• العنوان:
    إلى أين يقودنا القبول بنهب الثروات: قراءة في كلمة السيد القائد
  • المدة:
    00:00:00
  • الوصف:
    في الذكرى الثانية لطوفان الأقصى، وبينما غزة تُحاصر، جاء خطاب السيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي كصفعة في وجه الصمت والخيانة: العدوان اليوم ليس مقتصرًا على قذائف وصواريخ، بل هو نهب ممنهج للثروات العربية لتغذية آلة القتل الأمريكية-الصهيونية. هذه الحقيقة التي كشف عنها السيد القائد ليست رأيًا محايدًا، بل تشخيصٌ عميق لآلية الإذلال التي تُمارس ضد الأمة منذ عقود، حيث تُحوّل الثروات من موردٍ للنهضة إلى وسيلةٍ للذل والخضوع.
  • التصنيفات:
    مقالات
  • كلمات مفتاحية:

 من يريد السيطرة على أمّة لا يحتاج فقط إلى احتلال أرضها، بل يسعى للسيطرة على دخلها ومواردها وقراراتها الاقتصادية. القائد لم يكتف بوصف المشكلة، بل وضع المسألة في صميم المعركة: من يملك الثروة يملك القرار، ومن يملك القرار يفرض المصير. لذلك فإن القبول بتمرير عقود النهب والصفقات المشبوهة يعد جريمة استراتيجية تُدفع الأمة ثمنها باهظًا. النفط والغاز والموانئ والمعادن ليست بضائع تفاوض على هامشها؛ بل هي مفاتيح السيادة ومقاييس الاكتفاء والكرامة.

النهب الاقتصادي يأخذ صورًا متعددة: تحويل العوائد إلى حساباتٍ أجنبية، تسليم المشاريع الاستراتيجية لشركاتٍ مؤدلجة تخدم أجندات خارجية، قبول شروط قروض تقنن الخضوع، والتساهل مع أنظمة تبيع مستقبل شعوبها مقابل مكتسبات آنية هزيلة. في ظل هذا الواقع تتحول الشعوب إلى أسواق استهلاكية تعمل على إطعام اقتصاد الاحتلال ونفوذه. وهنا يرنّ سؤال السيد القائد في الضمير الجمعي: إلى أين يقودنا هذا القبول؟ إلى صمتٍ مطبق أم إلى ثورةٍ اقتصادية تقلب الطاولة؟

المعركة اليوم مزدوجة: صراع في الميدان، وصراع في الميزانيات. المال الذي يُستثمر في بنوك الغرب، أو العوائد النفطية التي تُحوّل إلى حسابات تضمن ولاءات سياسية، هو الوقود الحقيقي للحرب على غزة واليمن ولبنان وكل مقاومةٍ تنبض بالكرامة. كل برميل يُباع بشروط مهينة، وكل صفقة تُبرم على حساب الشعب، هو طلقة في صدر الأمة. وأولئك الذين يتواطؤون أو يغضّون الطرف عن هذه الجرائم ليسوا مجرد فاسدين؛ إنهم شركاء في عملية احتلال ممنهج تُرتّب له أسباب صمود الاحتلال طويلاً.

في المقابل، تتبلور ضرورة بناء اقتصاد مقاوم يكون خط الدفاع الأول عن السيادة. الاقتصاد المقاوم ليس شعاراتٍ جوفاء بل سياساتٌ عملية: حماية الموارد الوطنية، تعزيز الإنتاج المحلي وإعادة التصدير، تشجيع الصناعة والزراعة، دعم البحث والتطوير، وإعادة توزيع الثروة بما يخدم الإنسان لا يُلحقه. عندما يصبح الاقتصاد أداةً للخدمة الوطنية، تتقلص قدرة الأعداء على الابتزاز وتضعف أُطر التبعية التي يستندون إليها.

اليمن، بقيادة السيد القائد، وضع هذا المفهوم موضع التنفيذ العملي. فليس من قبيل المبالغة القول إن موقف اليمن في البحر الأحمر أو ضرب الموانئ الصهيونية ليس بُعدًا عسكريًا فحسب؛ بل هو جزء من استراتيجية اقتصادية وسياسية تقرأ أن السيطرة على طرق التجارة والموانئ والموارد هي عصب القوة. عندما تُضرب قدرة العدو على تأمين موارده، تفقد مفاهيم التفوق التي يعتمد عليها. وهنا يتحول العمل العسكري إلى امتداد للدفاع عن الثروة والكرامة، ويصبح اقتصاد المقاومة فعلاً مكملاً للميدان.

غزة بصمودها تؤكد أن النضال ليس محصورًا في ساحة واحدة. صمود الشعب الفلسطيني وانكشاف وجه آلة القتل للعالم يفضح من يستثمر في نهب الثروات بينما يلتزم الصمت حين تُزهق الأرواح. غزة تُعلّم أن الحرية لا تُمنح، وأن من يموت من أجل كرامته يكتب درسًا للأمة عن معنى المقاومة الحقيقية. واليمن، بصموده، يعلّم أن التحرر الاقتصادي جزء لا يتجزأ من التحرر الوطني. هاتان التجربتان تشكلان نموذجًا عمليًا لما دعا إليه السيد القائد: المقاومة الشاملة التي تجمع بين السلاح والاقتصاد والوعي الشعبي.

القبول بنهب الثروات هو قبول بالهزيمة قبل خوض المعركة. إنه توقيعٌ مسبق على نهاية الحرية الوطنية، لأن الأمة التي فقدت صلاحياتها الاقتصادية فقدت حرية قرارها الخارجي. لذلك فإن الموقف المطلوب ليس رفضًا صوريًا، بل برنامجًا فعليًا يتضمن: تشديد الرقابة على العقود والمشروعات الاستراتيجية، فرض شروط شراكات تحمي المصلحة الوطنية، ترسيخ سياسات تمويلية وطنية، وإنشاء صناعات وخطوط إنتاج تغني السوق المحلية وتقلّص الاعتماد على الخارج.

أخيرًا، السؤال الذي طرحه السيد القائد يبقى دعوة للبناء لا للانهزام: إلى أين يقودنا القبول بنهب الثروات؟ الجواب صارم وواضح: إما العبودية الاقتصادية والسياسية، أو النهوض الاقتصادي الذي يسبق التحرر السياسي والعسكري. الخيار أمام الأمة ليس محايدًا. من يختار المقاومة الاقتصادية يكتب فجر الحرية، ومن يختار الصمت والتواطؤ يوقع على حكم الإعدام لكرامة أمته.

لتكن هذه الكلمة نقطة انطلاق لصحوةٍ اقتصادية تُقلب موازين القوة، ولتتحول صفقة النهب إلى مشروع إنتاجٍ واستقلال. حرّروا ثرواتكم، تحرّروا قراركم؛ فبدون اقتصاد مستقل لا سيادة حقيقية، وبدون سيادة لا مستقبل لأمةٍ تستحق الحياة والكرامة.


خطابات القائد