رسائل الشيخ نعيم قاسم، شملت تأكّيدًا لا رجعة فيه على التمسك بسلاح المقاومة كضرورةٍ دفاعية عُليا، مقابل إقرار ضمني بقبول الحزب لـ "حصر تطبيق اتفاق وقف إطلاق النار في منطقة جنوب نهر الليطاني"، مع نقل مسؤولية الإشراف الأمني هناك إلى الدولة اللبنانية؛ ما يفتح الباب أمام تثبيت معادلة جديدة للأمن والسيادة في الجنوب.

كما شدّد بشكّلٍ قاطع على أنَّ حزب الله "لن يتخلى عن السلاح الذي يعطينا هذه العزيمة وهذه القوة، ويمكننا من الدفاع"، مؤكّدًا أنَّ الخيار المعروض على المقاومة هو "إمّا الاستسلام أو تسليم السلاح، وهو ما لن يتم"، مُذكّرًا أنّ هذا السلاح الذي دافع عن لبنان لأربعة عقود، هو الضمانة الوحيدة لمواجهة "المستكبرين والمجرمين".

وفي تطورٍ لافت في الموقف، وتحديدًا مسألة "حصر الاتفاق جنوب الليطاني"؛ أعلن الشيخ قاسم بوضوح أنّ الاتفاق المعقود في نوفمبر 2024م، هو "حصرًا لمنطقة جنوب نهر الليطاني"، وهذا التأكّيد يقرّ ضمنيًا بموافقة الحزب على حصر السلاح للدولة في تلك المنطقة، مشيرًا إلى أنّه "لا توجد مشكلة على أمن المستوطنات"، وأنّ الدولة اللبنانية هي التي تتحمل مسؤولية تطبيق الاتفاق وإخراج العدوّ الإسرائيلي من الأراضي المحتلة، إنَّ صدقت نواياها الوطنية.

وعن مسألة السيادة ووقف العدوان الصهيوني المتواصل، طالب الأمين العام لحزب الله الحكومة اللبنانية بضرورة أنّ تكون الأولوية لديها هي "مسألة السيادة" و"وقف العدوان"، بدلاً من التركيز على مسألة حصر السلاح كأولوية وحيدة كما جاء في البيان الوزاري، وهذا يمثل ضغطًا وتحفيزًا موجّهًا نحو الحكومة للتحرك في مواجهة الخروقات الإسرائيلية المستمرة.

وفي تفنيد دعوات الاتفاق الجديد، والالتزام بالاتفاق القائم، رفض الشيخ قاسم "الدعوات الداخلية للتفاوض على اتفاق جديد، ودعا بدلاً من ذلك إلى تطبيق الاتفاق الحالي"، محذّرًا من أنّ أيّ اتفاق آخر قد يؤدي إلى "تبرئة ذمة (إسرائيل)" من جرائمها والتزاماتها، مستشهدًا بتقارير قوات "اليونيفيل" ليشير إلى التزام الحزب بالاتفاق مقابل استمرار الخروقات والاغتيالات الصهيونية.

ويرى مراقبون أنّ خطاب الشيخ نعيم قاسم اليوم، يمثل انتقالاً استراتيجيًا في خطاب حزب الله، يمكن تلخيصه في ثلاث نقاط تحليلية، من حيث البُعد الاستراتيجي والتطور الملحوظ في الخطاب، والهدف الموجّه.

أولاً: تثبيت سلاح المقاومة كرديفٍ دفاعي عن أرض وسيادة لبنان، والتأكّيد على رفض تسليم السلاح، ورفض خيار الاستسلام، من خلال تحصين قرار المقاومة وجعله مسألة سيادية داخلية؛ إذ لا يمكن التفاوض عليها تحت الضغط الخارجي، ويفصلها تمامًا عن الترتيبات الأمنية "جنوب الليطاني".

ثانيًا: الأمن جنوب "الليطاني"، إعلان ضمني يؤكّد أنّ "لا مشكلة على أمن المستوطنات" الصهيونية شمال فلسطين المحتلة، بعد أنّ نقل مسؤولية أمن الجنوب إلى الدولة اللبنانية، وتفضيل الانسحاب التكتيكي للمقاومة من المواجهة المباشرة في المنطقة المتفق عليها جنوب "نهر الليطاني"، مع إلزام الدولة بتحمل دورها السيادي والإجرائي في تطبيق الاتفاق.

ثالثًا: مسؤولية الدولة اللبنانية، يوجّه الخطاب دعوة للرئاسات الثلاث وخصوصًا لحكومة "نواف سلام" للتركيز على السيادة ووقف العدوان وإخراج العدوّ الإسرائيلي، وإلزامها بمواجهة خروقاته الموثقة، وهذا يعطي المقاومة غطاء شرعي ودولي لتحركاتها المستقبلية، إذا ما فشلت الحكومة في مواجهة الاستباحة الصهيونية للأرض والسيادة اللبنانية، مشدّدًا أنَّ "لبنان لن تركع"، ومحذّرًا من أنّ "العدوان على لبنان لا يمكن أنَّ يستمر دون ردّ، وأنَّ لكل شيءٍ حدّ".

وبالمحصلة؛ يُشير خطاب الأمين العام لحزب الله إلى أنَّ الحزب يهدف إلى تكريس سلاحه كقوة ردعٍ عُليا خارج إطار النقاش الخارجي؛ بينما يوافق على ترتيبات أمنية تسمح بتفعيل دور الدولة اللبنانية في منطقة العمليات المتفق عليها، وهذا التطور يمثل ثمنًا مقبولاً لوقف إطلاق النار، حيث يضمن الحزب بقاءه كقوة ردع استراتيجية مع تحييد نفسه تكتيكيًا في الجنوب لنقل كرة المسؤولية إلى الحكومة اللبنانية والجهات الدولية.

وحتى الآن، لم يصدر أيّ تعليق رسمي لبناني أو دولي (أمريكي وإسرائيلي) على هذا الخطاب الذي يحمل دلالات استراتيجية واضحة، ويبقى الجميع يترقب ردود الأفعال الرسمية على رسائل حزب الله الموجّهة من بيروت للداخل والخارج.


خطابات القائد