وفي ظل هذا التخاذل، تكشف التقارير عن اجتماعات تجري على الأراضي الأمريكية تحت عنوان "دعم الشعب الفلسطيني"، بينما تُوظف فعليًا لإعادة احتواء المقاومة وتوجيهها بعيدًا عن مسارها الطبيعي. هذه الاجتماعات، التي تُحاط بضبابية سياسية، تُعقد برعاية أطراف تسعى للهيمنة على القرار الفلسطيني، وإعادة تشكيل المشهد وفق المصالح الصهيوأمريكية.

هذا الواقع المتأزم في فلسطين والمنطقة عمومًا انعكس على المزاج الشعبي العربي، وأشعل حراكًا سياسيًا واسعًا في أكثر من بلد، أبرزها اليمن، وتحديدًا في المحافظات المحتلة، حيث تفجّر الوضع المعيشي إلى مستويات كارثية في ظل غياب الدولة، وتعدد المليشيات، واستمرار الهيمنة الإقليمية.

سفيان العماري، الأمين العام المساعد لحزب الشعب، أشار إلى أن ما يحدث في المحافظات المحتلة ليس مجرّد احتجاجات مطلبية كما يُروج، بل هو حراك سياسي أعمق، يرتبط مباشرة بفشل الكيانات السياسية المدعومة من دول تحالف العدوان، وعلى رأسها السعودية والإمارات، في تقديم أي حلول حقيقية.

وفي حديثه لقناة "المسيرة" اليوم ، أكد العماري أن الأجندات السعودية والإماراتية تتصادم في الجنوب، حيث تمارس كل دولة نفوذها بما يخدم القوى الغربية، وخاصة بريطانيا وأمريكا، في حين تمتلك السعودية وضعًا جيوسياسيًا خاصًا بسبب حدودها الطويلة مع اليمن، ما يجعلها تتعامل مع الملف من زاوية أمنية أكثر منها سياسية.

كما لفت إلى أن غياب قيادة سياسية جنوبية مستقلة سمح بتحول الجنوب إلى ساحة صراع عبثي، تغذّيه تحالفات قديمة أُثبت فشلها، فيما المكونات الشعبية الحقيقية لم تجد من يتبناها أو يوفر لها غطاء سياسيًا، ما يجعل المشهد مفتوحًا على جميع الاحتمالات.

وأضاف العماري أن تداعيات ما حدث في غزة تركت أثرًا كبيرًا على المزاج الشعبي الجنوبي، حيث أسهمت في رفع منسوب الوعي المقاوم، وأعادت تصويب البوصلة باتجاه العدو الحقيقي، المتمثل في الاحتلال والهيمنة الأمريكية، محذرًا من استمرار الانسداد السياسي وغياب القيادة الفاعلة.

ودعا صنعاء إلى تحمّل مسؤوليتها التاريخية من خلال احتضان هذه المكونات الناشئة، وفتح المجال أمام بروز قيادات جنوبية جديدة من رحم الشارع، تعبّر عن تطلعات الناس، وتعلن بشكل واضح عن حراك تحرري لا يقوم على التحالفات السابقة أو المشاريع الأجنبية، بل على الإرادة الشعبية الحقيقية.

من فلسطين إلى اليمن، المشهد العربي يشهد موجة تحولات جذرية، تعكس يقظة شعبية متصاعدة في مواجهة الاحتلال، والخذلان، والهيمنة.

وفي حين تبدو الأنظمة غارقة في اصطفافاتها الإقليمية والدولية، يخط الشارع العربي معادلة جديدة قوامها الصمود، والوعي، ورفض التبعية… فهل تولد من بين هذا الرماد قيادات حقيقية تعبّر عن إرادة الأمة؟