• العنوان:
    اليمن يعانق النور النبوي
  • المدة:
    00:00:00
  • الوصف:
    تتهيَّأُ الأرواحُ كما لو أنها تتوضأ بالنور قبل الصلاة، تستعدُّ لاستقبال يوم من أعظم أَيَّـام الدهر، يوم يتجدد فيه الفرح الفطري في قلوب المؤمنين، يوم مولد أعظم قائد عرفته البشرية. تخفق القلوب خفقان المحب حين يطل عليه الحبيب بعد طول غياب، وتنتعش المشاعر كما ينعش الغيث أرضًا يابسة فتخضر وتزهر.
  • التصنيفات:
    مقالات
  • كلمات مفتاحية:

تبتسمُ الوجوه ابتسامة الرضا التي لا يرسمها إلا يقين الإيمان، وتزدحم الأفكار في العقول، كُـلّ فكرة تريد أن تفوز بشرف الحديث عن سيد الخلق، فيطري الشعراء، وتفيض أقلامهم قصائد لا يحدّها وزن ولا يقيدها قافية، ويبدع المنشدون بألحان تشبه حفيف النخيل في ليالي السكينة، وكأن اليمن كلها تتحول إلى مسرح مفتوح للفرح النبوي.

ترتدي اليمن حُلّة العشق، لا عشقًا طارئًا، بل عشقًا ضاربًا بجذوره في أعماق التاريخ، عشقًا نسجته مواقف الولاء، وزينته خيوط الفداء، عشقًا تشهد عليه دماء الأبطال ومواقف الرجال. كُـلّ ذلك يزهر مع قدوم ذكرى مولد أعظم قائد عرفته البشرية… محمد -صَلَّى اللهُ عَـلَيْـهِ وَعَـلَى آلِـــهِ-.

هو الذي اصطفاه الله سيدًا للأنبياء والمرسلين، حتى يرث الله الأرض ومن عليها. هو الذي أُنزل عليه كتاب جامع، مهيمن على كُـلّ ما سبقه من كتب، كتاب يبدد الظلمات ويكشف الطريق لكل من أضاع البوصلة. رفع الله ذكره، وأعلى شأنه، وأكرم منزلته، وجعل رسالته شاملة للعالمين، فيها البشارة لمن أطاع، والإنذار لمن أعرض، والدعوة إلى الله على بصيرة، والسراج الذي لا ينطفئ نوره مهما طال الليل.

أما اليمن فقد عرفت قدره وأصله ونسله قبل أن تراه العيون. كانوا يدركون عظمة وحيه وحجم رسالته حتى قبل مولده، فشدّوا الرحال إلى يثرب، وأقاموا البيوت، ونصبوا الخيام، وتهيأوا لاستقباله، قلوبهم مملوءة باليقين بأنه المنقذ للبشرية من عبادة الأوثان وأغلال الخرافة التي جعلت من الحجر والبشر آلهة تُعبد من دون الله.

فلما أشرقت شمس النبوة، كانوا أول من ناصره وعزره ووقره، وآمنوا به قبل ولادته، وثبتوا معه بعد بعثته، فكانوا أنصارا بالفعل لا بالاسم، صدقوا عند اللقاء، وبذلوا عند الشدة، ولم يهابوا في الله لومة لائم.

أحبوه فأحبهم، وخصهم بكلمات لم يقلها في غيرهم؛ لأنهم كانوا أهلًا لها. هذه العلاقة بين اليمنيين ورسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- ليست صفحة زائلة في التاريخ، بل فصل خالد كتبه الله في كتابه الكريم وحماه من عبث المحرفين.

واليوم، يواصل اليمنيون التعبير عن فرحهم وابتهاجهم بهذه النعمة العظمى: نعمة الرسول والرسالة. لكنهم لا يكتفون بالاحتفال اللفظي، بل يترجمون حبهم شكرًا عمليًّا في ميادين الجهاد، ونصرة المستضعفين، والدفاع عن الدين والمقدسات. وفي زمن تحتاج فيه الأُمَّــة إلى محمد وإلى أنصار، يقف اليمنيون ليقولوا بالفعل قبل القول إن العشق المحمدي ليس قصيدة تُلقى، ولا شعارًا يُرفع، بل هو ميدان عمل، ومنظومة قيم، ودرب عدل، وبحر من العطاء لا ينضب.

وفي هذا اليوم العظيم، تبقى القلوب معلقة بحب المصطفى، والأرواح متعطشة لنوره، والضمائر مدينة لرسالته الخالدة.

وما دام في اليمن قلب ينبض، ولسان يذكر، ويد تبذل، فسيظل مولده الشريف يومًا تتزين به الأرض، وتفتخر به السماء، ويظل اسمه -صَلَّى اللهُ عَـلَيْـهِ وَعَـلَى آلِـــهِ-، النور الذي لا يخبو، والهدى الذي لا يضل، والرحمة التي لا تنقطع.