خطابٌ صارم، كرّسهُ السيد القائد كرؤيةٍ واضحة ومتكاملة، وحضور دائم، وجهوزية مستمرة، وإسناد لا هوادة فيه لقضية فلسطين المركزية، وإعلان مبدأ متجدّد في معادلة الردع، يؤسس لمرحلةٍ عنوانها "الاستمرارية الجهادية"، ويضع اليمن كطرفٍ صُلب في محور الجهاد والمقاومة، حاضر دائمًا في ساحة الفعل لا في هامش التفاعل.

خطابٌ في جوهره ليس كلمات تهدئة أو احتفال بانتصار مؤقت؛ بل تجديد لعقيدة الردع والإسناد؛ فعبارة "وإنَّ عدتم عدنا" تحوّلت من لفظٍ قرآني إلى قاعدة عملياتية بذات القدسية، تحكم تصميم اليمن بردع العدوّ الإسرائيلي.

والرسالة واضحة، أنَّ أيّة عودة صهيونية للعدوان على غزة أو أيّ تصعيد ضد محور المقاومة ستُقابل بتفعيل فوري لجبهة الإسناد اليمنية، وبمستوى أعنف وأكثر دقة من السابق.

وفي الوقت ذاته، رسم السيد القائد ملامح استراتيجية طويلة المدى، حين ربط الجهوزية الراهنة بسنن النصر الإلهي: "واثقون بنصر الله بيقين تام بوعد الله عن مآلات هذا الصراع"، جملةٌ مفتاحية ليست تذكيرًا بالعقيدة؛ بل إطار سياسي وروحي للثبات، يعطي الموقف اليمني عمقه الديني الذي لا يتبدل بتبدل المراحل.

السيد القائد بعث بالرسائل الفورية في اتجاهات متعددة؛ فإلى الكيان الإسرائيلي: أنتم إلى زوال، بهذه العبارة القطعية "أمر الله آتٍ آتٍ في زوال الكيان الإسرائيلي الظالم المجرم"، أراد السيد القائد أنَّ يضع الصراع في مداه التاريخي والإلهي، لا في حسابات مؤقتة؛ فالكيان، كما وصفه، "مؤقت" بطبيعته، وكل ما يجري ليس إلا مراحل متتابعة في مسار حتمي نحو الانهيار.

وإلى محور المقاومة، التحية الواضحة التي وجهها إلى حزب الله وإيران والشهيدين القائد قاسم سليماني والسيد حسن نصر الله، لم تكن مجرد إشارات رمزية؛ بل إعادة تثبيت هندسة المحور وترابط جبهاته، من فلسطين إلى صنعاء.

فالمقاومة -كما يراها السيد القائد- هيكلٌ متكامل الجبهات والمستويات، سياسية، إعلامية، عسكرية وروحية، يجمعها الوعي والتضحية والإيمان بوحدة الموقف.

وإلى الداخل اليمني: الخطاب حمل دفعة معنوية قوية للشعب اليمني الذي "صمد في وجه العدوان الأمريكي البريطاني الإسرائيلي رغم ثلاثة آلاف غارة"، مؤكّدًا أنَّ هذا الصمود لم يكن دفاعًا عن الذات فحسب؛ بل جزءًا من معركة الأمة الكبرى، والتي بات اليمن في مقدمة الصفوف فيها.

ويركز السيد القائد على توصيف "الفشل الإسرائيلي" كواقعة ميدانية وإخفاق استراتيجي أمريك صهيوني مشترك؛ فالعدو، رغم دعمه الغربي المفتوح وتفوقه التقني، عجز عن تحقيق أيًّا من أهدافه الكبرى: "لم يحسم معركة السيطرة على غزة، لم يستعد أسراه بدون صفقة تبادل، لم يتمكن من كسر إرادة الشعب الفلسطيني".

والأهم من ذلك، أنَّه فشل في تحييد جبهة الإسناد اليمنية رغم استخدامه أعتى أسلحته، من طائرات B-52 وB-2 إلى خمس حاملات طائرات كانت، كما قال السيد، "عبئًا على الأمريكي نفسه وهربت من مسرح المواجهة".

هذه النقطة بالذات تُشكل تحولًا في مفهوم الردع العالمي؛ فاليمن الذي كان يُنظر إليه كمجال نفوذ ضعيف، أصبح اليوم عامل استنزاف مباشر للهيبة العسكرية الأمريكية.

وفي معرض تفصيله للمعركة البحرية، كشف السيد القائد أنَّ الأمريكي والبريطاني والإسرائيلي فشلوا في تأمين الملاحة لصالح الكيان، وأنَّ "العدوّ لم يتمكن من الاستمرار في مسار البحر الأحمر وباب المندب وخليج عدن".

ولفت إلى أنَّ استخدام الصواريخ الباليستية في العمليات البحرية لأول مرة في التاريخ أربك واشنطن ولندن و"أدهش الأمريكي"، وهي إشارة إلى تحول تكتيكي بالغ الخطورة في توازن القوى البحرية.

وما بين السطور هنا يؤكّد السيد القائد أنَّ اليمن يخوض عمليات ويصوغ نظرية ردع بحرية جديدة تجعل البحر الأحمر منطقة نفوذ يمنية – إقليمية، قابلة لتقييد حركة الكيان الصهيوني ومصالح الغرب.

وفي مقطعٍ لافت، وصف السيد القائد الإعلاميين بأنَّهم "فرسان الجهاد في ميدان الإعلام"، وأكّد أنَّ الأعداء يشتكون من فاعلية هذا الدور، وكأنه يرسخ وعيًّا استراتيجيا بدور الإعلام المقاوم كركيزةٍ مكافئة للميدان العسكري.

كما أنَّ الحديث عن "ماكينة إعلامية صهيونية ضخمة تعمل على تشويه كل من يقف ضدها" يكشف وعي القيادة الثورية اليمنية بعمق الحرب النفسية الدائرة، ودورها في تشكيل الإدراك الجمعي للأمة في كل مساراتها.

اللافت في الخطاب أنَّ السيد القائد لم يكتف بتوصيف الانتصارات، بل ركز على مسار الابتكار والتطوير، وقالها بوضوح: "حوّلنا التحديات إلى فرص، وكان مسارنا مسارًا ناجحًا على مستوى المديات وتجاوز كل وسائل الحماية والاعتراض".

من فوهة النار إلى فوهة الكلمة، أطل علينا مسار ابتكار متجدد؛ في عبارة تحمل ما يشبه إعلان تفوق تقني في إطار العقيدة القتالية، وتؤكّد أنَّ اليمن يسير في مشروع ذاتي متطور لا يعتمد على الدعم الخارجي بل على "معونة الله وهدايته".

وما بين الوعي والميدان، وضع السيد القائد الإطار المفاهيمي لما يجري في اليمن ضمن معركة "الفتح الموعود والجهاد المقدس"، وأنَّ ما تم في غزة جولة من جولات هذه المعركة، وأنَّ القادم سيكون أشد وأنكى على العدوّ.

وأكّد أنَّ من نتائج "جريمة القرن" أنَّ الأمة باتت أكثر وعيًا بحقيقة العدوّ، وأنَّ الشعوب الحية في العالم باتت تتحرك بضمير يقظ تجاه فلسطين.

خطاب السيد القائد لم يكن احتفالًا بنصر ولا استعراضًا لقدرات؛ بل وثيقة رؤية استراتيجية لمحور الجهاد والمقاومة، تجمع بين الثقة بالله والإعداد المادي، وبين الواقعية العسكرية واليقين العقائدي؛ فمن "وإنَّ عدتم عدنا" إلى "الفتح الموعود"، ترسم الكلمات خارطة المستقبل: "اليمن ثابت في ميدان الإسناد، العدوّ الإسرائيلي يتآكل سياسيًا وعسكريًا، المحور يزداد ترابطًا ونضجًا وتكاملًا".

وهكذا، يغدو خطاب اليوم رسالة ردع شاملة إلى كل من يظن أنَّ بإمكانه أنّ يُعيد عقارب الصراع إلى الوراء؛ فالمعادلة الجديدة حُسمت، ومن صنعاء إلى غزة، الكلمة والموقف والصاروخ في اتجاهٍ واحد: وإنَّ عدتم عدنا.. وعد الله حقّ، ونصره آتٍ لا محالة".

خطابات القائد