية من خلال مبدأ مونرو، فأعلن الرئيس الأمريكي جيمس بولك ( وهو الرئيس الحادي عشر للولايات المتحدة 1845-1849)، في ديسمبر عام 1845 ما أسماه بـ"ملحق بولك" لمبدأ مونرو، ومعه تولدت في نفوس الأمريكيين مشاعر الفخر والزهو، وظهرت نزعات استعمارية قوية في الداخل، حيث نادى البعض بضم كوبا، وآخرون دعوا إلى إقامة إمبراطورية أمريكية تضم جمهوريات أمريكا الوسطى: بنما، وكوستاريكا، وهندوراس، والسلفادور.

ونتيجة لذلك أخذت الولايات المتحدة بالتوسع الإقليمي واتجهت كما أشرنا نحو المكسيك أكثر، فبعثت بمواطنيها إلى تكساس بهدف إيجاد سكان أمريكيين فيها يطالبون بالاستقلال عن المكسيك والانضمام إلى أمريكا (الدولة الجديدة)، وهذا ما أدى إلى نشوب الحرب بين أمريكا والمكسيك سنة 1846، ومن نتائجها عقد معاهدة بين الطرفين سُمّيت معاهدة غوادالوبي-هيدالجو في شباط 1848، تنازلت فيها المكسيك عن مناطق كثيرة مقابل 15 مليون دولار، ومن هذه المناطق: تكساس، وكاليفورنيا، ونيو مكسيكو.

وقد انتهجت الولايات المتحدة الأمريكية أساليب عدة للتدخل في شؤون أمريكا اللاتينية، سياسية واقتصادية وعسكرية تتداخل مع بعضها البعض.

 سياسيًا، كانت الولايات المتحدة تفرض وساطاتها، وتلزم الدول بعقد معاهدات معها، وتنصيب رؤساء موالين لها، فقد فرضت واشنطن وساطتها في كثير من النزاعات التي حصلت بين دول القارة، منها النزاع الذي حصل بين إسبانيا من جانب، والإكوادور وبوليفيا وبيرو وتشيلي من جانب آخر في (1870–1871). كما أنها بواسطة عقد المعاهدات تمكنت من الحصول على امتيازات متعددة، فبمقتضى معاهدة كلينتون–بلورو عام 1850 اتفقت مع بريطانيا "الاستعمارية" على إنشاء "قناة بنما" وعلى عدم تحصينها أو محاولة أي طرف السيطرة المطلقة عليها، إلا أنها بعد ذلك استأثرت بها بموجب معاهدة هاي–بونسيفوت سنة 1901، ولما يقارب القرن.

اقتصاديًا، لعب رأس المال الأمريكي دورًا كبيرًا في هذه المرحلة من أجل إحكام القبضة الأمريكية على الدول اللاتينية، والسيطرة على اقتصادات هذه الدول، ومنها المكسيك التي سيطر عليها رأس المال الأمريكي واستغل مواردها الطبيعية، واستثمر في أهم الصناعات مثل البترول والنقل والمواصلات والطاقة.

وسانت دومينغو عاصمة الدومنيكان سيطرت الشركات الرأسمالية على مختلف مصادر الثروة المعدنية، واتبعت أسلوب الاستثمارات الرأسمالية خاصة مع دول البحر الكاريبي وأمريكا الوسطى، ثم أمريكا الجنوبية، وارتفعت نسبة الاستثمارات الأمريكية بمقدار عشرة أضعاف بين (1897–1914).

وقد كانت غواتيمالا من أوائل البلدان اللاتينية المستقلة التي وقعت تحت النفوذ الأمريكي، ومنها امتد "الأخطبوط الاحتكاري" إلى بقية دول أمريكا اللاتينية. حيث شجعت على تدفق الاستثمارات الأمريكية في بلدان هذه القارة للاستئثار بالموارد الأولية المتنوعة كالنحاس والنفط والحديد والمعادن الأخرى، وكذلك المحاصيل الزراعية والفواكه الاستوائية كالموز والبن.

وتوسعت أرقام التجارة الخارجية وتضاعفت ثلاث مرات في الفترة الواقعة بين 1860–1900، إذ ارتفعت قيمة الصادرات من 1370 مليون إلى 1710 مليون دولار في (1900–1910).

وسيطر رأس المال الاحتكاري الأمريكي على مختلف أوجه الاقتصاد في أغلب الدول اللاتينية مثل كوستاريكا والبرازيل منذ مطلع القرن العشرين.

وفرضت واشنطن هيمنتها على دول القارة من خلال عقد المعاهدات التي تُلزم هذه الدول بإعطاء امتيازات للولايات المتحدة، ففي عام 1905 عقدت مع الدومينيكان معاهدة بموجبها تُشرف واشنطن على الرسوم الجمركية وإدارة الأوضاع المالية والدَّين العام، إذ لا يحق للدومينيكان أن تقترض من الدول الأجنبية إلا بموافقتها.

وقد وُزعت عائدات الرسوم الجمركية بالشكل الآتي: 45% للدومينيكان و55% للدائنين الأجانب، وتولت واشنطن بنفسها الإشراف على صناعة السكر ومصادر الثروة الرئيسة.

 

سرقة بنما من كولومبيا

وكشفت الولايات المتحدة عن دوافعها الاستعمارية من خلال مسألة قناة بنما، فعندما رفضت كولومبيا الموافقة على إنشائها، وصف روزفلت شعبها بأنهم "مخلوقات صغيرة وحقيرة وأنهم قطاع طرق عاجزون"، بينما وصف ثورة أهل بنما المطالبين بالانفصال بأنها "أعدل وأصدق ثورة"، وسارع بإرسال قوات بحرية لمساندتهم، فتم فصل بنما عن كولومبيا وإعلانها دولة مستقلة، واعترفت بها الولايات المتحدة مباشرة، وعقدت معها معاهدة نالت بموجبها الأرض التي تُنشأ عليها القناة، وتم حفرها وانتهى العمل بها عام 1923.

كما أن رأس المال الأمريكي تحرك في سبيل دعم وإنجاح دبلوماسية الدولار، وانتشر في دول متعددة منها غواتيمالا وهايتي ونيكاراغوا والمكسيك والدومنيكان ودول البحر الكاريبي وأمريكا الوسطى، وساهمت حكومات هذه الدول في إنجاح هذه السياسة من خلال موافقتها على استلام القروض وشراء الأسهم.

عسكريًا؛ كان هذا النهج هو السائد من أجل تنفيذ السياسة الأمريكية تجاه هذه القارة، فكانت أمريكا إما تقوم باحتلال الأراضي أو إسقاط الحكومات الوطنية، أو تنصيب حكومات موالية لها تعمل على حماية المصالح الأمريكية المتنامية في القارة اللاتينية، كما تفعل بدعمها نظام بيونس أيرس في الأرجنتين والمعارضة الفنزويلية في كاراكاس وهلم جر.

فتدخلت عسكريًا في الباراغواي في أعوام 1854 و1858 و1859، وفي تشيلي عام 1891، ومع المكسيك في (1846–1848)، مُمليَةً إرادتها على دول القارة متذرعةً بكل الذرائع، منها حماية رأس المال الأمريكي وحماية الرعايا الأمريكيين وغيرها من الحجج الواهية.

وتطبيقًا لسياسة العصا الغليظة احتلت الولايات المتحدة غواتيمالا عام 1904، واحتلت كوبا من 1906 حتى 1909، وحولتها إلى محمية أمريكية، وأقامت فيها قاعدة بحرية بموجب تعديل يمنحها هذا الحق.

وقامت بدعم الديكتاتوريات وتنصيب الرؤساء الموالين لسياستها، حيث قامت بتنصيب ويليام ووكر الذي غزا نيكاراغوا ونصّب نفسه رئيسًا عليها، وقد اعترفت به الولايات المتحدة مباشرة، إلا أنه سرعان ما فشل وطرده الشعب سنة 1857، كما أطاحت على سبيل المثال ب"الرئيس خواو غولارت" من حزب العمال في البرازيل لصالح قائد أركان الجيش البرازيلي، أومبرتو كاستيلو برانكو، العام 1963.

وفي تشيلي ساعدت على إسقاط نظام "الليندي" في سبتمبر 1973، على يد (الجنرال أوغستو بينوشي) المدعوم من المخابرات الأمريكية. وفي الأرجنتين دعمت انقلابًا عسكريًا لـ "جورج فيديلا"، أدى إلى إبادة جماعية، في 24 مارس عام 1976.

وكانت وما زالت واشنطن تهدد الدول اللاتينية بأسطولها المرابط بالقرب من الشواطئ اللاتينية، وعند حدوث أي اضطرابات أو تغييرات في الأوضاع القائمة فإنه يتحرك سريعًا لقمعها من أجل حماية مصالح الشركات الأمريكية والأنظمة الرجعية وتنصيب حكومات موالية وخاضعة لها.

وقد استخدمت واشنطن القنبلة والدولار في آنٍ واحد، فعندما رفض رئيس نيكاراغوا "زيلايا" الذي كان يتطلع إلى قيام اتحاد لبلدان أمريكا الوسطى، القروض الأمريكية المقدمة له مقابل منح الولايات المتحدة حق الانفراد ببناء قناة بين المحيطين مقابل قرض قدره 15 مليون دولار، والإشراف على الجمارك والأوضاع المالية في البلاد، أقدمت واشنطن على الإطاحة بنظام حكمه بواسطة قوات المارينز، وتمكن عملاؤها من السيطرة على مقاليد الحكم بدعم من "أدولفو ديار" الذي حصل على تأييد وزارة الخارجية الأمريكية. كما أجبر الرئيس الأمريكي "تافت" رئيس الدومينيكان على الاستقالة عام 1912.

وفي هايتي أبعدت الولايات المتحدة الدائنين الأوروبيين، وأجبرت الحكومة على ضمان الاستثمار الأمريكي من خلال الضغط السياسي والتدخل العسكري.

ومع ما تواجهه فنزويلا اليوم من تهديدات عسكرية أمريكية، إلا أن هذا البلد أكثر تعقيدًا، فلديه جيش كبير، وميليشيا مدنية منتشرة في أنحاءه، كما أنه يظل مدعومًا من قوى كبرى كالصين وروسيا، وإن كان هذا الدعم ليس الأساس في صمود كاراكاس. فالقوات المسلحة في فنزويلا تعتبر نفسها بوليفارية  ثورية معادية للإمبريالية، والكثير من أعضائها لا يثقون في معارضة متحالفة مع واشنطن.

وفي كل الأحوال، ورغم كل ما فعلته وتفعله الولايات المتحدة الأمريكية بحق هذه القارة اللاتينية، منذ أكثر من قرنين، ما زال الفكر الثوري لـ "سيمون بوليفار محرر دول أمريكا الجنوبية من الاحتلال الإسباني، وفيديل كاسترو، وهوغو تشافيز، وتشي غيفارا"، شوكة في حلق واشنطن، حيث يستمر الإرث الثوري الجنوبي في الحفاظ على الثورة ومواجهة الإمبريالية الأمريكية.

السفير صبري: قرارات مجلس الأمن تستهدف شعبنا وتغذي مسارات التصعيد في اليمن والمنطقة
خاص | المسيرة نت: حذر السفير في وزارة الخارجية عبد الله صبري من خطورة قرار مجلس الأمن الدولي الأخير، مؤكداً أنه يفاقم الأوضاع الإنسانية ويزيد من تصعيد التوترات في المنطقة، وخاصة في البحر الأحمر.
متحدث الدفاع المدني في غزة للمسيرة: آلاف الخيام تغرق والنازحون ينامون في العراء
المسيرة نت| متابعات: حذّر المتحدث باسم جهاز الدفاع المدني في قطاع غزة، محمود بصل، من تدهورٍ غير مسبوق في الأوضاع الإنسانية داخل القطاع، خاصة في مخيمات النزوح، وذلك في ظل الأمطار الغزيرة التي تسببت بغرق آلاف الخيام؛ مما دفع النازحين للنوم في العراء.
فنزويلا تستعد للحرب.. تعبئة معنوية للشعب وتدريبات عسكرية للشباب
متابعات| المسيرة نت: حَشْدُ الأسطول الأمريكي قبالة شواطئها، لا يعني بالنسبة لفنزويلا سوى الحرب، القرار في تقديرها متّخذ في البيت الأبيض وتحديد موعد التنفيذ مسألة وقت.
الأخبار العاجلة
  • 21:18
    مصادر فلسطينية: قوات العدو تقتحم قرية دير ابزيع غربي رام الله
  • 21:10
    محمود بصل للمسيرة: القطاع يحتاج إلى مراكز إيواء إنسانية آدمية تليق بالإنسان
  • 21:10
    محمود بصل للمسيرة: مياه الصرف الصحي التي خرجت إلى الشوارع بفعل تساقط الأمطار وتدمير البنية التحية من العدو تنعكس على حدوث الكثير من الأمراض
  • 21:08
    الناطق باسم الدفاع المدني بغزة محمود بصل للمسيرة: آلاف الخيم غرقت من المطر والنازحون ناموا في العراء في ظل منع العدو الإسرائيلي إدخال إمدادات الإيواء
  • 20:56
    عبد الله صبري للمسيرة: روسيا والصين تراعي مصالحها مع السعودية والإمارات وهذه المصالح هي وراء الموقف المتراخي لدى البلدين
  • 20:56
    عبد الله صبري للمسيرة: قرار مجلس الأمن سابقا فاقم معاناة ملايين اليمنيين وتمديده يزيد المعاناة وفي نفس الوقت يفتقد للمعايير الضامنة لتنفيذه
الأكثر متابعة