• العنوان:
    معركة الوعي في زمن تزييف الحقائق
  • المدة:
    00:00:00
  • الوصف:
    لا يخفى على أي مراقبٍ منصفٍ وواعٍ ذلك الدور الخطير الذي أصبحت تلعبُه مواقعُ التواصل الاجتماعي في عصرنا الحالي، حَيثُ تحوَّلت من مُجَـرّد أدوات للتواصل وتبادل الآراء إلى قوى مؤثرة تشكل الرأي العام، بل وتزيِّفه في كثيرٍ من الأحيان.. والخطر الحقيقي يكمن في تلك الآلية المعقَّدة التي تعملُ بها، حَيثُ ينساق كثيرون –إما بنية مبيَّتة أَو بحُسن نية– خلف التيارات التي تخلقها، ظانَّين أنهم يعبِّرون عن رأي مستقل، وهُم في الحقيقة ليسوا سوى أدوات في لعُبة كبرى.
  • التصنيفات:
    مقالات
  • كلمات مفتاحية:

لقد أصبحت هذه المنصات أكبر مسرح لتزييف الوعي الجماعي، حَيثُ تتحوَّل ببراعة إلى آلة لإرباك صُنَّاع القرار، عبر حشرهم في زوايا ضيقة، ودفعهم – بطرق مباشرة وغير مباشرة – لتبني مواقفَ محدّدة قد تكون بعيدةً كُـلَّ البُعد عن جوهر الحقائق ومتطلبات المرحلة.

هذه المِنصات لا تقدِّم الصورةَ كاملةً، بل تنتقي وتضخِّم وتهوِّل بما يخدم أهدافًا معينة؛ مما يستدعي التعامل معها بحذر شديد ووعي أشد؛ فوراءها أجندات خفية قد لا تظهر للعيان إلا بعد فوات الأوان.

إنها، للأسف، تُضلّل أصحابَ الوعي القاصر، الذين يقعون فريسةً سهلةً لتلك الموجات المُعدّة سلفًا.

وتأتي خطورة هذا التضليل في مراحلَ بالغة الحساسية، حَيثُ تتطلَّب الأوضاعُ فهمًا عميقًا لجذور الأحداث ومتطلبات المرحلة.

ونحن نواجه أحداثًا جِسامًا، ومحاولات تزييف ضخمة، لا تتوانى قوىً معاديةٌ عن إنفاق الملايين – بل المليارات – من الدولارات فيها؛ بهَدفِ تشويه الحقائق وخلق رأي عام مغاير للواقع، يصبح من الصعب تمييزَه عن الرأي الأصيل.

وهذه الحملات الممنهجةُ لا تهدف فقط إلى تزييف الرأي، إنما تتعداه إلى خلق ثقافة مغلوطة، وقيم مشوهة، تنتشر كالنار في الهشيم بين شرائح المجتمع، لا سِـيَّـما الشباب.

وعندما ينجرف المجتمع – أَو أجزاء مؤثرة منه – وراء هذه الموجات المصطنعة، يصبح هذا الانجراف عاملًا مباشرًا للضغط على صناع القرار.

فيجد القائمون على الأمر أنفسهم أمامَ خيارَين أحلاهما مُر: إما أن يستجيبوا لهذا الضغط الشعبي المُصطنع، فيتخذوا قراراتٍ بعيدةً عن واقعهم الحقيقي، لا تواكب متطلباتِ المرحلة الفعلية، وتخدمُ في النهاية – سواء قصدوا أم لم يقصدوا – الأجندةَ التي رسمها الأعداء.

أَو أن يتجاهلوا هذا الضغط فيواجهون اتّهاماتٍ بعدم الاكتراث بـ "صوت الشعب" الذي تم تزييفُه.

ولا يقتصر الأمر على خدمةِ أطراف خارجية معادية، بل قد يمتدُّ ليكونَ أدَاة في يد قوى داخلية لتحقيق أهداف غير شريفة، أَو إشباع طموحات شخصية قذرة، تستغلُّ حماسةَ الجماهير وثقتَهم لتحويلهم إلى قطع شطرنج في معركة لا يعلمون حقيقتها.

وفي ظل هذه العواصف المصطنعة، يجبُ أن يبقى حاضِرًا في أذهاننا جميعًا، أن المواقفَ الأصيلة ليست هي تلك التي تتصدَّر "التريندات" وتغرد بها "البوتات"، بل هي تلك النابعة من قناعات الشعب الراسخة، والمترجمة لطموحاته الحقيقية المشروعة.

هذه المواقف وهذه الطموحات، هي التي ستبقى وتتحقّق بحول الله وقوته، رغم ضراوة العدوان، ورغم كُـلّ محاولات التزييف والتضليل.

وإن طال الزمان، فإن النصر حليف الحق، والصبر ركيزة الأبطال.

فهي معركة وجود، وليست معركة آراء عابرة.

معركةُ وعي قبل أن تكونَ معركةَ ساحة.

والثقة بالله ثم بقدرة شعبنا على تمييز الحق من الباطل، والخبيث من الطيب، هي سلاحُنا الذي لا يتزعزع.

فلنعمل على تعميقِ الوعي الفردي والجماعي، ولنرقَ بحسنا النقدي، ولنثق في أن مستقبلنا من صنع أيدينا، وليس من صنع خوارزميات مُعدّة مسبقًا.

{وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأرض كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شيئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ}.

والعاقبة للمتقين، والصبر مفتاح الفرج، واليقين سلاحُ المؤمن.

خطابات القائد