• العنوان:
    أيُّ منافق أو مضل أو مخادِع إلا يلبسُ ثوبَ الناصح
  • المدة:
    00:00:00
  • الوصف:
    حين أراد إبليسُ أن يُخرِجَ آدمَ من الجنة، لم يأتِه بوجه العداوة، بل بوجه الناصح الحريص، المتديِّن، الواثق. لم يرفعْ سلاحًا، بل رفع لسانًا ناعمًا قال فيه: (إني لكما لمن الناصحين). هكذا مرَّر إبليس أول خديعة في تاريخ البشرية تحت لافتة النصيحة.
  • التصنيفات:
    مقالات
  • كلمات مفتاحية:

لقد علَّمنا القرآنُ أن أعظمَ الخطر لا يأتي في صورته الصريحة، بل في ثوبه المزيَّف.

والمصيبة الكبرى أن أكثر الناس لا يسقطون تحت وطأة العنف، بل تحت وقع "النصيحة الزائفة" التي تبدو مخلصة في ظاهرها، وتخفي السُّــمَّ في باطنها.

إبليس لم يكن كاذبًا فقط، بل مثّل النموذج الأول للمخادعين الذين يتقنون الحديث بلغة الدين والخير، ويستخدمون أقنعة الحرص لتمرير مشاريع الهلاك. وهذه السنّة الإبليسية ما زالت فاعلة حتى اليوم، تتكرّر بأشكال حديثة، وبأسماء رسمية وشخصيات ناعمة وأصوات إعلامية تدّعي الدفاع عن الناس، بينما تسوّق الكوارث وتخدم الأعداء.

إننا نرى اليوم من يطبّع مع العدوّ الصهيوني باسم "السلام"، ومن يشرعن الاحتلال الأمريكي باسم "مصلحة الشعوب"، ومن يخوّن المقاومين تحت عنوان "الحياد"، ومن يخدع الفقراء بخطاب "الإنسانية" وهو يفتح أبواب الحرب والحصار.

وفي الداخل، كم من منافق يرتدي عباءة الناصح، ويدّعي الغيرة على الوطن، وهو جزء من مشروع تمزيقه؟ هؤلاء لا يأتون بوجوه عدوانية، بل بألسنة رخيمة، ونصائح ملغومة، وخطب ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب!

القرآن لم يروِ لنا قصةَ إبليس عبثًا، بل لتكون قاعدة: لا تثق بمن يدّعي النصح حتى تُمحّص مقصده، وتقرأ واقعه، وتفهم مآلات كلامه. فإبليس لم يُطرد من الجنة وحده، بل أسقط معه من وثق به.

الحذرَ كُـلَّ الحذر من "الناصح" الذي يقودك خارجَ الجنة… وأنت تظن أنه يأخذ بيدك إليها.