ويُفرض منذ مارس 2025 حظر مشدد على دخول المساعدات الإنسانية، بما في ذلك المواد الغذائية، الأدوية، والمعدات الطبية، وسط حصار خانق مستمر منذ 18 عامًا، تصاعد بشكل غير مسبوق خلال العدوان المستمر منذ أكتوبر 2023.

ويرفض كيان الاحتلال عشرات الطلبات اليومية المقدمة من منظمات الإغاثة الدولية، بما في ذلك الصليب الأحمر، منظمة الصحة العالمية، وبرنامج الغذاء العالمي، لإدخال مساعدات إنسانية عاجلة، تحت ذرائع "أمنية" غامضة.

وتُخضع هذه المساعدات لما تسميه "آليات تحقق استخباراتية"، تتضمن مراجعات أمنية معقدة تطيل المدة الزمنية للتصاريح أو تؤدي إلى رفضها بالكامل، ووفق بيانات مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA)، لم يتم السماح بدخول أكثر من 80% من المساعدات المطلوبة في شهري يونيو ويوليو وحدهما.

ويعتمد الاحتلال على سياسة "الهندسة اللوجستية للتجويع" من خلال تصميم منظومة رقابة تتحكم بمسارات دخول المواد إلى غزة، وتُقنن كميات الغذاء المسموح بها، بطريقة احتضار جماعي بطيء وصولاً إلى الموت الصريح، وهو ما وثقته دراسة إسرائيلية داخلية سابقة سربها الإعلام العبري عام 2012، تُعرف باسم "دراسة السعرات الحرارية". واليوم، يُعيد الاحتلال تفعيل هذه السياسة بشكل أكثر عدوانية، مُستخدمًا التجويع كأداة حربية ضد المدنيين.

تُعيق القيود الصهيونية حركة الطواقم الطبية والإغاثية، وتُحوّل مراكز الإغاثة إلى ساحات خطر، حيث يُستهدف المدنيون مباشرة أثناء محاولاتهم الحصول على الغذاء أو الدواء حيث وثقت منظمات حقوقية دولية، منها "هيومن رايتس ووتش" و"أطباء بلا حدود"، استهدافًا مباشرًا للمدنيين المتجمعين أمام مراكز توزيع المساعدات، ما يُعد انتهاكًا جسيمًا للقانون الدولي الإنساني، وتحديدًا اتفاقية جنيف الرابعة.

إخلاء غزة:

ويُصنّف كيان الاحتلال اليوم نحو 86% من مساحة قطاع غزة كمناطق عسكرية مغلقة أو خاضعة لأوامر إخلاء قسري، بحسب ما أورد تقرير صادر عن مكتب OCHA في أغسطس 2025. وتشمل هذه المساحة غالبية مناطق شمال ووسط القطاع، إلى جانب مساحات كبيرة من مدينة خان يونس جنوبًا، حيث تُجبر هذه الإجراءات أكثر من 1.7 مليون فلسطيني على النزوح القسري، في ظل شح كبير في المأوى والماء والغذاء.

كماتعمل المستشفيات المتبقية في الجنوب بنسبة تشغيل تتجاوز 200% من قدرتها، دون كهرباء مستقرة أو وقود لتشغيل المولدات. وتشير بيانات وزارة الصحة في غزة إلى أن أكثر من 42 مستشفى ومرفقًا طبيًا قد خرجوا عن الخدمة بشكل كلي أو جزئي حتى منتصف أغسطس. وفي الوقت نفسه، يُسجَّل نقص يتجاوز 77% في الأدوية الأساسية ومواد التخدير والعناية المركزة، مما يجعل الآلاف من الجرحى عرضة للموت بسبب انعدام العلاج.

وتُطلق قوات الاحتلال الرصاص الحي على المدنيين أمام مراكز توزيع المساعدات، وفي مجزرة مروّعة وقعت مطلع أغسطس، استشهد أكثر من 240 مدنيًا، بينهم 80 طفلًا و37 امرأة، أمام مركز تابع لـ"مؤسسة غزة الإنسانية"، وهي إحدى الجهات المموّلة أميركيًا، وتؤكد شهادات الناجين أن قوات الاحتلال فتحت النار دون أي إنذار، مستهدفة الناس أثناء تواجدهم في طابور للحصول على الطحين والمعلبات.

وتُواجه المنظمات الدولية ضغوطًا غير مسبوقة، حيث تُفرض عليها شروط أمنية صهيونية للبقاء في غزة، ويُمنع موظفون دوليون من دخول القطاع، كما تُتهم منظمات مثل الأونروا بالارتباط بـ"أنشطة إرهابية"، وهي اتهامات يُكذّبها الأمين العام للأمم المتحدة في أكثر من مناسبة، كما تُظهر هذه الحملة أن الاحتلال يسعى لإسكات صوت المؤسسات الإنسانية، تمهيدًا لفرض روايته الكاملة عن الوضع داخل القطاع.

وتُؤكد المؤسسات الإنسانية التزامها الثابت رغم المخاطر وفي بيان مشترك لـ 21 منظمة دولية نُشر في 10 أغسطس، تُعلن هذه المؤسسات:

"نرفض محاولات الاحتلال لقمع العمل الإنساني، وسنواصل التواجد في الميدان مهما بلغت المخاطر، التزامًا بأخلاقياتنا ومبادئ القانون الدولي، ولن نتخلى عن أهل غزة، ولن نغضّ الطرف عن جرائم التجويع والتدمير المُمنهج."

ويُحمّل الفلسطينيون الاحتلال المسؤولية الكاملة عن تفاقم الكارثة، ويُطالبون بتدخل دولي فوري لوقف سياسة العقاب الجماعي التي تُمارس بحق السكان، لا يما أن بيانات وزارة الصحة تُشير إلى أن عدد الشهداء تجاوز منذ السابع من أكتوبر 2023 نحو 62 ألفا و4، و156 ألفا و230 جريح، معظمهم من النساء والأطفال.

وأوضحت وزارة الصحة، أن جرائم كيان العدو الصهيوني في قطاع غزة طالت تجمعات المدنيين أثناء انتظارهم الحصول على المساعدات، حيث استقبلت المستشفيات في يوم واحد 27 شهيدا و281 إصابة جراء ما بات يُعرف إعلاميا بـ"ضحايا المساعدات"، وتشير البيانات إلى أن إجمالي من استشهدوا أثناء محاولتهم الحصول على الغذاء بلغ 1965 شهيدا، وأكثر من 14 ألفا و701 إصابة.

وفي مواجهة هذه المجازر، يُصرّ الشعب الفلسطيني على الصمود، وتُعلن مؤسسات المجتمع المدني مواصلة العمل رغم استهداف مقراتها، في موقف يعكس إصرارًا على البقاء في الأرض، وإفشال مشاريع التهجير التي يسعى الاحتلال لتكريسها عبر هندسة التجويع وأدوات الحصار والموت البطيء.

خطابات القائد