• العنوان:
    هل المنظمات الدولية الإنسانية.. مشروعٌ احتلاليٌّ أم ضميرٌ إنسانيّ؟
  • المدة:
    00:00:00
  • الوصف:
    ﴿مَّا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أهل الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْكُم مِّنْ خَيْرٍ مِّن رَّبِّكُمْ، وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ﴾ (سورة البقرة: 105) في عالمٍ تتعارك فيه القوى الكبرى، وتتفاقم النزاعات والحروب، وتتداخل المصالح السياسية مع الأزمات الإنسانية، تبرز المنظمات الإنسانية الدولية كـ"منقذٍ" يرفع شعارات الحياد، والإغاثة، والإنسانية، في محاولةٍ لتقديم نفسها كضميرٍ عالميٍّ حيّ.
  • التصنيفات:
    مقالات
  • كلمات مفتاحية:

لكن، هل هذا الضمير حيٌّ فعلًا؟ أم أن هذه المؤسّسات لم تعد سوى واجهةٍ لسياسات الهيمنة والاستعمار الحديث؟

في عصر الهيمنة الغربية، وتنامي الأطماع على الموارد - خُصُوصًا في الدول العربية والفقيرة - كشفت الوقائع أن كَثيرًا من هذه المنظمات لم تعد مستقلة، بل أصبحت ذراعًا ناعمة لدولها المانحة، تُوظف "العمل الإنساني" كأدَاة لجمع المعلومات الاستخباراتية، وفرض الوصاية السياسية، وتنفيذ أجنداتٍ لا علاقة لها بالإنسانية.

لماذا نشكّ في نزاهة العمل الإنساني الدولي؟

لأن التاريخ والواقع يشهدان أن الضمير الإنساني العالمي قد تآكل، وتحوّل إلى سلعةٍ قابلة للتفاوض.

ففي فلسطين، وأفغانستان، واليمن، لم نرَ منظماتٍ تُنقذ فقط، بل رأيناها تُستخدم لاختراق المجتمعات، وتقويض سيادتها، وترويج قيمٍ غريبةٍ عنها، في محاولةٍ منهجيةٍ لتفكيك الهوية، وإضعاف الدولة الوطنية.

المنظمات الدولية الكبرى - خُصُوصًا ذات الجذور الغربية - ليست كياناتٍ محايدة، بل امتداد مباشر للسياسات الخارجية لدولها.

والمساعدات، في كثير من الأحيان، لم تعد وسيلة إغاثة، بل أدَاة ضغطٍ سياسيّ، أَو غطاءً لعمليات تجسّسٍ وجمع بياناتٍ حساسة.

بل إن بعضها يُوظف لتصدير نمط حياةٍ غربيٍّ، يُفكك القيم المجتمعية، ويُضعف الثوابت الدينية والأخلاقية، تحت شعار "التحديث" أَو "حقوق الإنسان" المُبتذل.

الاستعمار الجديد يرتدي معطف الإنسانية

من أخطر ما تفعله هذه الآليات هو خنق الاقتصاد الوطني عبر استبدال الإنتاج الذاتي بالمعونات الخارجية.

فتصبح المساعدات صناعةً قائمةً بذاتها، تخلق تبعيةً دائمةً، وتُفقِد الحكومات المحلية الحافزَ لبناء مؤسّساتٍ قوية.

وهكذا، يتحوّل "الإغاثي" إلى مشروعٍ احتلاليٍّ ناعم، لا يغتصب الأرض بالدبابات، بل يغتصب الإرادَة بالمعونات.

كما يتجلى الانحياز بوضوحٍ في معالجة الأزمات: فالمظلومون يُعاملون بمكيال، والمعتَدون يُعامَلون بمكيالٍ آخر.

ففي حين تُفرض عقوباتٌ صارمةٌ على بعض الدول تحت ذرائع إنسانية، تُمنح دولٌ أُخرى - ترتكب أبشع الجرائم - غطاءً دوليًّا وتغاضيًا صارخًا، طالما كانت تخدم المصالح الغربية.

نحو إنسانيةٍ حقيقية

الخلاصة أن هذه المنظمات، في كثيرٍ من مظاهرها، مرآةٌ تعكس التناقض الصارخ بين الشعارات النبيلة التي ترفعها الدول الغربية، والمخطّطات المشبوهة التي تُنفّذها عبرها.

إنه صراعٌ بين القيم الإنسانية الصافية، والمصالح الجيوسياسية القذرة.

ولعلّ الحل لا يكمن في رفض العمل الإنساني، بل في إعادة هيكلته:

فرض رقابةٍ شديدةٍ على أنشطة المنظمات الأجنبية.

تعزيز دور المنظمات المحلية والوطنية.

ضمان استقلالية القرار الإنساني عن الأجندات السياسية.

تطبيق شفافيةٍ كاملة في التمويل والمصروفات والتقارير.

ربط المساعدات بإصلاحاتٍ حقيقية، لا بتفكيك الدولة.

فقط حين نبني نظامًا إنسانيًّا قائمًا على الشراكة الحقيقية، لا الهيمنة، وعلى الضمير الحي، لا المصالح الميتة، يمكن أن نستعيد للعمل الإنساني طهارته، وللإنسانية معناها الحقيقي.

خطابات القائد