• العنوان:
    الشهداء.. قناديلُ لا تنطفئ في سماء الأُمَّــة
  • المدة:
    00:00:00
  • الوصف:
    في كُـلّ عام، وعندما تحل الذكرى السنوية للشهيد، لا يكون وقوفُنا وقفةَ ذكرى عابرة، بل هو وقفة إجلال وعهد.. إنها مناسبة لتجديد الذاكرة، واستلهام العزيمة من أرواح طاهرة، اختارت أن تكون جسرًا تعبر عليه الأُمَّــة من ذل الهزيمة إلى قمم الكرامة.
  • التصنيفات:
    مقالات
  • كلمات مفتاحية:

الشهداء ليسوا مُجَـرّد أسماء نُقشت على شواهد القبور، ولا صور عُلقت على الجدران، بل هم المداد الذي كُتب به التاريخ، وهم الحقيقة المطلقة التي لا تقبل الجدل في زمن كثرت فيه الأوهام.

إن عظمة الشهيد تكمن في إدراكه العميق أنه ما دام أنه لا بدَّ من الرحيل من هذه الحياة، لا بدَّ من الفناء في هذه الدنيا؛ فالشهادة في سبيل الله تعالى هي فوزٌ عظيمٌ وربحٌ حقيقي، واستثمار واعٍ لما لا بدَّ من حصوله للإنسان، وهو الرحيل من هذه الحياة.

الشهيد استثمر هذا الرحيل استثمارًا عظيمًا ومهمًا، واستفاد منه.

لقد أشار القرآن الكريم إلى هذه العظمة في أسمى صورها: ﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ﴾.

هذه الآية ليست مُجَـرّد تطمينات فقط، بل هي شهادة إلهية على مكانتهم الرفيعة، فهم أحياء في عالم لا ندركه، ينعمون بالحياة الحقيقية، وفيها الرزق الذي لا ينقطع، وفيها الاستبشار بالمستقبل الموعود العظيم، وفيها الاستبشار بمن خلفهم، ممن هم في نفس الطريق، في نفس الهدف..

الشهيد هو الذي يبيع الفاني بالباقي، ويقدم أغلى ما يملك (دمه وروحه) ثمنًا لأغلى ما نملك (الكرامة والحرية).

هذه الصفقة هي قمة اليقين والإيمان.

في زمن الضلال والفتن، تأتي دماء الشهداء لتكون دليلًا ظاهرًا على صدق العقيدة وقوة الإيمان.

إنهم يثبتون أن هناك قيمًا تستحق التضحية بالنفس؛ مِن أجلِها.

إذا كان القتل وسيلة يحرص الأعداء من خلالها على تكبيل الشعوب، وإخافتها، وإذلالها، وقهرها، والسيطرة عليها، وكان التهرب من الجهاد في مقدِّمة عوائقه.

فالشهيد هو من يكسر هذه المعادلة في قلوب الأُمَّــة.

عندما يرى الناس أن هناك من يواجه القتل بابتسامة، يدركون أن القتل في سبيل الله ليس نهاية، بل بداية.

هذا يولد جيلًا لا يهاب التضحية.

قصص الشهداء تتحول إلى مناهج تربوية، متكاملةً، معطاءةً، حيَّةً، جسَّدت القيم والأخلاق إلى مواقف وأفعال، فنعرف كيف هو الصدق، كيف هو الوفاء، كيف هو الرجاء لله، والأمل بالله، والثقة بالله، كيف أثره في الميدان، كيف تجسَّد فعلًا، إقدامًا، تضحيةً، استبسالًا لا نظير له.

في هذه الذكرى، يجب أن تكون وقفتنا وقفة محاسبة قبل أن تكون وقفة تكريم:

هل حافظنا على الأمانة؟ هل استثمرنا الفرصة التي منحنا إياها الشهداء بدمائهم؟

هل ما زلنا على الطريق والنهج الذي سلكوه، أم تراجعنا ونقضنا العهد الذي بيننا وبينهم؟

هل نحن على قدر المسؤولية؟ هل واصلنا الإعداد والجهاد في مجالاتنا المختلفة (العلمية، العسكرية، الاقتصادية)؟ أم إننا تهاونا وقصرنا في مسؤوليتنا، وغرتنا الدنيا؟‏ فليُعِدّ كُـلّ منا الجواب لنفسه.

يجب أن تتحول هذه الذكرى إلى منصة انطلاق لتعزيز الوعي، وتكثيف الجهود، وتصحيح المسار، حتى يتحقّق النصر الذي كان هدفهم الأسمى.

الشهيد ليس نهاية قصة، بل هو مشروع أُمَّـة مُستمرّ.

هو البذرة التي تنمو لتصبح شجرة كرامة، وظلها يمتد للأجيال القادمة.

في هذه الذكرى، نرفع أكف الضراعة إلى الله، سائلين أن يتقبل شهداءنا في أعلى عليين، وأن يثبتنا على الحق لنكون أهلًا لتضحياتهم.

فبدمائهم، نحيا، وبذكراهم، نستمر.

خطابات القائد