• العنوان:
    مشهد النزوح في غزة.. عناء لا يقل مرارة عن الموت
  • المدة:
    00:00:00
  • الوصف:
    في غزة، الموت ليس فقط ما يأتي من السماء على شكل قذائف وصواريخ، بل هو أيضًا ذاك الرحيل القسري نحو المجهول، الذي يُفرض على سكان المدينة المنكوبة منذ أشهر.
  • كلمات مفتاحية:

النزوح هنا ليس خيارًا، بل قسرٌ تحت النار، وهروبٌ من موت إلى موت آخر، مجهول الملامح والمصير.

ففي ظل القصف الصهيوني المتواصل على مدينة غزة، تُطلق قوات الاحتلال سلسلة تحذيرات بالإخلاء عبر الرسائل النصية والمنشورات الجوية، وكأنها تمنح السكان "فرصة حياة"، بينما في الحقيقة، تسلبهم كل ما تبقى من حياة.

الوجهة جنوبًا، هذا ما تقوله تعليمات العدو، لكن إلى أين في الجنوب؟

رفح دُمِّرت، وخان يونس تحترق، ودير البلح بالكاد تحتمل الوافدين الجدد، النازحون يغادرون مدينتهم تحت وابل القصف، وعيونهم تنظر خلفهم إلى البيوت التي سويت بالأرض، وإلى الركام الذي كان يومًا حياة، وإلى الشوارع التي لم تعد تعرف أسماءها، وإلى الذكريات التي تُنسف مع كل ضربة جوية.

على امتداد الطريق الساحلي، تشهد غزة مشهدًا مأساويًا يختصر حجم الكارثة، الآلاف يسيرون على الأقدام، يحملون ما استطاعوا من متاع، يجرّون أطفالًا جائعين، ويمشون تحت شمس حارقة، أو أمطار عشوائية، أو في قلب ليل بلا كهرباء.

سيارات معطلة، شاحنات متهالكة، عربات تجرها الحمير، عائلات تفترش الأرض على جنبات الطريق، في خيام لا تقي بردًا ولا حرًا، ولأن الحرب لا تميز بين نازح ومقاتل، فإن هؤلاء يظلون عرضة للقصف والقنص والطائرات المُسيّرة، حتى وهم في طريقهم إلى ما يُفترض أنه "مكان آمن".

النزوح في غزة لا يشبه أي نزوح آخر في التاريخ الحديث، إنه نزوحٌ بمقابل مالي لا تملكه معظم العائلات المحاصرة منذ قرابة عام، تكلفة باص النزوح: من 1500 إلى 2500 شيكل (400-700 دولار)، تكلفة الشاحنة الكبيرة تصل إلى 3000 شيكل فأكثر، غلاء قطع الغيار يعرقل حتى من يملك وسيلة نقل.

الجنوب ليس "الملاذ الآمن" كما تروج له سلطات الاحتلال، بل محطة انهيار جديدة في سلسلة المعاناة الفلسطينية. في رفح، لا مكان، ولا مأوى، ولا ماء، ولا دواء، ولا حتى خيمة تكفي لأسرة.

المخيمات المكتظة في المواصي وخان يونس صارت غير صالحة للحياة، الأمراض تنتشر، الحصص الغذائية لا تصل، والبيئة الصحية انهارت بالكامل.

حتى الوصول إلى هذه المناطق، صار حلمًا مستحيلًا بالنسبة للكثير من العائلات التي لا تملك أجرة الطريق.

ما يحصل في غزة اليوم هو تطهير عرقي ممنهج، وإعادة إحياء لخطط التهجير الكبرى التي شهدها الشعب الفلسطيني في النكبة عام 1948.

ومشهد النزوح الجماعي الذي تشهده مدينة غزة هو جزء من خطة صهيونية تهدف إلى إفراغ الشمال، وتفريغ القطاع من أهله، تحت غطاء "ممرات آمنة" و"مناطق إنسانية".

النزوح في غزة مشهد يومي للموت البطيء، وجريمة مستمرة، لا تقل فظاعة عن القصف المباشر، ورغم كل شيء، لا يزال النازحون الفلسطينيون يتمسكون بالأمل والكرامة، كما تمسكوا بالركام من قبل، وكأنهم يقولون للعالم: "لن نموت في صمت، ولن ننزح في نسيان".


خطابات القائد