وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ
آخر تحديث 28-04-2020 03:06

المرحلة التي تكتمل فيها عملية الحساب ويتحدد فيها المصير بشكلٍ محسوم، هي مرحلة حسَّاسة جداً في يوم القيامة، فالمؤمن فيها يكون مستبشراً غاية الاستبشار، وفرحاً، ومسروراً، وأصبحت كل رغباته وكل تطلعاته إلى لحظات الانتقال إلى الجنة، أمَّا الخاسرون، والخائبون، والهالكون، والمفرِّطون، والمقصِّرون، والمستهترون، الذين مصيرهم بات محسوماً إلى النار، فهي حالة رهيبة ونعوذ بالله منها، حالة من الندم الشديد، حالة من الحسرة، من أسماء يوم القيامة سمِّي في القرآن الكريم بيوم الحسرة، {وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ}[مريم: من الآية39]، حسرة شديدة، ندم شديد.

 

الإنسان في تلك اللحظات التي يكون فيها متحسراً، ونادماً، وباكياً، ومستعطفاً، لا يجديه ذلك، يجديك هذا في الدنيا: أن تندم على ما تقصِّر فيه، على ما عصيت الله فيه، هنا في الدنيا يجديك، ينفعك، تتوب، تنيب، تطلب من الله المغفرة، هذا الشهر الكريم جعله الله -سبحانه وتعالى- من الفرص العظيمة لتتوجه إليه بطلب المغفرة، بطلب الرحمة، بطلب العفو، لتنيب إلى الله -سبحانه وتعالى- هنا الفرصة، هنا يجديك، كل شيءٍ هنا له قيمته، الاستعطاف، التضرع، البكاء، الدعاء، الرجوع إلى الله -سبحانه وتعالى- هنا يفيدك، هنا وقته، هناك لا فائدة لذلك، لا رحمة، ولا عطف، ولا عفو عن الباكي المتحسر المستعطف، وكم سيبكي الكثير من الناس آنذاك، من أكثر مواطن البكاء هو البكاء في يوم القيامة، يبكون، كثير ممن كانوا في هذه الدنيا يعيشون حالة القسوة، وقلوبهم أقسى من الحجارة، ولا يستشعرون الخشية من الله، ولا الخوف من الله -سبحانه وتعالى- ولا الحياء من الله، وكانوا يعيشون حالة الاستهتار بكل شيء، آنذاك هم في أنهى مستوى من الخشوع، والخضوع، والخوف، خوف شديد جداً، تكاد قلوبهم أن تخرج من صدورهم من شدة الخوف، {إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ}[غافر: من الآية18]، حالة رهيبة جداً من الخوف الشديد، والرهبة الشديدة، والندم الشديد، والحسرة الشديدة، وكل ذلك يكون عذاباً نفسياً لا جدوى منه، وليس له إلَّا هذا: أنه عذابٌ ليس فيه إلا أنه عذابٌ نفسي، هذه حالة خطيرة جداً.
حينها تبدأ في تلك اللحظات وفي تلك الأجواء حالة التعبير عن الحسرة والندامة، وعندما تأتي ضمن هذه الترتيبات عملية التقريب لجهنم والتقريب للجنة، وبداية الترتيبات والإجراءات لعملية النقل لأبناء البشر من ساحة الحشر، كلاً سيذهب ويتجه إلى مصيره الأبدي والنهائي، وتفترق البشرية فراقاً نهائياً، قد تفترق الأسرة الواحدة، قد يكون جزءٌ من أبناء الأسرة سيذهب باتجاه جهنم، وجزءٌ من أبناء الأسرة سيتجه باتجاه الجنة، ويفترقون فراقاً أبدياً، لا يلتقون بعدها أبداً، قد يكون على مستوى الذين كانت تجمعهم في هذه الدنيا القرية الواحدة، أو الحي الواحد، ظروف هذه الحياة تجمعهم، آنذاك سيفترقون: {فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ}[الشورى: من الآية7]، هكذا يقول الله -سبحانه وتعالى- في القرآن الكريم.
في تلك الأجواء الرهيبة جداً يقول الله جل شأنه: {وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ}[الفجر: من الآية23]، وهي لحظة رهيبة جداً، عندما تقترب نار جهنم، ذلك العالم الذي كله بكل بما فيه من العذاب يجسِّد غضب الله -سبحانه وتعالى- وانتقامه، فيه بأس الله، فيه سطوته، جبروته، بقوته، نعوذ بالله من غضبه وسخطه وعذابه، في تلك اللحظة الكثير ممن كان غافلاً في هذه الدنيا لا يسمع، ولا يعي، ولا تنفعه الذكرى في هذه الحياة، {يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى (23) يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي}[الفجر: 23-24]، يقول في تلك الحالة في تلك اللحظات: {يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي}، يندم على أنه لم يحسب حساب هذه الحياة الأبدية، التي كانت الأولى بأن يحسب حسابها، وأن يقدم لها، وألا تكون حياةً يعيش فيها العذاب، حياةً خالصةً بالبؤس والعذاب الشديد، ليس فيها ولا لحظة راحة، حالة خطيرة جداً، {يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي}، يفكر البعض في نفسه كيف فوَّت الحياة في أيام الدنيا، ولم يغتنم الفرصة، وكيف فرَّط فيما يقربه من الله -سبحانه وتعالى- وقد أتاح الله له الفرصة الكافية، وعرض عليه ما فيه الخير له، ما فيه نجاته في هذه الحياة، فيتحسر، ماذا يقول؟ {يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ}[الزمر: من الآية56]، {يَا حَسْرَتَا}، سيقولها من أعماق أعماق قلبه، يقولها وهو نادمٌ غاية الندم، وهو باكٍ، وهو متألم، وهو يتعذب عذاباً نفسياً، وهو في حالةٍ من الرعب، ومن الإحباط الشديد، ومن الحسرة الشديدة.

البعض قد يفكِّر في نفسه وأنه في الدنيا أغواه خليلٌ له، صديقٌ له، ارتبط في الدنيا بصديق، بقرين سوء، فأثَّر فيه، واتجه به في المعاصي، أو انحرف به إلى صف الباطل، أو ورَّطه في جرائم وذنوب، أو أبعده عن طريق حق، وعن أعمال حق، وأعمال خيرٍ ونجاة، حينها سيندم؛ لأنه ارتبط بخليلٍ وصديقٍ أبعده عن التمسك بالهدى، والسير في طريق الهدى، يقول {يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا (28)  لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي}[الفرقان: 28-29]، حالة رهيبة جداً يتحسر فيها الإنسان، البعض قد يكون ضمن أناس اتجهوا في هذه الحياة اتجاهاً ضالاً، اتجاهاً خاطئاً، اتجاهاً باطلاً، ارتبط في هذه الحياة بالمستكبرين بأيٍ من فرق المستكبرين: من الطغاة والظالمين، أو من الكافرين، أو من الفاسقين والمجرمين، ممن كانوا في هذه الدنيا يتجهون في هذه الحياة في طريق الباطل، ويتحركون في صف الضلال، فارتبط بهم على ما هم عليه من باطل، هو كان في هذه الحياة إنساناً عادياً، وإنساناً ضعيفاً على مستوى إمكاناته وقدراته المادية، كان إما من الفقراء، أو كان من الناس العاديين، وكان في هذه الحياة يرى أنه سيؤمِّن لنفسه احتياجاته في هذه الحياة، متطلبات هذه الحياة، وأن يعيش أيضاً وضعيةً محترمةً في هذه الحياة لأن ينضم إلى صف أولئك المستكبرين، وأن يدخل في إطارهم، وأن يناصرهم، وأن يقف في صفهم، فيرى في ذلك أنه سيستفيد من جوانب متعددة، فاتجه نحوهم، وارتبط بهم، وترك طريق الحق، طريق الهداية؛ إمَّا لأنه كان يرى أنه لا يؤمِّن لنفسه فيها المغريات المادية، أو كان بدافع الخوف، يرى أن أولئك هم أهل إمكانات وقدرات... وغير ذلك.

في هذه الحالة أيضاً تأتي حالة الحسرة والندم الشديد، يقول الله -جلَّ شأنه-: {وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ} في تلك اللحظات الرهيبة جداً، لحظة التوقيف والتجهيز للنقل إلى جهنم، {يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ الْقَوْلَ} في حالة من النقاش، في حالة من الخصام، الناس في تلك اللحظات يحملون بعضهم بعضاً المسؤولية فيما وصلوا إليه، وفيما صاروا إليه، {يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا}؛ لأن حسرتهم- بالتأكيد- هي أشد، وندمهم أشد، {يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْلَا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ}[سبأ: الآية31]، فهم يتجهون بتوجيه اللوم عليهم ويحملونهم المسؤولية، يقولون: {لَوْلَا أَنْتُمْ}؛ لأن ورطتنا كانت هي في مناصرتكم، ومشكلتنا هي في الوقوف في صفكم، لو سلمناكم في الدنيا واستقطابكم وتأثيراتكم لكنا مؤمنين، {قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صَدَدْنَاكُمْ عَنِ الْهُدَى بَعْدَ إِذْ جَاءَكُمْ بَلْ كُنْتُمْ مُجْرِمِينَ}[سبأ: الآية32]، يعني: اللائمة ليست علينا، بل هي عليكم، أنتم من انصرفتم من تلقاء أنفسكم، وفعلاً هذه هي الحقيقة.

الإنسان في هذه الدنيا هو الذي اتخذ قراره وخياره واتجه هو بنفسه هنا أو هناك، وإلا كان بإمكانه أن يكون متمسكاً بهدى الله -سبحانه وتعالى- الذي فيه نجاته، وفيه فلاحه، وبه فوزه، ولكن الإنسان قد يكون إنساناً عادياً ومستضعفاً وفقيراً وهو مجرم؛ ولهذا مال إلى المجرمين، مال إلى الطغاة والمستكبرين، هو يحمل في نفسه الحالة العدوانية؛ فكان مع المعتدين والطغاة والظالمين.

كل هذه الحالة من التحسر، من الخصام، من الجدل، من تحميل المسؤولية، كلاً يحمل المسؤولية الطرف الآخر، من النزاع ما بين الخليل وخليله، ما بين الصديق وصديقه، ما بين المجموعة فيما بينها... على هذا المستوى الجماعي وغيره، لا يجدي شيئاً، لا يجدي شيئاً، الله -جلَّ شأنه- كيف يقول؟ {قَالَ لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ}، ما هناك فائدة، خصامكم، تحميلكم لبعضكم البعض المسؤولية تجاه ما وصلتم إليه وما وقعتم فيه من العصيان والمخالفة، فأوصلكم إلى ما أوصلكم، لا يجديكم شيئاً، {قَالَ لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ}[ق: الآية28]، قدم الله بالوعيد في الدنيا، بل إنه -جلَّ شأنه- قدَّم حتى هذه التفاصيل التي ستحدث، قدَّم هذه التفاصيل عن تحسر الإنسان يوم القيامة، عن أسفه وندمه وحسرته، عن موقفه حتى من خليله الذي أضله، أبعده عن طريق الهدى، عن موقف المستضعفين من المستكبرين... كل هذا الوعيد تقدم في الدنيا على كل المعاصي والذنوب والمواقف والاتجاهات التي توصل الإنسان إلى جهنم، وحذر وأنذر ونصح وأقسم، في القرآن الكريم كل أساليب الخطاب، وضرب الأمثلة، ولدرجة أن الله يقسم لنا في القرآن إذا نفع فينا، إذا كان سيفيد فينا أن نصدق، يقسم لنا قسماً، فما الذي أبقى؟ ليس هناك أي تقصير من جانب الله -سبحانه وتعالى- {وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ (28) مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ}، ما هناك أبداً تغيير لقرارات الله وأحكامه، وإقناع له بأن يغير ما حكم به، لا؛ لأنه الحكم الحق الذي تقتضيه حكمته، ويقتضيه عدله.
المحاضرة الرمضانية الرابعة للسيد عبدالملك بدرالدين الحوثي 1441هـ 27-04-2020

أولمرت: هذه حرب بلا هدف وإبادة جماعية لن تعيد الأسرى
متابعات | 23 مايو | المسيرة نت: وصف رئيس الوزراء كيان الاحتلال الصهيوني الأسبق إيهود أولمرت ما تقوم به حكومة نتنياهو في غزة والضفة الغربية بجرائم الحرب والإبادة الجماعية، وبأنها سياسة لا هدف لها.
لبنان: الاحتلال الصهيوني يستهدف مبنى سكني في بلدة تول الجنوبية
متابعات| المسيرة نت: نفّذ جيش الاحتلال الصهيوني، مساء اليوم الخميس، غارة جوية استهدفت مبنىً سكنيًا في "بلدة تول"، الواقعة قرب مدينة النبطية جنوبي لبنان، وذلك في إطار الاعتداءات المتواصلة على المناطق اللبنانية.
وزير الخارجية الإيراني: الاتفاق النووي لم يمت ولا يمكن إحياؤه
خاص | 22 مايو | المسيرة نت: قال وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، إن الاتفاق النووي لعام 2015م لم يمت بعد، ومشدداً في الوقت ذاته على أنه لا يمكن إحياؤه.
الأخبار العاجلة
  • 04:17
    إعلام العدو: سماع دوي انفجارات "وسط البلاد" بالتزامن مع صفارات الإنذار إثر إطلاق صاروخ من اليمن
  • 04:16
    إعلام العدو: صفارات الإنذار تدوي في أكثر من 120 "مستوطنة وسط البلاد" إثر إطلاق صاروخ من اليمن
  • 04:14
    إعلام العدو: صفارات الإنذار تدوي في "تل أبيب" والوسط إثر إطلاق صاروخ من اليمن
  • 03:43
    مصادر فلسطينية: قوات العدو الإسرائيلي تعتقل شبان خلال اقتحام ضاحية شويكة شمال طولكرم
  • 03:33
    رويترز: عدد الطلاب الأجانب في جامعة هارفارد يبلغ 6800 طالب بنسبة 27% من إجمالي الطلاب المسجلين
  • 03:32
    أكاديميون أمريكيون لرويترز: خطوة الإدارة الأمريكية بوقف تسجيل الطلاب الأجانب ضربة كبيرة لجامعة هارفارد
  • 03:32
    الرئيس السابق لجامعة سنترال ميزوري الأمريكية: دفع الطلاب الأجانب للرسوم الدراسية يصب في مصلحة طلاب آخرين
  • 03:32
    رويترز: منع إدارة ترمب جامعة هارفارد من قبول طلاب أجانب يؤثر على مصدر رئيسي لإيرادات الجامعات الأمريكية
  • 02:46
    مصاد فلسطينية: إصابة مواطنين اثنين برصاص قوات العدو الإسرائيلي في مدينة الخليل
  • 02:41
    المتحدث باسم الحكومة السودانية: عقوبات واشنطن استهدفت الجيش بعد إنجازات ميدانية غيرت واقع المعركة