-
العنوان:الحلقة الثانية من كتاب ( تلك هي فاطمة) للأستاذ حمود الأهنومي
-
المدة:00:00:00
-
الوصف:أسماؤها وألقابها قال الإمام الحسن بن بدر الدين (ت670هـ): "وروينا عن الصادق عليه السلام : لفاطمة ثمانية أسماء: الصدِّيقة، والزهراء، والطاهرة، والزكية، والرضية، والمرضية، والبتول، وفاطمة"( ). أما اسمها فاطمة فهو مشتق من الفطْم بمعنى القطع، يقال : فطمت الأُمّ صبيها، وفطمْت الرجلَ عن عادته، إذا قطعته عنها. واسم (فاطمة) مشهور عند العرب، ومتداوَل بينهم بكثرة، وقد بلغَ عدد الصحابيات المسميات بفاطمة 24 صحابية( )، لكن لشرعية الاسم في حق الزهراء، فهذا يعني أن فاطمة عليه السلام قد منَعت نفسها ابتداءً من مواقعة المعصية، وكذلك مِن كثير من الأشياء المباحة، فمنعها الله من النار انتهاءً وجزاءً. إن هناك خصوصية جزائية واستثنائية تكريمية من الله لها تسلِّط الضوء على سبب التسمية أيضا؛ إذ أنه فطمها وفطم أولادها ومحبيها من النار، ممن كان منهم على التوحيد والإيمان، والعمل الصالح؛ فقد روى الإمام الرضا بسنده عن آبائه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (إنما سُمِّيَتِ ابنتي فاطمة؛ لأن الله تعالى فَطَمَهَا وفَطَمَ مَنْ أحبها من النار)( ). وفي رواية أخرى من طريق أهل البيت آ عن الإمام عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍآ ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم يَقُوْلُ: (إِنِّمَا سُمِّيَتْ فَاطِمَةَ لأَنَّ اللَّهَ فَطَمَهَا وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ النَّارِ لِمَنْ لَقِيَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ مِنْهُمْ بِالتَّوْحِيْدِ وَالإِيْمَانِ بِمَا جِئْتُ بِهِ)( ).
-
التصنيفات:ثقافة
-
كلمات مفتاحية:
أسماؤها وألقابها
قال الإمام الحسن بن بدر الدين (ت670هـ): "وروينا عن الصادق عليه السلام : لفاطمة ثمانية أسماء: الصدِّيقة، والزهراء، والطاهرة، والزكية، والرضية، والمرضية، والبتول، وفاطمة"( ).
أما اسمها فاطمة فهو مشتق من الفطْم بمعنى القطع، يقال : فطمت الأُمّ صبيها، وفطمْت الرجلَ عن عادته، إذا قطعته عنها. واسم (فاطمة) مشهور عند العرب، ومتداوَل بينهم بكثرة، وقد بلغَ عدد الصحابيات المسميات بفاطمة 24 صحابية( )، لكن لشرعية الاسم في حق الزهراء، فهذا يعني أن فاطمة عليه السلام قد منَعت نفسها ابتداءً من مواقعة المعصية، وكذلك مِن كثير من الأشياء المباحة، فمنعها الله من النار انتهاءً وجزاءً.
إن هناك خصوصية جزائية واستثنائية تكريمية من الله لها تسلِّط الضوء على سبب التسمية أيضا؛ إذ أنه فطمها وفطم أولادها ومحبيها من النار، ممن كان منهم على التوحيد والإيمان، والعمل الصالح؛ فقد روى الإمام الرضا بسنده عن آبائه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (إنما سُمِّيَتِ ابنتي فاطمة؛ لأن الله تعالى فَطَمَهَا وفَطَمَ مَنْ أحبها من النار)( ). وفي رواية أخرى من طريق أهل البيت آ عن الإمام عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍآ ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم يَقُوْلُ: (إِنِّمَا سُمِّيَتْ فَاطِمَةَ لأَنَّ اللَّهَ فَطَمَهَا وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ النَّارِ لِمَنْ لَقِيَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ مِنْهُمْ بِالتَّوْحِيْدِ وَالإِيْمَانِ بِمَا جِئْتُ بِهِ)( ).
وهذا يبيّن أن التسمية لفاطمة ‘ كانت تسمية توقيفية، من الله عز وجل، أوحى بها إلى نبيه صلى الله عليه وآله وسلم؛ الأمر الذي يبيِّن أيضا أن مولدها كان بعد نزول الوحي، وهو يرجِّح ما ترجَّح سابقا من أنها وُلِدَت في عام البعثة.
ولا شكَّ أن من يُحِبُّها بصدقٍ وإخلاصٍ ومعرفةٍ فإنه يعني أنه محبٌّ لقيم الحق والشجاعة والعفاف والشرف، ومكارم الأخلاق، التي تحلَّت بها الزهراء سلام الله عليها، ومن يكون كذلك فإنه "يقترن بحب خصال الخير وعقائد الحق التي كان ينطوي عليها قلبُها الطاهر، مع الانقطاع عن كلِّ ما يمتُّ إلى الشر بصلة من الظلم والبغي والعدوان"( )، وهذا ما يؤهله لأن يكون مفطوما من النار، ويسبِّب له أن يتجنَّب المعاصيَ المسخِطةَ لله تعالى، ويسارِع في مرضاته.
وأما لقب الزهراء: فهو من الزّهر، والأَزْهَرُ من الرجال: الأَبيض العتيقُ البياضِ النَّيِّرُ الحَسَنُ، وهو أَحسن البياض، كأَنَّ له بَرِيقاً ونُوراً يُزْهِرُ كما يُزْهِرُ النجم( )، والأنثى من ذلك: زهراء. قال ابن الأثير: "في صفته صلى الله عليه وآله وسلم (أنه كان أزْهَرَ اللَّون)، والأزْهَر: الأبيضُ المُسْتَنِير، والزَّهْر والزَّهْرة : البياضُ النيِّر وهو أحسنُ الألوان"( )، وإذا عرفنا مشابهة فاطمة لأبيها اتضح لنا بشكل جيد مأخذ تسميتها أو تلقيبها بالزهراء.
وقال ابن الأثير أيضًا: "ويراد به إشراقُ نورِ إيمانها، وإضاءته على إيمان غيرها"( ). وقال المناوي: "سُمِّيَتْ بالزهراء؛ لأنها زهرة المصطفىصلى الله عليه وآله وسلم"( ). وارتجزت بعضُ أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم في زفافها ‘ قائلة:
فاطمةٌ خيرُ نساءِ البشرِ
ومن لها وجهٌ كوجهِ القمرِ
فضَّلّكِ اللهُ على كلِّ الورى
بفضلِ من خُصَّ بآيِ الزُّمَرِ( )
و"يستفاد من جملة الأحاديث والأخبار أنّ فاطمة ‘ عُرِفَتْ بالزهراء لجمال هيئتها والنور الساطع في غُرّتها ، فهي مُزْهِرة كالشمس الضاحية، ومشرقة كالقمر المنير"( ).
وأما لقب البتول: فالبتل في اللغة هو القطْع، والتبتل هو الانقطاع إلى الله، والإخلاص إليه إخلاصا( )، وسُئِل ثعلب وهو من أئمة اللغة: لِـمَ قيل لفاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم البتول؟ فقال: "لانقطاعها عن نساء أَهل زمانها ونساء الأُمة عفافاً وفضلاً وديناً وحسباً"( ). وأضاف صاحب القاموس: ولانقطاعها عن الدنيا( )، أما الخطَّابي فقد قال: "فأما فاطمة فإنما قيل لها البتول؛ لأنها منقطعة القرين نبلا وشرفا"( ). وهو معنى ما ذكره ثعلب، وأضاف ابن منظور أيضا: "وامرأَة مُبَتَّلة الخَلْق أَي منْقطعة الخَلْق عن النساء، لها عليهن فضلٌ؛ من ذلك قول الأَعشى:
مُبَتَّلة الخَلْقِ مِثْلُ المَهَا
ةِ لمْ تَرَ شَمْساً ولا زَمْهَرِيرا"( )
وهي معانٍ تتوافق وما كانت عليه فاطمة من العبادة لله، والإخلاص له، والانقطاع إليه، والسيادة والفضل على نساء العالمين.
وما ذكره البعض من كونها لا تحيض، فهذا لم يصح في روايات أهل البيتآ ( )، وكذلك لم يُعجبْني قولُ الإمام الزمخشري رحمه الله: إنما سمِّيَت بذلك تشبيها بمريم البتول، المنقطِعة عن الرجال؛ لأن مدلولات المعنى اللغوي حاضرة بقوة في الزهراء فاطمة ‘ أصالة من دون تشبيه.
وأما ألقاب الصديقة، والطاهرة، والزكية، والرضية، والمرضية، فإنها ألقاب تشير إلى أوصافها العظيمة، من الصدق، والطهارة، والزكاء، والرضا منها وعليها.
وصفها الخِلقي
شاء الله أن تكون هذه الأنثى امتدادَ أبيها، وتحمِل في جيناتها أعلام الهدى الذين يخلِّفون الرسولَ في أمته قائمين بالحق؛ ولهذا منحها الله خصوصيةً استثنائية أخرى، ألا وهي شَبَهُها القويُّ برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى في مِشيتها، ويمكنُ استيحاء شخصيتها الجسمانية والخِلقية من صفات والدِها الرسولِ الأنور، ذي الجبين الأزهر، صلى الله عليه وآله وسلم.
ولقب الزهراء يبين جمالَ هيئتها، ويشي بالنور الساطع من غُرّتها، وهي صفات تُلقِم حجرا أفواهَ أولئك المستشرقين الذين حاولوا تصويرَها بأنها لم تكن كذلك.
قالت أمُّ أنسِ بنِ مالك: "كانت فاطمة كالقمر ليلة البدر، بيضاءَ مُشرَبةً حُمْرة، لها شَعرٌ أسود، من أشدِّ الناس برسول الله شبها"( )، قال عبدالله بن أنس بن مالك، أحد رواة سلسلة الخبر، كانت والله كما قال الشاعر:
بيضاء تسحب من قيامٍ شعرها
وتغيب عنه وهو جثْلٌ أَسْحَمُ( )
فكأنها فيه نهارٌ مُشرِقٌ
وكأنه ليلٌ عليها مُظْلِمُ( )
فاطمة في القرآن
تحدَّث القرآن الكريم عن الزهراء باعتبارها من أهل بيت نبيها المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم وذوي قرباه ونسائه، ومن الأبرار الزاكين.
1- يقول الله تعالى: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً﴾، تقول الروايات المتكاثرة: إنه لما أنزل الله هذه الآية دعا النبي صلى الله عليه وآله وسلم فاطمة وعليا والحسن والحسين، فَجَلَّلَهم بكساءٍ يماني، وقال: (اللهم هؤلاء أهل بيتي)( )، وبعد نزول هذه الآية مكث صلى الله عليه وآله وسلم مدة طويلة يأتي منزل فاطمة كل غداة فيقول: (الصلاة الصلاة، إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا)( ).
وأما الرجس الذي أذهبه الله عنهم، وطهرهم تطهيرا، فهو "الفعل الرديء النجس من المعاصي والأدناس، والأسفاه( ) التي تكون في بعض الناس، فأمر الله سبحانه النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأمر أهل بيته بتقواه وطاعته، وترْكِ النجس من جميع معصيته، بما أذهب عنهم من كل رجس أو دنَس، وبعَّدهم من كل معصية ونجَس"( ).
إن هذه الآية تؤكِّد أن الله أراد أن يُذهب عن السيدة فاطمة الزهراء وأهل بيتها كلَّ رجس، وما أراده الله كان، وأكَّد ذلك بإرادته تطهيرهم تطهيرًا؛ وبالتالي فهم معصومون عن ارتكاب الآثام.
2- قوله تعالى: ﴿فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةَ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ﴾[آل عمران:61]، وتُسَمَّى آيةَ المباهلة، عندما كابر نصارى نجران الحجة، أمر الله بدعوتهم إلى المباهلة، أخرج مسلم عن سعد بن أبي وقاص، قال: لما نزلت آية المباهلة، دعا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عليا وفاطمة وحسنا وحسينا، وقال: (هؤلاء أهل بيتي)( ). وهنا يتبين أن القرآن الكريم عبَّر عن الزهراء بـ(نساءنا)، حيث مثلت نساء الأمة باعتبارها سيدة نساء هذه الأمة، وأكرِم بها من فضيلة ومنقبة، ولكونها كذلك صح إطلاق لفظ الجمع عليها.
3- قوله تعالى: ﴿قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْناً إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ﴾[الشورى:23]، روي أنها لما نزلت قالوا: يا رسول الله، من قرابتُك الذين أمرَنا الله بمودتهم؟ قال: (علي وفاطمة وولدهما)( )، وذوو القربى هم ذرية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ( )، وأول تلك الذرية ورمزها ونهر كوثرها هي الزهراء؛ يقول فقيه القرآن العالم المجاهد بدر الدين الحوثي: "والحكمة في ذلك أن الناس إذا أحبوهم اتَّبعوهم، فتعلَّموا منهم، واهتدوا بهداهم، بخلاف ما إذا أبغضوهم، فإنهم يتباعدون عنهم، ويتنكَّرون لإرشاداتهم، ويتركون الاقتداء بهم"( ).
4- هي من الأبرار الذين وردت آياتُ سورة الإنسان في فضلهم، وما أعد الله لهم من الإكرام؛ وذلك لمَّا نذَرَت مع أهل بيتها بالصيام، فلما حان وقت إفطارهم جاءهم مسكين ويتيم وأسير يسألونهم، فأعطوهم أقراص إفطارهم، فأنزل الله تعالى: ﴿إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُوراً * عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيراً* يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْماً كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً * وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً* إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُوراً* إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً* فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً* وَجَزَاهُم بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً* مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ لَا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْساً وَلَا زَمْهَرِيراً* وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلَالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلاً* وَيُطَافُ عَلَيْهِم بِآنِيَةٍ مِّن فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَا* قَوَارِيرَ مِن فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيراً* وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْساً كَانَ مِزَاجُهَا زَنجَبِيلاً* عَيْناً فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلاً * وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤاً مَّنثُوراً * وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيراً* عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِن فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَاباً طَهُوراً * إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاء وَكَانَ سَعْيُكُم مَّشْكُوراً﴾[الإنسان:5-22] من سورة الإنسان.
نزلت هذه الآيات في أهل البيت هؤلاء( )، ووصفتهم الآيات بأنهم أبرار، ويوفون بالنذر، ويخافون اليوم الآخر، ويُطْعمون الطعام على حاجته، ولوجه الله، وبغير جزاء ولا شكور، وأنهم يخافون يوما عبوسا قمطريرا، ولهذا جزاهم الله بالفضل العظيم والخير العميم.
إذن الفضل جاءهم من قبل أعمالهم، حيث بادروا بأفعال طيبة وخيِّرة مواكِبة لانفعالاتٍ اعتقادية، وذات دلالة ضميرية، في ما بينهم وبين الله عز وجل، من الصيام وإيفاء النذر، والخوف من الله واليوم الآخر، وعذابه، وتترْجَمَت هذه الاعتقادات إلى أفعال سلوكية، فأطعموا الطعام على حبه؛ لهذا مدحهم الله ذلك المدح، وجازاهم ذلك الجزاء.
5- امتن الله على نبيه صلى الله عليه وآله وسلم أنه أعطاه الكوثر، قال تعالى: ﴿إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَر* فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَر* إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَر﴾[الكوثر:1-3]. قال الإمام زيد: "الكوثر: هو الخير الكثير"( )، وقال الإمام القاسم بن إبراهيم: "الكوثر هو العطاء الأكبر"؛ قال السيد المجاهد بدر الدين الحوثي: "وهو عام لنعم الله التي أنعم بها على رسوله صلى الله عليه وآله وسلم". وذكر أيضًا أنه لا مانع من تفسيره بكثرة الذرية إلى جانب كلِّ ما يشمله عموم اللفظة من المصاديق الكثيرة( )؛ ولا شك أن الزهراء هي رمز الكوثر، ومُنطَلقُه.
فاطمة في كلمات الرسول الكريم وتعاملاته
يمكن إجمال بعض فضائلها التي وردت في كلام المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم ومواقفه في التالي:
1- أن الله يغضب لغضبها، ويرضى لرضاها، فعن أمير المؤمنين عليعليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لفاطمة: (إن الله تعالى يغضب لغضب فاطمة، ويرضى لرضاها)( ).
2- أنها بَضعة منه صلى الله عليه وآله وسلم، يؤذيه ما آذاها، ويُغضِبه ما أغضبها، فعنه صلى الله عليه وآله وسلم: (فاطمة بَضعة مني، فمن أغضبها فقد أغضبني)، وفي رواية أخرى: (فإنما هي بَضعة مني يريبُني ما أرابها، ويؤذيني ما آذاها)( )، وفي رواية: (إنما فاطمة شِجنة مني يبسطني ما يبسطها، ويقبضني ما يقبضها)( ).
والبَضعة بالفتح: القِطعة من اللحم، وقد تُكسر، أي أنها جزء منه صلى الله عليه وآله وسلم، كما أن القطعة من اللحم جزءٌ منه( )، والشّجنة بضم الشين وكسرها: الرحِم المشتبِكة، وأصلُها شُعبة من غُصنٍ من غصون الشجرة( ).
وهذا الحديث برواياته المتعددة يبيِّن خطورة إغضاب فاطمة أو إيذائها، أو إقباضها وأن ذلك بمثابة إغضاب رسول الله أو إيذائه، أو إقباضه صلى الله عليه وآله وسلم، وكان صلى الله عليه وآله وسلم بهذا يُعطي درسا عظيما وكبيرا في أهمية الالتزام بالمبادئ الدينية، والأحكام الشرعية، ويُحَذِّر من خطورة الانحراف الذي دليل انحرافه إغضاب فاطمة سلام الله عليها.
كما يشير إلى رمزية فاطمة ‘؛ لكونِها أمَّ ذريته الذين بهم صلاح الأمة وهدايتها، وأكد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أنها قطعة منه، وأن حكم هذه المرأة حكمه في مجتمعٍ كان يهين المرأةَ ويحتقِرُها، ويعتبرها عارًا.
3- وصفها الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بالسيادة، فمرة بأنها سيدة نساء هذه الأمة، ومرة بأنها سيدة نساء العالمين، وثالثة بأنها سيدة نساء أهل الجنة، ووردت أحاديث كثيرة بذلك في كتب المسلمين جميعا( )، وصار هذا معروفا عند المسلمين( )، وأوصافها بأنها (سيدة نساء المؤمنين)( )، وأنها (سيدة نساء هذه الأمة)( )، وأنها (سيدة نساء أهل الجنة)( )، تعبِّرُ عن علوِّ مقامها، وأنّها تفرّدت بها لفرادتها فضلًا وبركة، وتفردها عملًا وإنجازًا.
إنها نموذج المرأة المؤمنة؛ إذ هي سيدة نساء هذه الأمة، وهي نموذج المرأة العالمية إذ هي سيدة نساء العالمين، وهي نموذج المرأة التي تبتغي طريق الجنة؛ إذ هي سيدة نساء أهل الجنة، فنساء هذه الأمة يجِدْن في الزهراء نموذجَهن القرآني، الذي ينبغي التأسي به في جميع مجالات تحركها، وهناك من المفاهيم والقضايا والمبادئ الإنسانية والفطرية ما يجعل المرأة العالمية، تجِد ضالَّتها المنشودة في نموذج الزهراء سلام الله عليها، وهناك فيها سلام الله عليها من المواصفات الإيمانية ما تجد فيها المرأة المؤمنة التي تبتغي الجنة طريقها إليها.
إنها نموذج الحرية والكرامة والعلم والعدل والإنصاف والتواضع والإنسانية والإيثار والتفضل وقوة الموقف، واعتداد المرأة بكرامتها الآدمية، وحسن التربية، بما يغني أيَّ امرأةٍ اليومَ عن الاتجاه إلى نموذجٍ آخَر، وهي تتوق إلى جميل المبادئ، وروعة العفاف، وقوي المواقف.
4- وردت أحاديثُ كثيرة تضعها سلام الله عليها ضِمنَ أربعِ نسوةٍ من العالم فُقْن نساء العالم خيرية وأفضلية من أول الدهر إلى آخره؛ فمنها حديث عكرمة عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (أفضل نساء أهل الجنة خديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد، ومريم بنت عمران، وآسية بنت مزاحم، امرأة فرعون)، وحديث أنس بن مالك، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (خير نساء العالمين مريم بنت عمران، وآسية بنت مزاحم، وخديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد)، ومنها رواية عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (خيرُ نساءِ العالمين أربعٌ، مريم بنت عمران، وابنة مزاحم امرأة فرعون، وخديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد صلى الله عليه وآله وسلم)( ).
وبمقارنة هذه الأحاديث بما قبلها فالذي يتضح أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بنصِّه على هؤلاء الأربع إنما أراد التعريف بأفضل نساء الجنة والعالم كنماذج متعددة في أمم مختلفة، بينما حين خصَّ فاطمة بتلك الأوصاف العظيمة، فإنه إنما أراد أنها سيدة النساء في هذا العالم، وفي الجنة، وعلى جميع النساء بما فيهن أولئك الثلاث النساء الفاضلات، وهن مريم وخديجة وآسية سلام الله عليهن.
إنها النموذج الأنثوي للكمال البشري، الذي يُضْرَب مثالا في القدوة الصالحة، فمحمد صلى الله عليه وآله وسلم نموذج الرجال، وهذه المرأة التي هي قطعة منه، نموذج النساء، إنها خصوصية هذه الأنثى المصطفاة واستثنائيتها.
5- كان صلى الله عليه وآله وسلم يُفضِّل الزهراء، ويعتبرها أحب النساء إليه إطلاقا، وهي محبة من نوع خاص؛ فعن بريدة قال: (كان أحب النساء إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فاطمة، ومن الرجال علي بن أبي طالب)( ). ودخل جميع بن عمير على عائشة فسألها: أي النساء كانت أحبَّ إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ قالت: فاطمة، قال: قلت: فمن الرجال؟ قالت: زوجها؛ إذ كان ما علمته صوّاماً قوّاماً ( ).
إن هذه المحبة التي حازت المرتبة الأولى عند هذا النبي الكريم صلى الله عليه وآله وسلم لهذه الأنثى الكريمة هي التي دل عليها النبي صلى الله عليه وآله وسلم عندما أعلن تمسكه بإجراء أحكام الله حتى بأحب الخلق إلى قلبه وهي فاطمة، عندما قال: (والله لو سرقت فاطمة بنت محمد لقطعت يدها)، وهو بهذا يشير بوضوح إلى أن الحق أقوى من أحب الخلق إليه، وهي فاطمة صلوات الله عليها.
6- أشبهت أباها الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في هديِه وسمتِه؛ لذا كان من الطبيعي أن تكون أحب النساء إلى قلبه صلى الله عليه وآله وسلم؛ لأنها كانت امتدادَه الشريف، ونهرَ كوثره الجاري عبر الزمن، ولأنها بضعة منه، وغصنٌ أزهر من شجرته المغدِقة، وأم ذريته الطاهرة، ووالدة أعلام الهدى الميامين من أهل بيته.
من الطبيعي أن تكون كذلك وهي تشبهه في كل شيء، تشبهه في كلامها، وحديثها، وصدق لهجتها، وفي سمتها، وفي هديها، وقعودها وجلوسها، تقول عائشة: "ما رأيت أحدا أشبهَ كلامُه وحديثُه برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من فاطمة"، وتقول: (ما رأيت أحدا كان أصدق لهجة من فاطمة إلا أن يكون الذي ولدها)( )، وفي رواية: (ما رأيت أحدا أشبه سمتا( )، ودلا( )، وهديا( ) برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من فاطمة بنت رسول الله في قيامها وقعودها)( )، وقد لاحظَت عائشة مشابهة فاطمة لأبيها حتى في حالة المشي، قالت وقد روت مجيء فاطمة‘ إلى أبيها قبيل وفاته: (لا والله ما تخفَى مشيتُها عن مشية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم)( )، أو (تمشي كأن مشيتها مشية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم)( )، هذه المشابهة العميقة توحي وتشير إلى قوة التأثر والاهتداء والاقتداء من فاطمة بأبيها الرسول صلى الله عليه وآله وسلم.
7- خصَّها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بتعاملاتٍ مميزة وكثيرة، أراد من خلالها ترجمة تلك الفضائل القولية إلى احترامٍ وتبجيلٍ فعلي، فمنها:
أ-أنه كان إذا دخلت عليه قام إليها، فقبّلها، ورحّب بها كما كانت هي تصنع به( ).
ب-كان يقبلها دائما، تقول السيدة عائشة: (كنت أرى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقبِّل فاطمة)، وكان صلى الله عليه وآله وسلم يشم منها رائحة الجنة، فإذا اشتاق إلى رائحة الجنة شمَّ ريح فاطمة( )، وفي الحديث: (فاطمة حوراءُ إنسية، كلما اشتقتُ إلى الجنة قبَّلْتُها)( ).
ج- كان صلى الله عليه وآله وسلم إذا سافر يجعلُها آخِرَ الناس به عهدًا، وإذا قدم قدِم إلى بيتها أولا، فكانت أول الناس به عهدا، كما روى ذلك ابن عمر، خلا أنه في بعض الروايات كان إذا قدم بدأ بالمسجد فصلى فيه ركعتين، ثم يأتي فاطمة‘، ثم يأتي أزواجه( ).
د- كان صلى الله عليه وآله وسلم إذا بكت يمسح الدموع من عينيها بطرف ثوبه( )، واستمر على ذلك حتى مرض موته؛ إذ لما بكت وسمع صلى الله عليه وآله وسلم صوتها "ففتح عينيه، ثم رفع يده، فمسح خدها من الدموع"( ). ولعله كان يعِزُّ عليه أن يراها باكية؛ لأنها بضعة منه، وأراد أن يعلِّم أمته أنه لا يجوز أن تصنع أو تفعل ما مِنْ شأنه أن يُبْكي فاطمة، وأن تعمل هذه الأمة على أن لا تُغْضِبَها، وأنه يجب أن تكون مع ما يُسْعِدُها ويجفِّف دموعَها.
هـ- وكانت تضع خدّها على خده، ومرة وضعت خدَّها على خده، فبكت حتى اخضلَّت لحيتُه ووجهُه بدموعها( ).
و- وكان إذا دعاها أجلسها بالقرب منه، وأسرّ إليها دون مَنْ سواها، ولما دنا أجله دعاها إليه، فجاءت (فوضع رأسه في حجرها ساعة)، وخصها بحديثٍ أسرَّه إليها فقط، وخصَّها به دون نسائه، فرأيْنَها تبكي مرة، ثم تضحك أخرى، ولم يعلمْن سبب ذلك إلا بعد موته صلى الله عليه وآله وسلم من خلالها( ).
ز- وفي ذلك الحديث الذي أسرَّه إليها وحدها أخبرها أنه مُرْتحِل عن الدنيا عما قريب، فبكت، ثم لما بشَّرها بأنها أول أهل بيته لحوقا به، وقال لها: (ألا ترضين أن تكوني سيدة نساء المؤمنين، أو نساء هذه الأمة) ضحكت( ).
ح- وكثيرا ما ذكَّرها بنعمة السيادة، مثل قوله لها: (أما ترضين أن تكوني سيدة ..)( ).
ط-ولقد كان حريصا في كل مرة أن تعيش فاطمة على طريقة أبيها، بعيدة عن بهرج الدنيا وزينتها، وعندما رأى على بيتها ستارة مزيَّنة ومنقوشة عاد ولم يدخل، فسرعان ما بادرت هي ‘ بإزالتها، وأرسلتها إلى أبيها كي يبيعها، ويتصدق بقيمتها، بينما بقيت قرائبه الأخريات يعِشْنَ فيما شئن من متاع الدنيا؛ لأنها كانت شيئا وكن شيئا آخر.
ي- وتردَّد صلى الله عليه وآله وسلم بعد نزول آية التطهير شهورا على بيتها وبيت علي آ كل غداة، يناديهم: (الصلاة الصلاة، إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس ويطهركم تطهيرا)( ).
ك- وأمر بسد أبواب بيوت الصحابة الـمُشْرَعة إلى المسجد، إلا باب علي وفاطمة 6 ( )، إنه التفضيل والاصطفاء لعظيمِ الدور وشريفِ وجليلِ الوظيفة التي يهيئها الله ورسوله لهذه الأسرة الطيبة.
ل- وزوّجها صلى الله عليه وآله وسلم وصيَّه وخليفته من بعده، مَنْ وصفه بقوله: (سيد في الدنيا والآخرة)( ).
م-كناها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (أم أبيها). وستأتي بعض النقاط حول هذه الكنية ودلالاتها.
ن-أوصى الرسول بها وولديها اللذَيْنِ هما امتدادُه حتى يوم الحشر، وسماهم الوصية العظمى، وقال: (أوصيكم بالوصية العظمى، بفاطمة والحسن والحسين خيرا)( ).
8- وتولى الله أمر زواجها، فكان زواجها بأمر الله، وقد قال صلى الله عليه وآله وسلم: (إنما أنا بشر مثلكم، أتزوّج فيكم، وأزوِّجكم، إلا فاطمة فإنها نزل تزويجها من السماء)( ).
9-وجعل ولديها سيدي شباب أهل الجنة، وإمامين قاما أو قعدا، ومن ذريتها أعلام الهدى الميامين.
10- وفطمها وفطم أولادها ومحبيها من النار، ممن كان منهم على التوحيد والإيمان، كما تقدم.
11-وانقطع نسل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلا منها، وقد وصف القرآن ابنيها بأنهم أبناء الرسول صلى الله عليه وآله وسلم؛ إذ قال في آية المباهلة: ﴿فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ﴾، وهناك الكثير من الأحاديث الدالة على أبوته صلى الله عليه وآله وسلم للحسن والحسين، وهي أبوة حقيقية، ويدل على ذلك قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (وأنا عصبتهما)( )، وفي ألفاظ الخبر (كل بني أنثى لأبيهم إلا ابني فاطمة فأنا وليهم وعصبتهم)، و(إلا ولد فاطمة فإني أنا أبوهم وعصبتهم)( ).
إن الله سبحانه وتعالى كرَّم فاطمة بأن حفظ الله ذرية أبيها النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم في ذريتها، وجعل عَقِبه من عقبها، يقول صلى الله عليه وآله وسلم: (كل سبب ونسب منقطع يوم القيامة ما خلا سببي ونسبي، وكل ولد أب فإن عصبتهم لأبيهم ما خلا ولد فاطمة فإني أنا أبوهم وعصبتهم)( ). (الأنساب تنقطع يوم القيامة غير نسبي وسببي وصهري)( ).
12- هي من الرسول وقطعة منه (بضعة)؛ ولذا كان حكمها حكمه، ومن مصاديق ذلك أنه لما ربط أبو لبابة نفسه في المسجد، وأقسم أن لا يحله أحد إلا رسول الله، وجاءت فاطمة بعد نزول توبته لتحُلَّه فأبى، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (إنما فاطمة مضغة مني)، فحلّته( ).
ولهذا كلِّه فضَّلها علماء الشيعة بمختلف مذاهبهم على جميع النساء حتى على مريم العذراء البتول ‘، وكذلك فضّلها من علماء السنة كثيرٌ من المحققين، ومنهم التقي السبكي، والجلال السيوطي، والبدر الزركشي، والتقي المقريزي، والبلقيني، والسهيلي؛ لأنها بضعة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. وذهب الألوسي في تفسيره إلى أنها أفضل النساء المتقدمات والمتأخرات على الإطلاق( ).
علمها
نشأت الزهراء في بيت أُسِّسَ على العلم، وتنزَّلت فيه آيات القرآن الكريم، وفيه الآية الآمِرة بالقراءة، ومن أمٍّ كانت تاجِرَة، وللتجارة مقتضياتها في وجوب تعلم بعض المعارف، ومن الطبيعي أن تنشأ فاطمة مفطورةً على حب المعرفة والعلم، فهناك الكثير من العوامل التي تدفعها في هذا الاتجاه؛ إنها سيدة نساء العالمين، ونساء هذه الأمة، ونساء أهل الجنة، ولا سيادة إلا بالسيادة في العلم أولا.
وما روي من مشاركاتها العلمية ورواياتها وآرائها وفقهها وخطبها واحتجاجاتها يشير إلى علمها الواسع، وحصيلتها الفائقة، رغم معاجلة الموت لها، بعد وفاة أبيها، إذ لم يُتَح لها إبداءُ ما لديها من رواية ومعرفة وعلم كما أتيح لنساء أخريات. غير أن مشاركاتها وآراءها في أهم القضايا العلمية والسياسية والاجتماعية في تلك المدة القصيرة بعيد وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم بيَّن أيَّ امرأةٍ عالمةٍ كانت الزهراء، وأيَّ زوجةٍ كان الله قد اختارها واصطفاها لباب مدينة العلم.
في مواقفَ مختلفة كان يذكِّرها الرسول صلى الله عليه وآله وسلم والدُها بما أنعم الله عليها، فيذكُرُ لها بأن زوجها "أكثر الصحابة علما"، أو "أعلمهم بالله تعالى"، بالإضافة إلى كونه أولّهم سلما، وأكثرهم حلما( )، وهو بلا شك يريد صلى الله عليه وآله وسلم أن يَعْرِض لها شخصيةَ زوجِها العظيم من خلال أهم المقاييس الإسلامية التي يقيِّم الإسلامُ الشخصياتِ من خلالها، ومن خلال أهم المقاييس التي لدى فاطمة ‘ وهي المشغوفة بمقاييس الإسلام، فكان أهم تلك المقاييس هو "أكثرهم علما، أو أعلمهم بالله تعالى".
وقد مرَّ عن أمِّ سلمة قولُها عن فاطمة ‘: "وكانت والله آدَبَ مني، وأعرفَ بالأشياء كلها"، كما مرَّ قول عائشة، أنها ما رأت مِثْلَها يُشْبِهُ رسولَ الله صلى الله عليه وآله وسلم في كلامِها، وحديثِها، وفي سمتِها، وهديِها( )، ولا شكَّ أن المشابهة للرسول في الحديث والسمت والهدي لا بد أن يكون له علاقة بالجانب المعرفي كأفضلِ امرأةٍ تُشْبِهُ الرسولَ صلى الله عليه وآله وسلم في الناحية العلمية.
عاجلت المنيةُ الزهراء قبل أن تُزْهِر ثمارُ علمِها وتونِقَ أشجار معارفها، فغادرت الحياة وعمرها 23 سنة تقريبا، قضتها في ظلال أبيها، الذي كان مرجع العالمين، ومَنْ تخفى بجانب إشراقةِ هديِه نجومُ الهداية؛ إلا أن الأشهُر القليلة التي قضتها بعد وفاة أبيها أظهرت ما كان لديها من معارفَ وعلومٍ بشكلٍ أثبت فرادتها وجدارتها وسيادتها على العالمين.
في خطبتها التي أنكرت فيها على أبي بكر استيلاءَه على أملاكها في فدك، وأنكرت على المسلمين تخاذلَهم عن نصرة ابن عمها وزوجها في تضييع مبدأ ولاية الإمام علي عليه السلام ، أبانت عن علمٍ عظيم، ومعارفَ واسعةٍ وعميقة، في سرْدٍ مرتجَلٍ، وحبكٍ متقَن، لا يمكن استيعابه إلا أنه من فاطمة ابنة النبي الكريمصلى الله عليه وآله وسلم.
في تلك الخطبة أظهرت - من دقائق معرفة الله، ومن معاني القرآن الكريم، وحُسن التعامل معه، ومن تفسيرات التشريعات الإسلامية، ومن طبيعة رسالة والدها الكريم، ودوره الرسالي في ظل الظروف الاجتماعية والفكرية، وأوضاع العرب الثقافية والاجتماعية والتطورات الدقيقة في هذا الجانب - ما يُذهِل القارئ لها.
لقد استدلت بكتاب الله على صحة موقفها استدلالا فقهيا متقنا، ومُفْحِما، ورتَّبَتْ أفكارَ خطبتها وسلسلتْها بطريقة متدرِّجة، أقامت من خلال ذلك لواء الحجة، وأقنعت المستمِع، وأفحمتِ الخصم، في صورة مؤثرة، وقدَّمت فيها تقريرا تاريخيا ضافيا عما كان عليه الصحابة ثم ما أصبحوا فيه، فجمعت فيه الفكريَّ والسياسيَّ والاجتماعي والتحليلي، وأوردت من معاني القرآن مع تفصيلات السنة، وحشدت المعارف الفقهية مع اللغوية، بقوة ملاحظة، ودقيقِ توصيف، وحنكةِ جدل، تُفضي إلى قوة استنهاضٍ، وشديدِ توبيخ، لتأخذ بأكظامهم، وقد أوردتهم على مشهد الآخرة المهول.
وفي تلك الخطبة التي أذاعتها في نساء المهاجرين والأنصار يَظْهَرُ علمُها القوي في قوة احتجاجها على خذلانهم لأحقية أبي الحسن في أمر الأمة، وعرضت النتيجة التي كانوا سيحصلون عليها لو بادروا لذلك، ودليلَ ذلك من القرآن والسنة، ثم تقييمها لنتائج قرارهم الخاطئ.
إن قوة أسلوبها الخطابي يشبه إلى حد كبير أسلوبَ زوجها الإمام في نهج البلاغة، ولكن زوجها كان قد اعتاد اعتلاء المنابر، وأنِس مسالك الخطب، ومَرُن على ترتيب أفكارها، بخلافها فلم يُعْهَد منها ذلك؛ اللهم إلا أن يشير إلى أنها كانت قد تمرَّست على إيراد الدروس والخطب على نساء المؤمنين إلى الحد الذي جعلها متمكِّنة بذلك الشكل الرائع.
ومن خلال ذلك نعرف "أن الزهراء ‘ كانت تحمل علما جما، ولو امتدت بها الحياة لرأى المسلمون منها الكثير والكثير مما تفيض به من علومها التي أخذتها من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؛ لأنها كانت في حياته مع رسول الله تغرف من بحر علمه، وتتحرك في خط أخلاقه، وتعيش آفاق روحانيته؛ ولهذا كانت بضعة منه، (فاطمة بضعة مني)، فعقلها بضعة من عقله، وقلبها بضعة من قلبه، وطاقاتها بضعة من طاقاته، وروحانيتها بضعة من روحانيته"( ).
إن معرفة الزهراء لله تعالى من خلالِ آياته، واستيعابَها القرآنَ بشكلٍ عميق، ووعيَها بسنة وسيرة أبيها صلى الله عليه وآله وسلم، وقدرتَها الفائقةَ على التعامل مع مصادرِ التشريع هذه لمعالجة الواقع الذي عاشَتْه بأقوى طريقةٍ وأفصحِ عبارةٍ لهو دليلٌ كبير على سيادتها العلمية على نساء العالمين.
ولهذا ولكون الزهراء سيدة المعارف والعلوم .. لا غَرْوَ أن وجدنا ذريتها الطاهرين من أئمة أهل البيت الميامين يستدلون بأفعالها في المسائل الفقهية، فهذا الإمام الباقر يقول مستدلا: (وقد كانت أمنا فاطمة ترى ما ترى النساء فتقضي الصوم، ولا تقضي الصلاة)( )، ورغم أن الروايات تُسْنِد إلى رسول الله نفسِه مرة وإلى زوجها الإمام مرة أخرى أن كلا منهما عقَّ عن الحسن والحسين في اليوم السابع من مولدهما وتصدَّق بوزنِ شعرِ رؤوسِهما فضة، غير أن السجاد زين العابدين عليه السلام وغيره أيضا في رواية يُسنِدون فعل ذلك إلى الزهراء مستدلين بفعلها على سنية العقيقة( ).
لا مرية أن كانت فقيهة عالمة، وقد سمعت من رسول الله قبل زوجها في مسألة الحج، لغيابه في اليمن، فلما قدِم ببُدْنِ النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ووجدَها قد أحلَّت، ولبِسَتْ ثيابا صَبِغا، واكتحلَتْ، ونالت من الطِّيب، فأنكر زوجُها ذلك عليها؛ إذ ذلك يخالف ما عليه المحرِم للحج، فقالت له: (أمَرَنا رسولُ الله فأحلَلْنا من حجنا، وجعلناها عمرة)، فذهب إلى رسول الله مستفتيا، فيما ذكرَت، فصدَّق رسولُ الله ما قالته، وقال: (صدَقَتْ صدَقَتْ)( ).
ومن أمارات فقهها الشرعي، أنها لما أنكرت على أبي بكر استيلاءَ عامله على فدك، قالت: (فدك بيدي)( )، أي أنها ذكرت قضية هامة في التقاضي، وهو ثبوت يدها على الموضِع المُتَنازَع عليه، وبالتالي فلا يلزمُها بحكم الشرع أن تورِد الشهود على ثبوتِ ملكيتِها، ولهذا كان من الخطأ مطالبتُها بالبينة على ما هو ثابتٌ في يدها.
إن طريقة محاجَّتها لأبي بكر وعمر حول فدك، وحول ميراثها من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم( )، تدل على رسوخِ قدمِها في الفقه، وطولِ باعها في الحجج والأدلة.
أما علمها بالأساليب التربوية فيكفي أنها ربَّت سيدي شباب أهل الجنة، الحسن والحسين، لقد أنشأت بطريقتها التربوية أعلى مدرسة مثالية، تخرج منها الحسنان وزينب؛ ألم تكن تُزَفِّن الحسن أو تنقِّز له أو ترقِّصه( )6، وتقول ملهِمة له لاقتفاء جميلِ النموذج، وعظيمِ المثال، وهو جدُّه المصطفىصلى الله عليه وآله وسلم، كانت تقول له:
وا بأبي شِبْه النبي
ليس شبيهاً بعلي( )
وهذا يدل على مهارتها التربوية.
وكانت تصطحب أولادَها إلى محراب عبادتها، وتعلِّمهم أنواع التهجد؛ إذ يروي الإمام الحسن عليه السلام أن والدته أجلسَتْه إلى جانب سجادتها، وهي تتضرع إلى الله تعالى، وتدعوه، وذكرت الروايات أنها كانت تعلِّم أولادَها خُطَب رسول اللهصلى الله عليه وآله وسلم، وهما لم يبلغا الخامسة، وكانت تطلب منهما إعادة ما سمعاه من خطاب رسول الله على مسامعهما، ثم يعيدانه بحضور أبيهما. وأخذت زينب معها إلى مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لما ألقت خطبتها العصماء في مواجهة الصحابة( ).
ولهذا لا عجبَ أن وقفت زينب في مواجهة طغيان يزيد في عاصمة الخوف والجريمة في ذلك العصر، لتقول بكل شجاعة وثبات: (الحمدلله ما رأينا إلا جميلا)، وقد شهِدَت قتل أخيها سيدِ شباب أهل الجنة، واثنين من أبنائها البررة، وثمانية عشر قمرا من أقمار بني هاشم علت أرواحهم شهداء إلى بارئهم، ورأت ذلك بأم عينها صابرة صامدة كالجبل الأشم والطود الأعظم ثباتا ويقينا.
وتدل خطبة الزهراء العصماء واستهلالها بتعظيم الله، وتقديسِه، كمثل تلك الخطبة التي بدَأَتْها في مواجهة أبي بكر: (الحمدلله على ما أنعم، وله الشكر بما ألهم)، ثم قالت: (الممتنع عن الأبصار رؤيتُه، ومن الألسن صفتُه، ومن الأوهام الإحاطة به)( ) – على مقدرتها البلاغية، ومهاراتها الأدبية الرائعة.
ويحكي التاريخ عن الزهراء في حالات جوهرية ظفِر بها من حياتها القصيرة أنها كانت على علمٍ ببعض المهارات الهامة، مثل أنها كانت تغزِل، وكانت تغزل لنفسها وللآخرين بالأجرة( )، وهو أمرٌ يشير إلى أهمية كيف تكون المرأة عملا ومهارة ونشاطا.
لقد بلغ من حنكتها وحصافتها السياسية والاجتماعية أن صارت مستشارة الإمام علي عليه السلام فكان هو والزبير حين بويع أبو بكر يدخلان عليها فيُشاورانِها، ويتراجعان في أمرهم، واتخذوا من دارها مقرًّا لمعارضة السلطة الجديدة( )؛ الأمر الذي استثار السلطة الجديدة فقرَّرت الهجوم على هذا البيت.
ويسجِّل التاريخُ على نحوٍ فريد أن هذه البنت في عمر السادسة عشرة تقريبا أنه لما جُرِح رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم في أُحُد، وظلَّ جرحُه ينزِف، لكنها بفضل خبرتها الجراحية استطاعت إيقاف ذلك النزيف( )، وهذا يشير إلى تفوقها على مَنْ بحضرتها في هذه القضية.
وهي التي ألهمت أسماء بنت عميس في استحداث النعش للجنائز، الذي لا زال يعمل به المسلمون حتى اليوم، فقد كرِهت ما كان عليه وضعُ حَملِ الجنائز؛ لهذا ألقت في فكرة أسماء لتستذكِرَ ما رأته في الحبشة، فكان استحداثُ النعش لأول مرة في الإسلام( )، وهذا يدل على فكرها الإبداعي.

(نص + فيديو) كلمة السيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي حول مستجدات العدوان على قطاع غزة والتطورات الإقليمية والدولية 24 ذو القعدة 1446هـ 22 مايو 2025م

(نص + فيديو) كلمة السيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي حول مستجدات العدوان على قطاع غزة وآخر التطورات الإقليمية والدولية 17 ذو القعدة 1446هـ 15 مايو 2025م

(نص + فيديو) كلمة السيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي حول مستجدات العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة والتطور ات الإقليمية والدولية 10 ذو القعدة 1446هـ 08 مايو 2025م

(نص + فيديو) كلمة السيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي في الذكرى السنوية للصرخة وحول آخر مستجدات العدوان على غزة والتطورات الإقليمية والدولية 03 ذو القعدة 1446هـ 01 مايو 2025م

شاهد | غزة.. الهولوكوست على الهواء يخرجه اليهود ويشاهده بالإكراه كل من في الكوكب 26-11-1446هـ 24-05-2025م

شاهد | حلا الغندور طفلة غزاوية نجت من غارة للعدو بشلل نصفي يرافقها تحت الحصار 26-11-1446هـ 24-05-2025م

المشاهد الكاملة | تخرج دفعات مقاتلة من الكليات العسكرية البرية والبحرية والجوية بالعاصمة صنعاء 20-03-1446هـ 23-09-2024م

بيان القوات المسلحة اليمنية بشأن تنفيذ عملية عسكرية نوعية استهدفت عمق الكيان الصهيوني في فلسطين المحتلة بصاروخ فرط صوتي استهدف هدفا عسكريا مهما في يافا المحتلة. 15-09-2024م 12-03-1446هـ

مناورة عسكرية بعنوان "قادمون في المرحلة الرابعة من التصعيد" لوحدات رمزية من اللواء 11 للمنطقة العسكرية السابعة