ويُعَدّ مطار اللُّد أهم الأهداف الحسَّاسة للقوات المسلحة اليمنية؛ فالهجوم عليه ليس مُجَـرّد ضربات تكتيكية، بل يُعتبر بُعدًا استراتيجيًّا عميقًا، مُلحِقًا أضرارًا مباشرة بالبنية التشغيلية للمطار، وأدّى في الكثير من العمليات إلى التوقف الفوري لحركة الطيران.

وتسارع معظم شركات الطيران العالمية إلى إلغاء رحلاتها من وإلى مطار اللُّد، فيما يتكدّس آلاف المسافرين في صالات الانتظار وسطَ حالة من الفوضى والارتباك مع كُـلّ عملية تستهدفُ المطار، في وقتٍ توجُّـهِ فيه القواتُ المسلحة اليمنية تحذيرًا من مغبّة السفر إليه، في رسالة واضحة إلى شركات الطيران والمسافرين بأن المطارَ بات ضمن دائرة الاستهداف الفعلي.

ويعود تاريخ إنشاء المطار إلى الانتداب البريطاني عام 1936م، حين أُقيم في مدينة [اللُّد] الفلسطينية، قبل أن تقومَ القوات الصهيونية باحتلاله بعد نكبة 1948، ليصبح لاحقًا المطار الرئيسي للكيان المؤقَّت.

وفي عام 1973، أُطلِقَ عليه اسم [بن غوريون] نسبةً إلى المجرم دافيد بن غوريون أول رئيس وزراء للعدوّ الإسرائيلي، ليصبح رمزًا وواجهةً تعكس صورة كيان العدوّ "الآمنة والمزدهرة" كما يريد أن يسوّق نفسَه للعالم.

ويستقبل المطار أكثر من 24 مليون مسافر سنويًّا، ويشغّل ما يزيد على 500 رحلة جوية يوميًّا؛ ما يجعله ركيزة اقتصادية وأمنية وإعلامية للاحتلال.

ومنذ انطلاق عملية "طوفان الأقصى" في أُكتوبر 2023، تحوّلت الجبهة اليمنية إلى لاعبٍ إقليمي يفرض معادلات جديدة في البحر والجو، حيثُ يأتي استهداف مطار اللَّد المحتل تتويجًا لسلسلة من الرسائل الصاروخية والطائرات المسيّرة، وشكّل إعلانًا عن فرض حصار جوي على كيان العدوّ الإسرائيلي، شبيهًا بالحصار المفروض على ميناء أُمِّ الرشراش والملاحة الصهيونية في البحر الأحمر.

وعلى المستوى الاقتصادي، فقد تراجع قطاعُ الطيران والسياحة، كما تراجعت الرحلاتُ بنسبة 45 % بعد العمليات اليمنية المستهدفة للمطار، مع تقديرات بخسائرَ اقتصادية للعدوّ تقتربُ من 4 مليارات خلال عام واحد، بالإضافة إلى انخفاض عدد السياح الأجانب من 278 ألفًا إلى 74 ألفًا، بنسبة تراجع 73 %.

أما على المستوى الأمني، فقد كشفت العملياتُ اليمنية عن هشاشة منظومة الدفاع الصهيونية بعد إخفاق أنظمة مثل "القُبة الحديدية" و"مقلاع داوود" في اعتراض الصواريخ اليمنية، الأمر الذي وجّه ضربةً لمصداقية الصناعات العسكرية الصهيونية.

كما أن المشهدَ نقل صورةَ الكيان العاجز عن حماية رموزه الحيوية في الداخل المحتلّ، وبالتالي تآكل ثقة المستوطنين بالمؤسّسة الأمنية.

من جانبٍ آخر، تتعرض حكومة العدوّ الإسرائيلي إلى إحراجٍ سياسي كبير في الداخل والخارج؛ نتيجة الإخفاق الصهيوني في التصدِّي للصواريخ اليمنية، والعجز الكبير الذي يواجهُ كيانَ العدوّ في تهدئة الجبهة اليمنية المساندة لغزة، كما أن استهداف المطار يُحرِجُ الدولَ التي ما زالت تحتفظُ بعلاقات جوية مع كيان الاحتلال، لا سِـيَّـما بعض الدول الخليجية وعلى رأسها الإمارات والسعودية.

ودفعت العمليات اليمنية الإسنادية لفلسطين المحتلّة شركات الطيران العالمية إلى مقاطعة مطار اللد [بن غوريون] من جهة، وتحوّل الأجواء الفلسطينية إلى مجالٍ غير آمن يزيدُ الضغطَ على الدول الغربية المعنية بأمن مواطنيها في المنطقة من جهة ثانية.

وتحملُ العملياتُ اليمنية رسائلَ استراتيجيةً تتجاوزُ البُعْدَ العسكري المباشر، حيثُ أنهت أُسطورةَ ما يسمى بـ"الجيش الذي لا يُقهَر"، وأثبتت عجز التفوق التكنولوجي الصهيوني في التصدي للصواريخ اليمنية، وأنه لا خطوطَ حمراءَ بعد اليوم، وأن سماء فلسطين المحتلّة لم تعد "مُحصنة"، والمجال الجوي لم يعد آمنًا، وهو ما يضع الاحتلال تحت ضغطٍ دائم سياسيًّا واقتصاديًّا وعسكريًّا.

ويُعتبر الاستهدافُ المتكرّر لمطار اللُّدِّ المحتل نقلةً نوعيةً للقوات المسلحة اليمنية، فعلى الرغم من البُعد الجغرافي، إلا أن اليمن استطاع قلبَ المعادلة، كما أن تواصل العمليات يجعل العدوّ أمام واقعٍ جديد؛ فأمن الكيان مهدَّد، واقتصاده مستنزَف، وصورة "إسرائيل" الدولية في تراجع.

وتُصيب العمليات اليمنية المشروعَ الصهيوني بالشلل، بعد أن قام معتمدًا على فكرة التفوق والسيطرة والأمان، وهذه كلّها سقطت أمامَ القوات المسلحة اليمنية.

خطابات القائد