• العنوان:
    الذكاء الاصطناعي.. ما أشبهَ اليومَ بالأمس!
  • المدة:
    00:00:00
  • الوصف:
    يا لها من مفارقةٍ عجيبةٍ، ما أشبهَ اليومَ بالأمسِ، يومَ قدّموا لنا الحداثةَ بزخرفها البراق، ثم ما لبثنا أن اكتشفنا أنها كانت ستارًا لهيمنةٍ جديدةٍ على الإنسان ووعيه ومصيره، وها هم اليوم يعودون بالمشهد ذاته، ولكن بثوبٍ أكثر لمعانًا وأعمقَ خطرًا، اسمه الذكاء الاصطناعي.
  • التصنيفات:
    مقالات
  • كلمات مفتاحية:

لم يُعطوه لنا حين كان وسيلةً للنهوض، ولا يوم كان خطوةً نحو المعرفة، بل منحونا إيّاه بعد أن استنفدوا كُـلّ ما فيه من فائدةٍ لأنفسهم، وبعد أن انتقلوا إلى مرحلةٍ أشدَّ تعقيدًا، مرحلةِ السيطرة على العقول لا على الأدوات.

لقد خرج الذكاءُ الاصطناعيُّ من مختبراتهم يومَ لم يعودوا بحاجةٍ إليه؛ لا لأَنَّه فقد قيمتَه؛ بل لأَنَّهم أنجزوا به غايتَهم الكبرى، أمّا نحن فقد تلقّيناه كما يتلقّى الشخصُ الهدايا المعلّبةَ والمزخرفةَ دون أن يُدرك أنها مفخّخة.

إن أخطر ما في الذكاء الاصطناعي أنه لا يُراد به أن يُساعدك على التفكير، بل أن يُفكّر عنك، وما أقسى أن تستيقظ يومًا لتجد أن الآلةَ قد سلبتك لذّةَ السؤال، وأنها أصبحت الوصيَّ على وعيك، تُحدّد لك ما تفهم، ومتى تفكّر، وكيف تشعر.

الذكاء الاصطناعي لم يأتِ ليحرّر الإنسان، بل ليختبر حدودَ طاعته، ولم يُطلق للعامة إلا بعد أن صار وسيلةً ناعمةً لضبط السلوك وتوجيه الإدراك، بأدوات تبدو بريئةً لكنها أشدُّ فتكًا من ألف سلاح.

إنه مشروعٌ لا يضرب الجسدَ بل الوعي، لا يفرض الهيمنةَ بالقوة بل بالإقناع والراحة والاعتياد، تسليمٌ طوعيٌّ للعقل تحت راية التقنية، واستسلام كاملٌ لآلةٍ تُعيد صياغةَ الإنسان كما تشاء.

ما أشبه اليومَ بالأمسِ حين كانت الشعاراتُ تُرفع باسم التحرّر، فتنتهي بالاستعمار، وها هي اليوم تُرفع باسم الذكاء، لتفضي إلى غفوةٍ جماعيةٍ تُغلق فيها العقول وتُفتح فيها الشاشات.

ولعل السؤالَ الذي سيبقى معلّقًا فوق رؤوسنا: هل ما زلنا نملك عقولَنا في عصر الذكاء الاصطناعي، أم أننا سلّمناها بطيبِ خاطرٍ لمن أراد أن يُعيد تشكيلَها؟

خطابات القائد