• العنوان:
    ذكرى ضربة توشكا
  • المدة:
    00:00:00
  • الوصف:
    ذكرى العاشرة لضربة توشكا في باب المندب: اللحظة التي انهار فيها وَهْمُ السيطرة وبدأ زمنُ الردع اليمني
  • التصنيفات:
    مقالات
  • كلمات مفتاحية:

لم تكن ضربة توشكا في باب المندب مُجَـرّد فعلٍ عسكريّ في سياق حربٍ مفتوحة، بل كانت الشرارة الأولى التي كسرت حاجز الخوف الجمعي، وأسقطت وهم الردع المطلق الذي شيّدته قوى الاستكبار في وعي الشعوب والفصائل المقاومة لعقود.

في تلك اللحظة، لم يُستهدف موقعٌ ميدانيٌّ فحسب، بل اهتزّت منظومة نفسية كاملة بُنيت على أن الهيمنة قدرٌ لا يُكسر، وأن التفوق العسكري حتمي، وأن الممرات الاستراتيجية محرّمة على إرادَة الشعوب.

من باب المندب انكسر السقف، ومن هناك بدأ وعيٌ جديد يرى أن المبادرة ممكنة، وأن كسر المعادلة فعلٌ محسوب حين يتكئ على الإيمان والعقيدة وحسن تقدير اللحظة.

ولم تولد فكرة طوفان الأقصى من فراغ، بل جاءت ثمرة تراكمٍ استراتيجيٍّ طويل، كانت توشكا إحدى لحظاته التأسيسية: لحظة كُسِر فيها الخوف قبل أن تُكسَر التحصينات.

باب المندب: الجغرافيا التي تُربك الإمبراطوريات

يمثّل باب المندب عقدةً جيواستراتيجية في منظومة السيطرة العالمية؛ فمن يهيمن عليه يمتلك مفاتيح التجارة والطاقة وحركة الأساطيل.

وكان مخطّط العدوان على اليمن واضحًا: تحييد هذا الموقع وتحويله إلى منطقة نفوذ خاضعة لإدارة أمنية تحمي المصالح الأمريكية–الإسرائيلية، وتؤمّن الخاصرة الجنوبية للكيان الصهيوني.

جاءت توشكا لتقلب الفرضية: اليمن حاضر، والسيادة فاعلة، والجغرافيا ليست فراغًا.

لم تكن الضربة ردًّا انفعاليًّا، بل إعلان دخول اليمن معادلة الأمن البحري بوصفه فاعلًا قادرًا على الإرباك والمبادرة.

وحدة العدوّ.. وواحدية المعركة

في تلك الليلة، تكثّـفت الحقيقة: العدوّ واحد والمشروع واحد، امتزج الدم الأمريكي والإسرائيلي والسعوديّ والإماراتي مع أدواتهم في خندقٍ واحد.

سقطت الأقنعة، واتّضح أن مَن يقصف صنعاءَ هو ذاتُه من يحمي احتلال القدس، وإن اختلفت اللافتات.

من هنا، لم تعد الحرب تُقرأ محليًّا؛ إنها صراع وجود بين مشروع تحرّر وسيادة، ومشروع استعمار جديد بأدوات عسكرية وأمنية وإعلامية.

من الدفاع إلى كسر المعادلة

أسّست توشكا لتحوّلٍ نوعي في العقيدة القتالية اليمنية:

- من الصمود إلى المبادرة.

- من الدفاع إلى الردع.

- من التكتيك إلى التأثير الإقليمي.

للمرة الأولى، اضطرت غُرَفُ القرار المعادي إلى مراجعة حساباتها؛ اهتزّ الأمنُ الاستخباراتي، وتعرّت هشاشةُ الرهان على المرتزِقة والشركات الأمنية، وتبدّد وهم الحسم السريع.

ومن رحم الحصار، بدأ تشكّل ردعٌ يمنيٌّ متراكِم: تصنيع ذاتي، خبرة ميدانية، وربطٌ واعٍ بين القرار العسكري والبُوصلة العقائدية.

من باب المندب إلى القدس: المعنى الاستراتيجي

لم تكن القدس بعيدةً عن توشكا؛ فباب المندب خطُّ إمدَاد وأمن قومي لكَيان الاحتلال الصهيوني.

وحين يُضرب هذا المفصل بإرادَة يمنية حرّة، تصل رسالة الردع إلى القدس دون إطلاق صاروخٍ عليها.

هكذا تُدار الحروب الكبرى: ضربة في الجنوب تُربِك الشمال.

ومنذ تلك الليلة، انتقلت حركاتُ المقاومة في المنطقة من منطق الاحتواء إلى منطق الاقتحام، ومن الدفاع إلى المبادرة.

تراكَمَ الوعي، وتكاثفت الخِبرة، حتى بلغ المسارُ ذروتَه في "طوفان الأقصى" بوصفه ثمرة كسر الخوف قبل كسر الخطوط.

الخاتمة: سنن النصر

بعد عشر سنوات، يتبيّن أن توشكا لم تكن ضربةَ يد، بل ضربة سنن.

لم تكن قوةً ماديةً فحسب، بل تجلِّيًا لإرادَة عليا حين تتجسّد في شعبٍ آمَنَ بقضيته، وربط بندقيته ببُوصلة الأُمَّــة، ووجّه فعله، حَيثُ يجب أن يكون.

رمى اليمنُ في باب المندب، فارتدّ الأثرُ إلى عمق المشروع المعادي؛ لأَنَّ المعركةَ واحدة، والعدوّ واحد، والطريق إلى القدس يُقاس بالوعي والثبات لا بالمسافة:

﴿وَمَا رَمَيْتَ؛ إذ رَمَيْتَ وَلَـٰكِنَّ اللَّـهَ رَمَى﴾.

خطابات القائد