في خضم مشهدٍ سياسي وعسكري يزداد تعقيدًا، وخلافًا لتوقعات الدوائر الصهيونية التي روّج لها مقربون من نتنياهو وترامب بانتظار ردٍّ حاسم بـ"نعم أو لا" من حماس، جاء ردّ الحركة ليقلب الطاولة، وهو ما وصفه الوسيط السابق "أوليفر ماك تيرنان" بـ"الذكي" و"المفاجئ" لكيان الاحتلال.

في السياق؛ يؤكّد مراقبون، أنَّ حماس نجحت في تحقيق ثلاث اختراقات رئيسية، أولها، اختبار المصداقية الأمريكية، عبر البدء بملف الأسرى، وهو الملف الأكثر حساسية لواشنطن؛ إذ أظهرت الحركة جدية وبراغماتية، ساحبةً البساط من تحت أيّة اتهامات بالتعنت.

والأمر الثاني أنّ حماس استطاعت تحويل الإملاءات إلى مفاوضات، حين رفضت التعامل مع الخطة كصفقةٍ مغلقة، وأخضعت بنودها للنقاش، محولة نفسها من طرف يتلقى الشروط إلى ندّ يشارك في صياغة الاتفاق.

ويأتي ثالثًا؛ ترسيخ حماس للحضور السياسي، والأهم من ذلك، أنَّ الموقف الأمريكي المضطر للتعامل مع ردّ حماس وتفاصيله أظهر لحكومة الكيان أنَّ الحركة باتت جزءًا من المعادلة السياسية لا يمكن شطبه أو تجاوزه، وهو ما يقوض أحد الأهداف الرئيسية للحرب الصهيونية.

وفي تناقضٍ لافت مع تعقيدات الموقف، بدا خطاب المجرم نتنياهو، وفقًا لإذاعة جيش العدوّ، "متفائلًا إلى حدٍّ ما"، لدرجة يبدو معها "مقتنعًا بأنَّ التفاصيل مغلقة وأنَّ الصفقة في طريقها للتنفيذ"، وهذا التفاؤل المفرط، الذي يزعم أنَّ حماس ستوافق على إطلاق سراح الأسرى دون انسحابٍ إسرائيلي كامل، يثير تساؤلات عميقة لدى المحللين الصهاينة أنفسهم.

إذ يصعب فهم مصدر تفاؤل نتنياهو في ظل عدم صدور أيّة موافقة رسمية من حماس على شرطه الأساسي (عدم الانسحاب الكامل)، ويمكن قراءة هذا التفاؤل من زوايا عدة؛ إذ قد يكون تكتيكًّا للضغط على حماس وتحميلها مسؤولية أيّ فشلٍ قادم أمام المجتمع الدولي.

فيما يرى مراقبون أنَّه لغرض الاستهلاك الداخلي، بحيث يهدف إلى تهدئة الشارع الصهيوني الغاضب وعائلات الأسرى عبر بث آمال بقرب انفراج الأزمة، لكنهم لا يستبعدون بأنَّ يكون تمهيدًا للتصعيد، في حال فشل المفاوضات، إذ يمكن لنتنياهو أنَّ يدعي بأنّه "جرّب كل شيء" وأنَّ الخيار العسكري هو الحل الوحيد، مستخدمًا تفاؤله كذريعة.

وما يجعل تفاؤل مجرم الحرب نتنياهو في مهب الريح هو ما كشفته هيئة البث الصهيونية من أنَّ الكيان أبلغ واشنطن بالفعل عن نيته البقاء عسكريًّا لسنوات في مواقع استراتيجية داخل غزة، تشمل المنطقة العازلة، ومحور فيلادلفيا، وتلة الـ70 المشرفة على شمال القطاع، وقد أبدت واشنطن "تفهمها" لهذه الضرورات "الأمنية".

في السياق، يؤكّد مراقبون أنَّ هذا الكشف هو جوهر السياسة الصهيونية لـ"اليوم التالي"، وهو ينسف مبدأ "الانسحاب الكامل" الذي تطالب به حماس، وتفهّم واشنطن لهذه الخطط يعطي ضوءًا أخضر للعدوّ لفرض واقع أمني جديد، ويعتبر بمثابة عراقيل مسبقة تجعل أيّ اتفاق حبرًا على ورق، ويعيد إلى الأذهان تجربة "الحزام الأمني" في جنوب لبنان الذي تحول إلى مستنقع للاستنزاف.

داخليًّا، يواجه نتنياهو ضغطًا هائلًا من شركائه في اليمين المتطرف؛ فبينما يحمله وزير المالية المجرم "سموتريتش" مسؤولية "الخطأ الفادح" بوقف العملية العسكرية، يهدد وزير الأمن القومي المجرم "بن غفير" بالانسحاب من الحكومة "إذا بقيت حماس قائمة".

ويضع هذا الموقف نتنياهو أمام خيارين أحلاهما مُر: إمّا المضي في صفقة قد تضمن بقاء حماس سياسيًا وعسكريًا؛ ما يعني انهيار حكومته، أو إفشال الصفقة وتجدد الحرب، مع كل ما يحمله ذلك من ضغط دولي ومخاطر داخلية.

بالنتيجة؛ ووفقًا لناشطين في المقاومة؛ فإن خطة ترامب بصيغتها الحالية تضع حماس أمام "معادلة مستحيلة"، تسليم السلاح مقابل انسحاب تدريجي بلا ضمانات، وهو ما يعني الانتحار السياسي والعسكري.

إذن؛ القضية اليوم ليست سلاح حماس، بل في وجود الاحتلال الذي أثبتت التجارب التاريخية، أنّه لا يستقر على عهدّ ودائمًا ما يتنصل عن تنفيذ أيّ اتفاق، وهذا يعني مقاومة جديدة بلا نهاية، وحتى لو زالت حماس، سيولد من رحم المعاناة جيل جديد أشد تصميمًا على المواجهة وتطهير الأرض بطرد المحتل.


خطابات القائد