أَعُـوْذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيْمِ

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ المُبِين، وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ خَاتَمُ النَّبِيِّين.

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، وَبارِكْ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ وَبَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَارضَ اللَّهُمَّ بِرِضَاكَ عَنْ أَصْحَابِهِ الْأَخْيَارِ المُنتَجَبِين، وَعَنْ سَائِرِ عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ وَالمُجَاهِدِين.

أَيُّهَـــــا الإِخْـــــــوَةُ وَالأَخَـــــــوَات:

السَّــــــلَامُ عَلَيْكُـــمْ وَرَحْمَـــــةُ اللَّهِ وَبَـرَكَاتُـــــهُ؛؛؛

في تطورات ومستجدات العدوان الهمجي الوحشي الإجرامي الإسرائيلي، على الشعب الفلسطيني في قطاع غزَّة، فهذا الأسبوع يعتبر هو الأقسى والأكثر مأساويةً، ومظلوميةً، ومعاناةً، وصعوبةً، منذ بداية العدوان الإسرائيلي على قطاع غزَّة، قبل ستمائة وسبعةٍ وخمسين يوماً.

جريمة التجويع، ومعاناة الفلسطينيين في قطاع غزَّة من التجويع، وصل بهم إلى مرحلةٍ خطيرةٍ جدًّا، قال عنها مدير الإغاثة الطِّبِّيَّة في غزَّة: [دخلنا مرحلة الخطر من المجاعة، ونتوقع موتاً جماعياً للنساء والأطفال]، وبحسب منظمة الغذاء العالمي، فإن نحو أربعمائة وسبعين ألف شخص في قطاع غزَّة في مرحلة الجوع الكارثي.

المشاهد مأساويةً بشكلٍ عام في قطاع غزَّة، المشاهد للأطفال، وقصة معاناتهم من الظلم، والطغيان، والإجرام، الذي يمارسه العدو الإسرائيلي ضدهم في قطاع غزَّة، قصةٌ محزنةٌ جدًّا، تمثِّل وصمة عار على كل المجتمع البشري، وفي المقدِّمة المسلمين في البلاد العربية وغيرها، الأطفال في قطاع غزَّة يعانون أشد المعاناة، والعدو الإسرائيلي جعل منهم هدفاً أساسياً لممارساته الإجرامية، وعدوانه الظالم الغاشم، في كل المراحل:

-         في مرحلة ما قبل الولادة، وهم أجنةٌ في بطون أمهاتهم: من أكثر المعاناة وأسوئها ما تعانيه النساء الحوامل في قطاع غزَّة، معاناة كبيرة جدًّا، لَهُنَّ ولأجنتهن في بطونهن، الأجنة وهم في بطون أمهاتهم في قطاع غزَّة يعانون مما تعانيه أمهاتهم من التجويع، عشرات الآلاف من النساء الفلسطينيات الحوامل في قطاع غزَّة، جائعات، لا يتوفر لَهُنَّ الغذاء، فيما لذلك من أضرار بالغة على أجنتهنَّ وعليهن أيضاً، في شريعة الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" وتعاليمه، وحتى في القوانين الوضعية والأعراف البشرية، هناك مراعاة لظروف المرأة الحامل، بحكم القيم الإنسانية والفطرية، وبمقتضى العدالة والرحمة، ولكن العدو الإسرائيلي لا يعطي لذلك أي اعتبار إطلاقاً؛ ولـذلك فالأجنة يعانون من تجويع أمهاتهم، بما لذلك من أضرار مباشرة على الجنين، وكذلك أيضاً من القتل، هناك الكثير من النساء الحوامل قُتِلنَّ، استشهدنَّ، قَتَلَهُنَّ العدو الإسرائيلي، وهُنَّ في مرحلة الحمل، وقتل أجنتهنَّ مَعَهُنَّ في بطونهن.

-         ما بعد الولادة: ما يعانيه حتى الخُدَّج، مثلما حصل في اقتحام المستشفيات، والاستهداف للأطفال الخًدَّج في الحَضَّانات، وقتلهم بأساليب متعدِّدة، منها: منع الأوكسجين عنهم... وغير ذلك من أساليب الإبادة والقتل.

-         والاستهداف أيضاً للرُّضَّع، للأطفال الرُّضَّع، حتى في منع الحليب: وباتت المعاناة كبيرة جدًّا؛ لانعدام الحليب، فالنساء جائعات، كيف يتوفَّر فيهنَّ الحليب للرضاعة! وكذلك الحليب الذي ينبغي أن يتوفَّر للأطفال ممنوعٌ عنهم، يمنع العدو الإسرائيلي دخول حليب الأطفال؛ من أجل تغذيتهم؛ لأنه يسعى إلى إبادتهم، ويجعل منهم هدفاً أساسياً في مخططه الإجرامي، وممارساته الإجرامية، الهادفة إلى الإبادة الجماعية للشعب الفلسطيني في قطاع غزَّة.

كذلك في مختلف الفئات العمرية، في مرحلة الطفولة بكل مراحلها، استهداف للأطفال ومعاناة كبيرة جدًّا، قتل للأطفال؛ للتلهِّي، للتلهِّي بقتلهم من جهة، وأيضاً في سياق الهدف العام العدواني للعدو الإسرائيلي في الإبادة الجماعية والشاملة، والمجرمون من العصابات الصهيونية، التي تسمِّي نفسها بالجيش الإسرائيلي، يتباهون بذلك، بل البعض منهم ينشر فيديوهات وهو يمارس هذا النوع من القتل للأطفال، في إطار التلهِّي واللعب، ويتبجح بذلك، في منتهى الإجرام، والعدوانية، والإفلاس الإنساني من كل القيم الإنسانية والأخلاق الإنسانية.

في مراحل الطفولة، يعاني الأطفال من كل ما يعانيه المجتمع بشكلٍ عام في قطاع غزَّة:

-         فالكثير منهم يستهدفون بالقتل.

-         وهناك الكثير منهم جرحى، فيما يعانيه كل الجرحى من أبناء الشعب الفلسطيني في قطاع غزَّة، مع انعدام الرعاية الطِّبِّيَّة والصِّحِّيَّة.

-         يعانون أيضاً من التجويع.

-         يعانون أيضاً من التهجير القسري، بكل أشكال الاستهداف.

-         التعطيش... كل أشكال المعاناة يعاني منها الأطفال في قطاع غزَّة.

-         مع الحرمان من التعليم، وهذا من أكثر ما يؤلم أبناء الشعب الفلسطيني في قطاع غزَّة، الحرمان لأطفالهم من التعليم، والشعب الفلسطيني في قطاع غزَّة هو مجتمعٌ مهتمٌ جدًّا بالتعليم، وحريصٌ جدًّا على التعليم؛ ولـذلك يعاني معاناة كبيرة، ويتألم ألماً كبيراً لحرمان هذا الجيل الناشئ من التعليم.

أين هي حقوق الأطفال، وحقوق الإنسان... وكل العناوين التي يرفعها الغرب الكافر لمخادعة الشعوب الأخرى، وينخدع بها الكثير من الناس في بلداننا، وفي عالمنا الإسلامي، وفي بلدان كثيرة من العالم، فينظرون إلى الغرب أنه الجهة التي ترعى الحقوق، وتحترم إنسانية الإنسان؟! كل هذا ضائع وغائب؛ لأن الغرب بنفسه هو من يقدِّم كل أشكال الدعم للعدو الإسرائيلي في كل ممارساته هذه.

العدو الإسرائيلي يستهدف النساء أيضاً: النساء الحوامل، النساء المُسِنَّات، الطاعنات في السن، النساء معاناتهنّ أيضاً في قطاع غزَّة محزنة ومؤلمة للغاية، كل أشكال المعاناة:

-         الاستهداف بالقتل، وهذا شيءٌ واضحٌ جدًّا، ضمن الاستهداف الشامل لقتل الجميع، كباراً وصغاراً، أطفالاً ونساءً، في مخيمات النزوح، في خيم النزوح القماشية، التي تُقصف بالقنابل الأمريكية المدمِّرة والحارقة.

-         وكذلك الاستهداف لهنّ بالقنص بشكلٍ متعمد، سواءً وهُنَّ في الطرقات، أو في مناطق النزوح، أو على ركام المنازل المدمَّرة، والمجرمون الصهاينة أيضاً يفتخرون بذلك، وينشرون- هم- المشاهد وهم يرتكبون مثل هذا النوع من الجرائم، في الاستهداف المتعمد للنساء.

بالأمس نشر الصهاينة فيديو (مقطع فيديو) وفيه أمٌ تمشي مع طفلها، وهي تبحث عن غذاء، عن طعام؛ لأنَّها جائعة، وطفلها جائع، والجنود الصهاينة المجرمون يلاحقونها بطائرةٍ مسيَّرة، في جوٍ من التلهِّي العابث، الإجرامي، الوحشي، المفلس من كل المشاعر الإنسانية، والقيم الإنسانية، ثم قاموا بقتلها وقتل طفلها.

وكم هي المشاهد! عندما نتحدث نحن نذكر أمثلة فقط، ونماذج فقط، وإلَّا فما يجري على الأرض، ما يرتكبه العدو الإسرائيلي مهول وفظيع، وبأعداد كبيرة جدًّا، وجرائم رهيبة للغاية.

-         يعاني النساء في قطاع غزَّة من الجوع، وهُنَّ حوامل، والكثير منهنَّ أيضاً أرامل وثكلى.

-         المعاناة الكبيرة مع أسرهن، مع فقدهنَّ لمن يُستشهد، من الأطفال، من الأقارب، من الآباء، من الأخوة، من الأزواج... كل أشكال المعاناة.

وعنوان حقوق المرأة، وهو من العناوين التي يركِّز عليها الغرب الكافر، تركِّز عليها أمريكا بنفسها، وتركِّز عليها الأنظمة الأوروبية المتصهينة أيضاً، ولكن في سياقٍ آخر تماماً، في سياق الخداع، التضليل، في سياق اختراق مجتمعاتنا؛ لاستهدافها في قيمها، والتفكيك لمجتمعنا على مستوى الأسرة... وغير ذلك من المسارات الهدَّامة، التي هي شكلٌ من أشكال العدوان على أُمَّتنا، ونوعٌ من أنواع الاستهداف لأُمَّتنا.

ولكن عندما يكون الواقع مثلما يحصل في قطاع غزَّة: إبادة للنساء، كل أشكال الظلم، وكل أنواع الحرمان، يمارسه العدو الإسرائيلي ضد النساء الفلسطينيات في قطاع غزَّة، والمعاناة كبيرة جدًّا.

-         المشاهد مأساوية ومحزنة للغاية، وقد أجهدهنَّ الجوع، وهنَّ في حالة من الألم والحزن على جوع ومعاناة أطفالهن، البعض منهنَّ وَهُنَّ يتحدثن لا يكدن أن يستطعن النطق والكلام، لا يظهر الصوت بكله؛ من شدة الجوع، والجهد، والإعياء، والضعف، والإرهاق، مع المعاناة النفسية من الحزن الشديد، والعناء الشديد.

-         العدو الإسرائيلي يقتلهن بالقنابل الأمريكية، يطاردهنَّ، يهجِّرهنَّ من منطقة إلى أخرى، جائعات مجهدات.

-         والعدو الإسرائيلي أيضاً يستهدف البعض منهنَّ بالاختطاف، بارتكاب جريمة الاغتصاب... بكل أشكال وأنواع الجرائم، بالتعذيب في السجون والمعتقلات.

المشاهد العامَّة للأهالي في قطاع غزَّة (للآباء والمسنين، للكبار والصغار) مشاهد مؤلمة جدًّا، في هذا الأسبوع الكثير منهم لم يأكل شيئاً، لم يذق شيئاً من الطعام على مدى خمسة أيام، حالة الجوع حالة ظاهرة في وجوههم، ومعها الإعياء، والجهد، والعناء، والحزن، والألم، ومعها حالة التعطيش، ومعها حالة القتل المستمرَّة.

ومع ذلك هناك مصائد الموت، التي نصبها الأمريكي للفتك بالشعب الفلسطيني في قطاع غزَّة، وتقدِّم وجبات القتل يومياً، أكثر من ألف شهيد فلسطيني من قطاع غزَّة، من استشهدوا في سياق مساعيهم ومحاولاتهم للحصول على الغذاء من تلك المصائد، يجبرهم الجوع الشديد- جوعهم، جوع أطفالهم ونسائهم- على الذهاب؛ للحصول على شيءٍ من الغذاء، وبانتظارهم الأمريكيون والإسرائيليون معاً، يشاركون في قتلهم، وهناك اعترافات في هذا الأسبوع أدلى بها أحد العاملين في تلك المصائد، أمريكي بصفة أنه من رجال الأمن، الذين يقومون بعملية التوزيع، واعترف، اعترف على كيفية العمل الذي يجري فيه الاستهداف المتعمد، والقتل المتعمد لأبناء الشعب الفلسطيني؛ بهدف قتلهم، وإبادتهم، الأمريكيون يعترفون.

حـــالـة الجـــوع، التجويع الرهيب جدًّا، وهي جريمة، وهي ألقت بظلها الثقيل على قطاع غزَّة، حالة رهيبة جدًّا، جريمة كبيرة، وصمة عار على المجتمع البشري، وعلى المسلمين في المقدِّمة، وعلى العرب في مقدمة المسلمين قبل غيرهم، الحالة مأساوية جدًّا.

يواجه واحد وسبعون ألف طفل فلسطيني خطر الموت؛ بسبب سوء التغذية الحاد؛ بينما تحتاج سبعة عشر ألف أم إلى تدخُّل عاجل لتفادي مضاعفات التجويع المستمر، الذي يفرضه العدو الإسرائيلي.

حالات الوفيات مستمرَّة، والإعلان عنها مستمر، بين الأطفال، وفي المقدِّمة: الأطفال الرُّضَّع، والأطفال في مختلف الفئات العمرية في مرحلة الطفولة، إضافةً إلى الكبار، إلى الصغار، إلى المسنين، إلى المرضى، المرضى الذين يشكِّل التجويع خطراً كبيراً عليهم، كيف يمكن حتى لو حصل على الدواء أن يستخدمه بدون طعام، بكل مضاعفاته وتأثيراته! الوفيات بين الأطفال والرُّضع بفعل تدهور الأوضاع الصحية والإنسانية؛ نتيجةً للحصار من جهة، والقصف المستمر من جهة.

المتحدث باسم الدفاع المدني في قطاع غزَّة، قال: [نقول لكم] يخاطب المجتمع بكله، المجتمع البشري بكله، وكل المؤسسات الدولية وغيرها، [نقول لكم بشكلٍ واضح: إنَّ أطفال غزَّة يموتون جوعاً بالمعنى الحرفي للكلمة].

مدير مستشفى الشفاء، يقول: [مقبلون على أرقام مخيفة من الوفيات؛ بسبب التجويع الذي يتعرَّض له أهالي قطاع غزَّة، تسعمائة ألف طفل في غزَّة يعانون من الجوع، سبعين ألفاً منهم دخلوا مرحلة سوء التغذية، وحياة مرضى السكري والكلى مهدَّدة؛ بسبب سوء التغذية، ويتعرضون لنوباتٍ شديدة جرَّاء التجويع].

المدير العام لوزارة الصِّحَّة بغزَّة، يقول: [مرحلة المجاعة التي يمرُّ بها القطاع هي الأخطر، وكثيرون يتساقطون في الشوارع].

هذه مأساة، هذه كارثة كبيرة جدًّا، وعارٌ كبيرٌ جدًّا على كل المؤسسات والمنظَّمات والمجتمع الدولي، الذي يسمِّي نفسه بالمجتمع الدولي، وعلى منظمة التعاون الإسلامي، التي هي ثاني أكبر منظَّمة في العالم بعد الأمم المتَّحدة، وتجمع الدول والبلدان الإسلامية، ثم هي لا تفعل شيئاً! كذلك العرب، منظَّمتهم أين هي؟! ماذا تفعل؟! هم بشكلٍ عام ماذا يعملون؟! ماذا يفعلون؟!

مع التجـــويع، يستمر العدو الإسرائيلي في القتل والإبادة الجماعية، والتهجير القسري إلى مربعات ومناطق ضيِّقة جدًّا، وغير مؤهَّلة للاستقرار فيها، ومع ذلك لا يتوقف عن استهداف النازحين بعد تهجيرهم إلى تلك المناطق، النازحين الجائعين في تلك المناطق، التي يسمِّيها آمنة، ثم يستهدفهم بها ويقتلهم.

ومن أساليبه في التعطيش: الإرغام لهم إلى الانتقال من المناطق التي قد يتوفَّر فيها البعض من الماء، إلى أماكن ليس فيها شيءٌ من الماء، وهو يسعى في ذلك إلى تعطيشهم، وإلى أن يزيد من معاناتهم.

الشعب الفلسطيني في هذه المأساة التي وصلت إلى مستوى رهيب، وإلى مستوى محزن جدًّا، ومؤلم للغاية، يشعر بالخذلان العربي، والخذلان من المسلمين بشكلٍ عام، قبل غيرهم؛ لأن المسؤولية عليهم قبل غيرهم.

لسان حال كل أبناء الشعب الفلسطيني في قطاع غزَّة هو: أين العرب؟! وماذا جرى للمسلمين؟! لماذا هذا الصمت؟! لماذا هذا التَّفَرُّج تجاه هذه المأساة؟! أين المسؤولية الإنسانية والإسلامية والأخلاقية تجاه هذا الشعب، الذي هو جزءٌ منهم، في مواجهة عدو، هو عدوٌ لهم جميعاً، ويشكِّل خطورةً عليهم جميعاً؟!

إذا لم يقف العرب مع الشعب الفلسطيني، في هذه المظلومية الواضحة البيِّنة، الطويلة الأمد؛ بفعل تقصيرهم، والتي بلغت إلى ما بلغت، ووصلت إلى ما وصلت؛ نتيجةً لتخاذلهم، ففي أيِّ موقف، في أيِّ مظلومية، في أيِّ قضية ستجتمع كلمتهم؟! مع أي شعب، مع أي مكون من أبناء هذه الأُمَّة سيقفون في يومٍ من الأيام؟! معناه لن يقف أحدٌ مع أحد منهم، في هذه الحالة من التخاذل تجاه هذه المظلومية الواضحة، والمأساة الكبيرة جدًّا.

هذه الحالة من التخاذل والتَّفَرُّج هي موتٌ جماعيٌ للضمائر، وتنكرٌ عامٌ للقيم، تتنكر أنظمة بكلها، ومعها الشعوب الخانعة لها، وفي داخل تلك الشعوب: النخب، الكثير من علماء الدين، القوى والأحزاب، التيارات السياسية، والمجتمعية... وغيرها، حالة جماعية من التَّنَكُّر للقيم، من التَّنَكُّر للمسؤولية، من التَّنَصُّل عن المسؤولية، من التفريط في الواجب الديني والأخلاقي والإنساني، من التفريط فيما يشكِّل في نتائجه خطورةً على الجميع، يعني: حالة رهيبة جدًّا!

المسألة ليست مسألة أنَّ المسلمين أُمَّة صغيرة، قليلة العدد، مستضعفة ومستذلة نتيجةً لذلك، أُمَّة الملياري مسلم هي التي تتخاذل، مئات الملايين من الدول العربية والإسلامية هي التي تتخاذل، باستثناء القليل القليل من أبناء هذه الأُمَّة، ممن لهم موقف صريح وواضح ضد العدو الإسرائيلي، ولمناصرة الشعب الفلسطيني، أصبحوا حالة استثنائية في الأُمَّة، وحالة محاربة في داخل الأُمَّة، من أنظمة، من كيانات، من قوى، لها ارتباط بالأعداء، ولها موقف ممن يناصر الشعب الفلسطيني، موقف عدائي وسلبي، هذه حالة مؤسفة جدًّا!

هذا يشهد أيضاً على أسوأ تبلُّد إنساني، وأبشع تنكُّر للقيم الفطرية في هذا العصر، وله تبعاتٌ خطيرة، وهو إطلاقٌ ليد الإجرام الصهيونية في كل العالم.

التسليم، والقبول، والتغاضي، عن كل ما يرتكبه العدو الإسرائيلي بشراكةٍ أمريكية في قطاع غزَّة، هو إهدارٌ للحياة الإنسانية في كل الدنيا، إطلاقٌ ليد الإجرام الصهيونية في كل العالم، والتَّوَجُّه الصهيوني هو توجُّهٌ عالمي، الحركة الصهيونية صنعها اليهود، وأنشأها اليهود، لتكون ذراعاً لهم على مستوى كل العالم، وليس فقط في فلسطين، هي بدأت بفلسطين، ولكن توجُّهها توجُّهٌ عالمي، ولها جناحان: الجناح الأمريكي والجناح الإسرائيلي، وتوجُّهها عالمي، وأهدافها عالمية، وهي تسعى بوضوح في إطار أهدافها المعروفة والمعلنة، وهي عدوانية، وإجرامية، وظالمة، ومفسدة، ومستعبدة للناس، وفي المقدِّمة: العرب، العرب قبل غيرهم، ثم كذلك البقية من المسلمين، ثم امتداداً على مستوى العالم.

الصهيونية هي صاحبة فكرة [المليار الذهبي في المجتمع البشري، والإبادة لبقية المجتمعات البشرية]، هي التي ورثت الإرث الإجرامي، الاستعماري، الطامع، الذي يسعى إلى الاستئثار بخيرات الشعوب، والاستباحة لها، والاستعباد لها، والإذلال لها، والقهر لها، وطمس هوياتها، ومصادرة حريتها واستقلالها، هذا هو التَّوَجُّه الصهيوني بأذرعه (بأمريكا، وإسرائيل، وبريطانيا).

المسار العربي تجاه القضية الفلسطينية كان ولا يزال مساراً ضعيفاً وعشوائياً، منذ بداية المأساة للشعب الفلسطيني، منذ بداية الحركة الصهيونية اليهودية في اغتصاب فلسطين، تحت الرعاية البريطانية، والدعم البريطاني والغربي، منذ بداية الأمر كان التفاعل العربي والموقف العربي ضعيفاً، لا يرقى إلى مستوى المسؤولية، ولا إلى مستوى الخطر، ولا إلى مستوى التَّحَدِّي، ثم بقي كذلك ضعيفاً، عشوائياً، غير مدروس، ولم يرقَ إلى مستوى متقدِّم؛ بل اتَّجه نحو الانحدار، وصولاً إلى التطبيع المفضوح المخزي من بعض الأنظمة العربية مع العدو الإسرائيلي، وتطبيعهم ليس مجرَّد علاقة عادية مع ذلك المجرم، المحتل، الغاصب، المعادي لهذه الأُمَّة، بل على مستوى التعاون مع عدو، عدو لهذه الأُمَّة، عدو لها في دينها ودنياها، عدو لا يحمل ولا مثقال ذرة من الاحترام لهذه الأُمَّة، يستبيحها بحقدٍ وبإجرام، ويعمل كل ما يعمل، ومعروفٌ ما يعمله تجاهها.

هذا المسار الضعيف وصل إلى ما وصل إليه؛ حتى اطمأن العدو الإسرائيلي، أنَّه مهما بلغ إجرامه، ومهما كانت فظائع جرائمه في قطاع غزَّة وغيرها ضد الشعب الفلسطيني، فهو مطمئنٌ من أن يكون هناك أي تحرُّك جامع للمسلمين والعرب في موقفٍ قويٍ للحد من إجرامه، ومنع طغيانه وما يرتكبه من الفظائع ضد الشعب الفلسطيني؛ ولـذلك فالتخاذل العربي في المقدِّمة، والتَّخاذل على مستوى المسلمين إلا القليل، هو إسهامٌ فيما وصل إليه الإجرام اليهودي الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني، إلى مستوى أن يُقْدِم على هذا التجويع لمليوني إنسان في قطاع غزَّة، بهذا الشكل الواضح، المعلن، الصريح، المتنكِّر لكل شيء في هذه الدنيا: لشرائع الله وتعليماته، للقوانين الدولية، ومواثيق الأمم المتَّحدة، للحقوق والأعراف في كل العالم، إجرام مكشوف وواضح، ووقح جدًّا، وبشع للغاية، ومسيء إلى هذه الإنسانية جمعاء، هذه الجرأة هي نتاجٌ لذلك المسار الضعيف، المتخاذل، الذي وصل- في نهاية المطاف- إلى أن يكون جزءاً منه هو حالة خيانة، حالة تعاون مع العدو، تواطؤ مع العدو.

على مدى اثنين وعشرين شهراً من العدوان الإسرائيلي على قطاع غزَّة، وصاحب هذا العدوان التجويع من البداية؛ إنما وصل الآن إلى مرحلة خطيرة للغاية، وشاملة، وعامَّة، إيقاف للطعام بشكلٍ نهائي عن معظم سكان قطاع غزَّة، لكن على مدى كل هذه المدَّة الزمنية (اثنين وعشرين شهراً)، وهناك أنظمة إسلامية وعربية لم تتوقف سفنها وهي تحمل المواد الغذائية والبضائع للعدو الإسرائيلي، وزادت، زادت خلال هذه المدَّة الزمنية من وتيرة ومستوى تبادلها التجاري مع العدو الإسرائيلي، وهي من كبريات هذه الأُمَّة، من كبريات دولها، نظام إسلامي يُظهِر التعاطف إعلامياً مع الشعب الفلسطيني، وعدد ما قدمته سفنه أكثر من أي دولة في العالم، على مستوى النشاط التجاري، والتبادل التجاري، والنشاط الاقتصادي.

كبريات الأنظمة العربية معروفة، وهي مستمرَّةٌ في ذلك؛ بل إنَّ البعض منها حاول أن يقدِّم البديل للعدو الإسرائيلي؛ نتيجةً لما حصل في الموقف اليمني من منعٍ للملاحة الإسرائيلية عبر (البحر الأحمر، وباب المندب، وخليج عدن، والبحر العربي)، فحاولوا أن يقدِّموا له حلولاً أخرى، وبدائل أخرى؛ ليمدوه باستمرار بالمواد التجارية، الغذائية... المتنوعة، مختلف الاحتياجات، في الوقت الذي يحاصرون فيه الشعب الفلسطيني، ولا يقومون بأي خطوة عملية جادَّة في الحد الأدنى، على مستوى:

-         قطع العلاقات الدبلوماسية مع العدو الإسرائيلي.

-         إنهاء العلاقات الاقتصادية مع العدو الإسرائيلي.

-         المقاطعة السياسية للعدو الإسرائيلي.

هذا المستوى من المواقف في الحد الأدنى لم يقوموا به؛ بل على العكس من ذلك، يتَّجهون- البعض في السر، والبعض في السر والعلن- لخطوات تؤكِّد مسارهم وتوجههم القائم على أساس التطبيع الكامل مع العدو الإسرائيلي، ومعاداة من يعادي العدو الإسرائيلي، هذا شيءٌ مؤسفٌ جدًّا، وهو تنكُّر لمبادئ الإسلام!

ولـذلك نحـن نشهــد مســارين متـوازيــين:

·       مسار للعدو الإسرائيلي، يتحرَّك فيه بأعلى سقف في عدوانه، في بطشه، في جبروته، في ظلمه:

-         الإبادة الجماعية للأطفال والنساء.

-         التدمير الشامل لكل قطاع غزَّة: التجريف، والهدم، واستجلاب مقاولين لتجريف ما بقي من المساكن، التدمير لكل معالم ومقومات الحياة في قطاع غزَّة.

-         والقتل للأطفال والنساء، والكبار والصغار، بكل وحشية.

-         والتجويع.

-         والتعطيش.

وكل ما يرتكبه العدو الإسرائيلي من جرائم، يتحرَّك في ذلك بأعلى سقف، ولا مراعاة عنده لأيِّ شيء: لا قيم، ولا لأخلاق، ولا لقوانين، ولا لحسابات في الموقف، لاحتمال رد فعل من الجانب العربي والإسلامي... ولا غير ذلك، ولا تَحَرُّج من شيء، بكل وقاحة، بكل إجرام، بكل طغيان.

يقابله في الواقع العربي بالدرجة الأولى، وكرَّرت في كثيرٍ من الكلمات: أنَّ الموقف العربي السلبي، السيء، المتخاذل، المتواطئ تجاه القضية الفلسطينية، والعدوان الإسرائيلي على قطاع غزَّة، مؤثِّرٌ- لا شك في ذلك- سلباً على موقف الدول الإسلامية الأخرى، والبلدان الإسلامية الأخرى، التي كانت ستقف مواقف أقوى مما هي عليه الآن، لكانت إندونيسيا، ماليزيا، باكستان... وغيرها من الدول، لكانت ستقف مواقف أقوى، لو وقف العرب مواقف أقوى، لكن معروف أنَّ كبار الأنظمة العربية لها موقف سلبي تجاه من يتحرَّك في هذا المسار، في هذه القضية الفلسطينية بشكلٍ أكبر؛ ولـذلك موقفهم سلبيٌ جدًّا من الجمهورية الإسلامية في إيران؛ لأنها- بنظرهم- ترتكب هذا الذنب: النصرة للشعب الفلسطيني، وتتجاوزهم في ذلك، وتوجُّهاتهم هي في اتِّجاه مختلف تماماً، ألَّا يقف أحد مع القضية الفلسطينية بشكلٍ جادٍ وصادق، وأن يقدِّم لها الدعم، هذا شيءٌ مؤسف!

فالمسار الإسرائيلي، الذي هو بأعلى سقف من الإجرام، والعدوان، والبطش، والجبروت، ويسعى بكل وضوح إلى التصفية النهائية للقضية الفلسطينية، والتهجير الكامل للشعب الفلسطيني من قطاع غزَّة، بل ومن الضِّفَّة أيضاً، وهو يسعى في ذلك في خطوات عملية، وليس مجرَّد كلام، يعبِّر عن ذلك، وعبَّر معه الأمريكي، وكرَّر [ترامب] بنفسه مقولته الواضحة عن تهجير الشعب الفلسطيني من قطاع غزَّة، فهو يتحرَّك بأعلى سقف في أهدافه، وفي ممارساته الإجرامية.

·       وخط آخر، مسار آخر موازٍ لذلك في الداخل العربي والإسلامي، مسار لتسكين وتثبيط هذه الأُمَّة وهذه الشعوب، من أن يكون لها موقف جاد لنصرة الشعب الفلسطيني:

العدو الإسرائيلي ليس فقط ما يفعله في قطاع غزَّة، تجاه الشعب الفلسطيني، ما يفعله تجاه القدس، تجاه المسجد الأقصى، ما يفعله تجاه الشعب الفلسطيني في كل فلسطين، وفي الضِّفَّة الغربية من فلسطين؛ مع كل ذلك: المسار الموازي في الواقع العربي والإسلامي هو مسار تسكين وتجميد للأُمَّة، كلما أقدم العدو الإسرائيلي على خطوات إضافية: في عدوانه، في تهجيره، في تدميره... في جرائمه البشعة المتنوعة؛ ترى الأُمَّة مكبَّلة أكثر، وتتراجع إلى الوراء، وجامدة، وكأنه ليس هناك شيءٌ يحدث في فلسطين! هذا واضحٌ جدًّا.

عمل تحت عنوان السلام، وأي سلام سوى الاستسلام! أصبحوا يتحدثون عن الاستسلام بعنوان السلام، أي سلام مع عدوٍ هو بهذه الوحشية، وهذا الإجرام: يغتصب، وينتهك، ويحتل، ويقتل، ويرتكب أبشع الجرائم، ولا يعترف بأيِّ حق لهذه الأُمَّة، وما يفعله حتى في لبنان وسوريا شيءٌ واضح! ومع ذلك يتحدثون باستمرار عن: [السلام، السلام، السلام]، في أسلوب لتكبيل الأُمَّة من أيِّ رد فعل، من أي موقف، من أيِّ تحرُّك.

العدو الإسرائيلي يقتل في إبادة جماعية، يدمِّر في تدميرٍ شامل، ينسف، يهجِّر، وهم يتحدثون مع أُمَّتنا، مع شعوبنا، عن: [السلام، لا تتحرَّكوا، نحن نتبنى السلام]! هذا تكبيل للأُمَّة، تقييد للأُمَّة، تثبيط، تخذيل، عمل على منع أيِّ رد فعل، أي نصرة للشعب الفلسطيني، والعدو الإسرائيلي يصرِّح مع ما يفعل: [بأنه لن يعترف أبداً بأي دولة فلسطينية، ولا بأن يكون للفلسطينيين دولة، ولو على جزءٍ من أرضهم، ولو بالمستوى الذي كانت تطمح إليه السلطة الفلسطينية: أشبه بحكم ذاتي خانع وخاضع للإسرائيلي]، حتى بهذا المقدار، وبهذا المستوى، {أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ فَإِذًا لَا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا}[النساء:53]، هكذا الله حكى عنهم في القرآن الكريم.

فعناوين السلام والتطبيع، وأساليب التيئيس، وترسيخ الهزيمة، التي يعمل عليها الإعلام، والنشاط التثقيفي لكثيرٍ من الأنظمة بوضوح، هو في سياق الخدمة للموقف الإسرائيلي؛ لأن العدو الإسرائيلي ليس في وادي السلام، ولا في وارد أن يدخل في سلام، هو- كما قلنا- يتحرَّك بأعلى سقف من الإجرام والعدوان والظلم، ويسعى لتحقيق أهدافه النهائية: في التصفية الكاملة للقضية الفلسطينية.

وأيضاً يتحرَّكون في تشويه موقف من يتحرَّك لنصرة الشعب الفلسطيني، يتحوَّل جزء كبير من النشاط الإعلامي لكثيرٍ من الأنظمة العربية، ضد من يتحرَّك لنصرة الشعب الفلسطيني، بالتشويه، بالتشكيك، بالإساءات، بالحملات الدعائية التي تتبنى المنطق الإسرائيلي والمنطق الأمريكي؛ إنما باللغة العربية فقط، الفارق هو اللغة، المضمون واحد، والخلاصة واحدة، هذا شيءٌ مؤسفٌ جدًّا!

والحالة في كثيرٍ من البلدان العربية، هي: حظر أي نشاط شعبي لمناصرة الشعب الفلسطيني. نعم، هذه هي الحالة في كثيرٍ من البلدان العربية، لو خرج البعض في مظاهرات؛ سيقمعون، سيمنعون، يمنعون من أي نشاط شعبي، بشكل: مظاهرات، ندوات، فعاليات، أنشطة شعبية سلمية، لمناصرة الشعب الفلسطيني، حالة توازي ما يفعله الغرب، من منع أي انتقاد للعدو الإسرائيلي تحت عنوان: [معاداة السامية]، يسعى البعض من العرب أن يكون أي انتقاد للعدو الإسرائيلي، أي شكل من أشكال المناصرة والتضامن مع الشعب الفلسطيني محظوراً، ولو لم يكن تحت عنوان السامية، لكن ممنوع ومحظور، وعليه عقوبات وإجراءات: إمَّا قتل، وإمَّا سجن وتغريم، وهذا شيء واضح، يعني: الحالة سلبية، أكثر من مجرَّد تفرُّج وتخاذل، هناك مسار يخدم العدو الإسرائيلي، وجرَّأه على فعل ما يفعل، وعلى الوصول إلى هذه الخطوات السيئة، والخطيرة جدًّا.

الإجرام اليهودي الصهيوني هو إجرامٌ مؤدلج، ينطلق من خلفية ثقافية فكرية خبيثة، في منتهى الضلال، ومنتهى السوء والعدوانية؛ ولهـذا ليس إجراماً عادياً، الصهاينة اليهود يتلقون تربيةً منذ الطفولة، على أساس قواعد وعقائد معيَّنة، ترسِّخ فيهم نظرةً سلبيةً جدًّا تجاه المجتمعات البشرية الأخرى، بأنها ليست في واقع الحال من البشر، هم لا يعترفون لكل العرب، حتى المطبعين، العدو الإسرائيلي، الصهاينة اليهود لا يعترفون لهم بأنهم من أصلٍ بشري؛ وإنما هم كائنات وحيوانات بأشكال بشر، ليكونوا لائقين بخدمة العدو الإسرائيلي، وبخدمة اليهود، هكذا يقدِّمونهم في ثقافتهم، في معتقداتهم.

انظروا إلى ما بين أيديهم من كتبٍ محرَّفة، باسم أنها كتب العهد القديم، ما فيها من نصوص في ما ترسمه من نظرة سلبية، ومستهترة، ومستبيحة لكل المجتمعات الإنسانية، وترسِّخ أيضاً حالة الحقد، استباحة مع حقد، ومعها أطماع، وتربِّي هذه التربية من النوعية المتوحشة المجرمة، التي لا تحمل تجاه مجتمعاتنا أيّ ذرة من المشاعر الإنسانية؛ ولـذلك فعلاً هم يشكِّلون خطراً حقيقياً على هذه الأُمَّة؛ لأن ما يفعلونه ليس مجرَّد تكتيك، ولا تصرفات فردية، ولا أخطاء حصلت من دون قصد؛ إنما يرتكبونه عن عمد، من موقع خلفية عقائدية خبيثة ضالة، في منتهى الضلال والسوء، تُرَسِّخ عندهم هذه النظرة السلبية المستهترة، المستبيحة لمجتمعاتنا الإسلامية وغيرها؛ ومع ذلك أيضاً: الحقد الشديد، حقد رهيب جدًّا، ومع الحقد: الأطماع الهائلة، الشهية المفتوحة على أوطاننا، وثرواتنا، وبلداننا، وعلى كلِّ ما يمكن أن يستغلوه في أُمَّتنا، هذه حالة خطيرة جدًّا.

ولهـذا لابدَّ من التَّحَرُّك في إطار السُّنَّة الإلهية، الله "جَلَّ شَأنُهُ" قال في القرآن الكريم: {وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ}[البقرة:251]، إنَّ أولئك اليهود المجرمون الصهاينة، بمعتقداتهم التي هي- كما قلت- تؤدلج حالة الإجرام، والممارسات الإجرامية، والقتل للأطفال والنساء، والإبادة الجماعية بالتجويع، والقتل بكل أنواعه، وأبشع الجرائم تجاه كل فئات البشر، من: أطفال ونساء، وكبار وصغار، مسنين، وعاجزين، ومرضى، وجرحى... وغير ذلك، لا يمكن إيقافهم وإيقاف شرِّهم إلَّا بالتَّحَرُّك وفق السُّنَّة الإلهية: {وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ}[البقرة:251]، هم مجرمون، هم في منتهى الإجرام، يقتلون؛ لِلتَّلَهِّي، لإرضاء النفس، تسوِّل لهم أنفسهم أن يقتلوا الآخرين، فيقتلونهم عبثاً، وإجراماً، وعدوانيةً، وحقداً، لأتفه الأسباب، وبدون سبب، في كثيرٍ من الأحيان حتى بدون سبب، هم شر على هذه الأُمَّة، وعلى المجتمعات البشرية؛ ولـذلك لابدَّ من التَّحَرُّك ضمن السُّنَّة الإلهية، وإلَّا فإن طغيانهم يزداد، وشرَّهم ينتشر، ويتوسَّع، والاستهداف يطال بقية الشعوب والبلدان التي تتصوَّر أنها في مأمن؛ لأنها تداري، وتجامل، وتهادن، وتداهن؛ ولأنها أيضاً تتَّجه في الاتِّجاه الذي يخدم العدو، وتتصوَّر أنه سيقدِّر لها ذلك، هذا هو غباء، غباء!

العدو الإسرائيلي حاقدٌ جدًّا، انظروا إلى كل ما يفعله، وما منشأ ذلك، في قطاع غزَّة، عدوانية رهيبة جدًّا، إجرام رهيب جدًّا، حتى أنهم وصلوا فيما يفعلونه في قطاع غزَّة إلى مستوى سرقة الحمير، الصهاينة اليهود يسرقون الحمير على سكان قطاع غزَّة، لماذا؟ لأنهم مع نفاد الوقود يستفيدون من الحمير كوسيلة نقل، وجرَّدوهم حتى من هذه الوسيلة من وسائل النقل، وما يفعلونه هو أسوأ من ذلك؛ إنما يعني يمتد فسادهم، إجرامهم، حقدهم، إلى أمور مثل هذه الأمور، يحاولون أن يجرِّدوك من أيِّ خير، لا يريدون لك أي خير، يريدون أن يعملوا كل ما فيه معاناتك، كل ما يمكن أن يكون مساهماً في أن تعاني، وهم يتفننون، ولوحشيتهم وإجرامهم يعرفون كيف يتصرفون في صناعة أكبر مستوى من المعاناة، وهم يعملون على ذلك.

في هذا السياق نفسه، من أفظع وأبشع حالات الغباء والضلال المبين، هو مطالبة البعض للإخوة في حركة حماس بأن يسلِّموا أسلحتهم! ومن ضمن ذلك: السلطة الفلسطينية، السلطة الفلسطينية تثبت غباءها الرهيب، إن لم يكن هناك ما هو أكثر من الغباء، وهو أنها مخترقة، فيها من هم في حالة غباء، ومنهم من يعملون لمصلحة العدو الإسرائيلي، كيف في ظل ما هو قائم، ما هو حادث، ما يفعله العدو الإسرائيلي، يطلبون من حركة حماس أن تسلِّم سلاحها!

الحالة الصحيحة، المنطق الصحيح بمقتضى الحق والعدل، وبمقتضى الحقائق الواضحة والصريحة، بمنطق الحكمة والصواب، هو: أنَّ العدو الإسرائيلي الذي لا ينبغي أن يمتلك أي قطعة سلاح، ولا حتى السكاكين، ما بالك أن يسلَّم كل أنواع السلاح الفتاك والقاتل والمدمِّر، الذي لا يستخدمه فقط في الحرب والقتال، وضد من يقاتله؛ وإنما يستخدمه لإبادة الأطفال، لإبادة النساء.

حينما تقوم أمريكا بتسليم العدو الإسرائيلي الآلاف المؤلَّفة من أفتك القنابل تدميراً وإحراقاً، وغيرها من وسائل السلاح والقتل، مختلف أنواع القذائف وغيرها، كل أنواع الذخائر، ومع ذلك ما تقدِّمه له بريطانيا، ما تقدِّمه ألمانيا، ما تقدِّمه فرنسا، ما تقدِّمه دول أخرى في الغرب، وهو يستخدم ذلك ضد مَنْ؟ هل فقط في المعركة العسكرية، ضد من يقاتله؟ بل هو يستخدم ذلك بكل مرأى ومسمعٍ من العالم لإبادة المدنيين والعُزَّل، لقتل الناس جميعاً في قطاع غزَّة، يعمل على الاستهداف بما يسمِّيه الأحزمة النارية؛ لتدمير أحياء بأكملها، لقتل الناس جميعاً، يسعى لقتل أكبر قدر ممكن من الأطفال والنساء والسكان في قطاع غزَّة، يعني: أنَّه لا يستخدم هذا السلاح فقط في معركة عسكرية لمواجهة من يواجهه، وقتال من يقاتله، بل هو يستهدف به الأطفال، يستهدف به النساء، يستهدف به المدنيين العُزَّل من السلاح.

أمام كل ذلك يأتي من يقول للمقاتلين الفلسطينيين، المجاهدين في سبيل الله، الذين هم في الموقف الحق، يقول لهم: [سلِّموا سلاحكم]! وفي لبنان تتحرَّك بعض القوى والأحزاب، التي لها خلفية سلبية جدًّا في علاقتها بالعدو الإسرائيلي في مراحل ماضية، وفي تعاونها مع العدو الإسرائيلي في مراحل ماضية، يعني: خيانتها للبنان، لها رصيد من الخيانة والإجرام، تأتي لتتحرَّك في داخل لبنان بهدف الضغط- استجابةً للأمريكي، وبتوجيهات من الأمريكي- بهدف الضغط على نزع سلاح حزب الله، الذي هو لحماية لبنان، ولبقاء لبنان حُرّاً، مستقلاً، محمياً وحصيناً، هذا النوع من التَّحَرُّك هو لخدمة الأعداء، وهو منطقٌ مستهجن، وغبي، وسيء، أُمَّتنا هي أحوج أُمَّة إلى أن تقتني السلاح.

إذا كان من لهم مثل هذا المنطق من الأعراب، في فلسطين، في لبنان، في أيِّ بلد هنا أو هناك، ويتكلَّمون بهذا المنطق: [نزع سلاح من يعادي العدو الإسرائيلي، من يتصدَّى للهجمة الإسرائيلية والأمريكية]، فمثلهم الأعلى هو أمريكا، هم يوالون أمريكا، يعظِّمون أمريكا، يرون فيها آلهةً من دون الله، مثلهم الأعلى هو أمريكا.

في أمريكا، في الدستور الأمريكي بنوداً تكفل لكل مواطن أمريكي حق أن يقتني السلاح! لماذا يراد لنا أن نكون أُمَّة منزوعة السلاح، في الوقت الذي علينا مثل هذه الهجمة الإسرائيلية والأمريكية، بكل وحشيتها، وإجرامها، وطغيانها، واستباحتها لكل المحرمات، وانتهاكها لكل الحرمات، مع أنها تستهدفنا في كل شيء: في ديننا، في مبادئنا، في معتقداتنا الدينية، في مقدَّساتنا الإسلامية، وفي دنيانا، ثم يراد لنا أن نكون أُمَّة منزوعة السلاح، بدون سلاح تدافع عن نفسها؟ لتكون فريسةً سهلةً لأعدائها، ودون أي استفادة من الحقائق التاريخية الواضحة، الواضحة.

هناك تجارب في فلسطين بنفسها، في لبنان، تجارب أيضاً في البوسنة والهرسك، تجارب تاريخية في أنحاء كثيرة من العالم، ماذا يكون حال من ينزع سلاحه، أو هو يلقي سلاحه، وهو مستهدف من عدوٍ حاقدٍ مجرم، غاشمٍ ظالم، إلَّا الإبادة، والإهانة، والقتل، والدروس كثيرة، والتفاصيل كثيرة، لا يتَّسع لها المقام، لكن في لبنان نفسها، متى حدثت مجزرة (صبرا وشاتيلا)؟ بعد أن ذهب المقاتلون الفلسطينيون وألقي السلاح الفلسطيني، متى حصلت جرائم ومجازر كبيرة في فلسطين؟ لأن الشعب الفلسطيني لم يقتنِ السلاح بالقدر اللازم، ولم يتحرَّك عسكرياً في مراحل مبكِّرة بالقدر اللازم، ولم يحظ بالدعم العربي والإسلامي ليقتني السلاح بالقدر اللازم.

فالأعداء يقدِّمون للعدو الإسرائيلي كل أنواع الدعم، بمختلف أنواع الأسلحة، وأفتكها تدميراً، وقتلاً، وإحراقاً، وشعوبنا المستضعفة، المضطهدة، المقهورة، المستباحة، التي تباد بشكلٍ جماعي، وفي مقدِّمتها: الشعب الفلسطيني، تخاطب بهذا المنطق: [ألا يبقى بيدها السلاح]، وهي الأحوج إلى امتلاك السلاح؛ لأنها المعتدى عليها، المظلومة، المستباحة، المقهورة، المضطهدة؛ ولأنها في الموقف الحق، في الموقف الحق والعادل.

الصمود العظيم لإخوتنا المجاهدين في قطاع غزَّة مستمرٌ، وبطولاتهم قلَّ أن يشهد العالم لها نظيراً، والمشاهد تثبت ذلك:

-         مشاهد للاشتباك من نقطة الصفر، مع دبابات العدو الإسرائيلي وآلياته، وهم يقدِّمون العبوات الناسفة إلى فوق الدبابات، ثم يقومون بتفجيرها.

-         وكذلك الكمائن الفتَّاكة والمنكِّلة بالعدو.

والعدو الإسرائيلي يعترف بأنه يواجه معضلة كبيرة في قطاع غزَّة، ومستوى المواجهة هناك بشكلٍ غير مسبوق بالنسبة للجيش الإسرائيلي، لتلك العصابات الإجرامية؛ ولـذلك هو في أزمة حقيقية.

العدو الإسرائيلي على المستوى العسكري في القتال والمواجهة، في مواجهة من؟ قلة قليلة من المؤمنين المجاهدين، بأقل ما يمتلكونه، وما تمتلكه أي قوَّة عسكرية من وسائل القتال والسلاح، إمكانات بسيطة، محدودة جدًّا، مع ذلك لهم كل هذه الفاعلية، وعلى مدى اثنين وعشرين شهراً، وهم ينكِّلون بالعدو، وصامدون في مواجهته، وثابتون، ومستبسلون، وينكِّلون به، وأدخلوه في أزمة واضحة وحقيقية؛ فهو يعاني في مسألة قوته البشرية: يعاني من كثرة مرضى الحالة النفسية، والاختلال العقلي، يعاني من تهرُّب الكثير مما يسميه بقواته الاحتياطية من المواجهة؛ ولـذلك هذا النموذج يثبت الخيار الصحيح، والاتِّجاه الصحيح.

أمَّا همجية العدو الإسرائيلي، واستهدافه للمدنيين، للعُزَّل من السلاح، الإبادة للأطفال والنساء، التجويع الجماعي لسكان قطاع غزَّة، هذا لا يعبِّر عن قوَّة عسكرية، ولا انتصار عسكري، وليس أبداً انتصاراً عسكرياً، هو مجرَّد إجرام رهيب، وجرائم فظيعة جدًّا.

كتائب القسام نفَّذت ما يقارب (خمس عشرة) عملية متنوعة، ما بين كمائن، وتدمير لآليات العدو، وقنص لمجرمين. نفَّذت سرايا القدس عمليات عظيمة ومهمة.

الجو العام بالنسبة للإخوة المجاهدين في قطاع غزَّة جو تعاون، تكاتف، تظافر للجهود، وهذا شيءٌ عظيم ومهم.

فيمـــا يتعلَّــق بالمظاهــرات الداعمـــة لغـــزَّة:

-         خرجت مظاهرات في: تركيا، وموريتانيا، والبحرين، والمغرب العربي، والأردن، ولبنان، وتونس، والعراق، والضِّفَّة الغربية.

-         خرجت أيضاً مظاهرات ووقفات في أمريكا وأوروبا، وبلدان أخرى في سبعة عشر بلداً.

على مستــوى الأصـــوات الحُــرَّة والقـويَّة في أُمَّتنــا:

هناك أيضاً مواقف لمفتي سلطنة عمان، ولمفتي ليبيا، مواقف مشرِّفة؛ يقابلها موقفٌ مخزٍ للأزهر، الأزهر الذي هو مؤسسة تعليمية دينية بارزة في الساحة الإسلامية، قام أمس بسحب بيانٍ له كان فيه تنديد بالجرائم الإسرائيلية، ولكنه ما لبث أن قام بسحبه، وحذفه، هذا شيء مُخْزٍ ومؤسف، مؤسف جدًّا! أين أولئك من مستوى قول الله تعالى: {الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ}[الأحزاب:39]، كيف يخضعون لحسابات سياسية باطلة وزائفة؟!

هذا يبيِّن الحالة التي تُعَبِّر عن حالة الكثير من علماء الدين، ممن هم في هذا الاتِّجاه: اتِّجاه السكوت، والخضوع، وعدم تبنِّي أي موقف؛ بل البعض منهم يثبِّط بشكلٍ صريحٍ وعلني، ممن كانوا يدفعون للفتنة، من أبواق الفتنة، ممن كانوا يفتون بوجوب ما يسمونه بالجهاد في سوريا، في العراق... في بلدان أخرى، لإثارة الفتن بين المسلمين تحت العناوين التكفيرية، ثم هم الآن يثبِّطون بشكلٍ صريحٍ وعلني عن أيِّ موقفٍ عملي لنصرة الشعب الفلسطيني، وضد العدو الإسرائيلي.

فيمـــا يتعلَّـق أيضــاً بأسطــول الحُــرِّيَّـة: هناك رحلة، هي الرحلة رقم (36)، في مساعيه الرمزية لكسر الحصار عن غزَّة.

في هذه المرحلة، في واقع الحال هناك فرصة عظيمة للمسلمين، لو يفهمون، لو يعقلون، على المستوى العالمي، هناك في هذه المرحلة أكبر مستوى من الإدانة للعدو الإسرائيلي، من التشنيع على ما يفعله من إجرام، من الاعتراف بالحق الفلسطيني والمظلومية الفلسطينية، على مستوى العالم، مرحلة غير مسبوقة، انكشاف العدو الإسرائيلي، وانكشاف الأمريكي معه، وانكشاف الأنظمة الأوروبية المتصهينة معه، هو بمستوى غير مسبوق، الجو العالمي هو لصالح المسلمين، لو أنهم يدركون هذه الفرصة، وأهمية أن يتحرَّكوا فيها، وأن يتقوا الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، ويستجيبوا لأوامره، وأن يؤدُّوا مسؤولياتهم الإنسانية والدينية والأخلاقية، والتي هم بحاجة إليها؛ لدفع الخطر عنهم أيضاً، ولكن- للأسف- التخاذل بشكلٍ عجيبٍ جدًّا! كما قلنا: هناك تواطؤ، هناك مواقف سلبية جدًّا، لا ترقى إلى مستوى التضامن والتعاطف من بعض البلدان والدول في أقصى الأرض وأنآها، وأنأى البلدان.

فيمــا يتعلَّـق بجبهــة الإسنــاد مـن يمـن الإيمـان والجهــاد، في (معركة الفتح الموعود والجهاد المقدَّس):

استمرت عمليات الإسناد، وفي هذا الأسبوع نُفِّذت العديد من العمليات بـ (أحد عشر) ما بين صاروخ فرط صوتي، وطائرة مسيَّرة، باتِّجاه فلسطين المحتلة، ضد العدو الإسرائيلي، منها: ما كان باتِّجاه (يافا، وأسدود، والنقب، وأم الرشراش)، كلها استهدفت أهدافاً تابعة للعدو الإسرائيلي.

كذلك هناك فيما يتعلَّق بالبحر الأحمر استمرار في حظر الملاحة البحرية على العدو الإسرائيلي، ميناء أم الرشراش الذي يسمِّيه العدو بـ [ميناء إيلات]، عاد إلى الإغلاق التام بفضل الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، وهذا له خسائر كبيرة جدًّا على العدو الإسرائيلي، وهزيمة بكل ما تعنيه الكلمة، حتى أنَّ بعض الصحف الأوروبية علَّقت على هذا الأمر بهذا المنطق: بأنه هزيمة كبيرة للعدو الإسرائيلي.

نُفِّذَت العمليات منذ بداية الإسناد لقطاع غزَّة بـ (ألف وستمائة وتسعة وسبعين)، ما بين (صواريخ، وطائرات مسيَّرة، وزوارق حربية).

العدو حاول أن يوقف، أو يؤثِّر على الموقف اليمني، أو أن يضغط على الموقف اليمني؛ ليتوقف، ولكنه فشل، في الجولة الأولى والجولة الثانية للعدوان (الأمريكي، والبريطاني، والإسرائيلي) بلغت الغارات على اليمن (ألفين وثمانمائة وثلاثة وأربعين) غارة وقصف بحري، وفيها المئات من الشهداء والجرحى، ولكن العدو الإسرائيلي فشل تماماً، ومعه الأمريكي فشل كذلك، في منع الموقف اليمني المساند لغزَّة، المناصر للشعب الفلسطيني جهاداً في سبيل الله تعالى، هذا هو وقت الجهاد أكثر من أي وقت مضى، وفي ميدان واضح وقضية واضحة، وضد عدوٍ واضحٍ وصريح للإسلام والمسلمين، وفي قضية عادلة، واضحة، يعترف بها كل العالم؛ ولـذلك أين هم البقية من أبناء الأُمَّة، حتى من كانوا يتحرَّكون تحت عناوين إسلامية وجهادية؟! لماذا لا يتحرَّكون الآن لمناصرة الشعب الفلسطيني؟!

نحن كشعبٍ يمني، على المستوى الرسمي والشعبي، وعلى المستوى العسكري... وفي كل المجالات، لن نألو جهداً في نصرة الشعب الفلسطيني، مع هذه المأساة التي نشارك الشعب الفلسطيني فيها الآلام، والأحزان، والأوجاع، نحن نسعى لدراسة خيارات تصعيدية إضافية، ونحن نسعى أيضاً باستمرار لتطوير القدرات العسكرية؛ لتكون أكثر فاعليةً في التنكيل بالعدو، والضغط على العدو.

فيمــا يتعلَّـق بالأنشطـــة الشعبيـــة: هي مستمرَّة ومتنوعة:

·       في مقدِّماتها اللقاءات العلمائية:

ومنها: لقاء للعلماء والخطباء في الحديدة، والنشاط العلمائي في اليمن نموذجي، يقدِّم نموذجاً ملهماً لعلماء الدين وخطباء المساجد في بقية العالم الإسلامي، هذا الصوت الإيماني، الذي يعبِّر عن الإسلام بحق، في القضايا والمسؤوليات الدينية والإسلامية، ولاسيَّما الجهاد في سبيل الله تعالى، هو الذي يجب أن يحذو حذوه كل العلماء والخطباء، علماء الدين وخطباء المساجد في بقية العالم.

·       أيضاً على مستوى الوقفات القبلية:

مستمرَّة، وهي ذات أهمية كبير جدًّا؛ لأن الدور القبلي في بلدنا دورٌ أساسي، وهو يشكِّل العمود الفقري للمجتمع اليمني.

·       المظاهرات كذلك والوقفات:

كان هناك مظاهرات حاشدة بالأمس لجامعة صنعاء، وهي أيضاً تقدِّم النموذج لكل الجامعات في العالم الإسلامي، أين هي؟! أين المدرسون، والأكاديميون، والطلاب، الذين يفترض بهم أن يكونوا متقدِّمين في وعيهم في الأوساط الشعبية، وأن يتحرَّكوا بوعي، أين هم؟! أين هو صوتهم؟! هذه الجامعة (جامعة صنعاء) تقدِّم لهم النموذج القدوة والملهم.

·       أنشطة التعبئة:

مستمرَّة في مساراتها المتعددة، وفي مقدِّمتها: التدريب، وقد وصلت النتيجة أكثر من )مليون وسبعة آلاف متدرب)، وهذا إنجاز كبير ومهم، مع أنَّ الشعب اليمني- كما قلت في كلماتٍ متعدِّدة- هو شعبٌ مقاتل، ومسلَّح، ومقاتل بالفطرة؛ لكنَّ التدريب مهم، وهو من الإعداد، هو من الاستجابة لقول الله تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قوَّة}[الأنفال:60]، وهذا العدد عددٌ مهمٌ جدًّا (أكثر من مليون متدرب) في التعبئة العامَّة، من غير القوَّة النظامية، التي أيضاً حظيت بتدريب على مستوى متقدِّم، ومتكرِّر، وعلى مستوى مراحل.

في هذا السياق، أتوجَّه بالمناشدة من جديد، لأنظمة البلدان التي تفصل جغرافياً ما بين اليمن وفلسطين، لأن يفتحوا منافذ للمرور والعبور بريِّة للشعب اليمني؛ ليتحرَّك المجاهدون منه، وهم- بإذن الله تعالى- سيتحرَّكون بمئات الآلاف، ليصلوا إلى فلسطين، لنصرة الشعب الفلسطيني، هذا ما نتمناه، هذا ما نسعى له، هذا ما نأمل الوصول إليه، ونسعى للوصول إليه.

الشعب اليمني يتألم كثيراً، أصوات النَّاس، وملامح وجوههم، قبضاتهم وهتافاتهم في المظاهرات والمسيرات، تشهد على مستوى هذا التفاعل، وعلى توفُّر هذه الإرادة، التَّوجُّه للتدريب، التصميم في الموقف، ما تحمله القلوب من مشاعر الحزن والألم من جهة، والمحبة والإعزاز والتقدير من جهة للشعب الفلسطيني، الشعور بالأخوَّة الإسلامية مع الشعب الفلسطيني، الشعور بالمظلومية، وشعبنا مظلوم أيضاً، ويشعر بمظلومية الشعب الفلسطيني، هذا كله متوفرٌ في هذا الشعب، بما يؤهِّله لمستوى متقدِّم من النصرة والتعاون؛ ولهـذا هو- بفضل الله- ثابتٌ على موقفه، لم يتزحزح:

-         لا تجاه العدوان الأمريكي، والبريطاني، والإسرائيلي.

-         ولا بالعدوان الاقتصادي، العدوان في الحصار، والإجراءات العدوانية فيما يتعلَّق بالحصار.

-         ولا تجاه الحملات الدعائية، التي تهدف إلى التأثير على موقفه، وكلها فشلت.

·       المظاهرات والوقفات في يوم الجمعة الماضي:

كانت حاشدة، وكبيرة، وعظيمة، ولائقة بهذا الشعب، بيمن الإيمان والحكمة، الذي يعبِّر- فعلاً- عن إيمانه في مواقفه الصادقة، والشجاعة، والقويَّة، بلغت المظاهرات والوقفات يوم الجمعة الماضي إلى: (ألف ومائتين وستة وستين) مسيرة ووقفة.

هذا الأسبوع، نحن في ذروة المعاناة التي يعانيها الشعب الفلسطيني في غزَّة؛ ولـذلك أدعو شعبنا العزيز، يمن الإيمان والحكمة والجهاد، يمن الوفاء والنصرة للحق، والوقوف ضد الظالمين والطغاة المستكبرين، إلى الخروج المليوني غير المسبوق.

ما آمله لمظاهرات غد- إن شاء الله- يوم الجمعة، أن تكون بشكلٍ غير مسبوق؛ لأننا في مرحلة استثنائية، ما يرتكبه العدو الإسرائيلي في قطاع غزَّة، مع التخاذل الفظيع، المخزي، المشين، المهين، من معظم البلدان الإسلامية في البلاد العربية وغيرها، ومع صرخات الشعب الفلسطيني، مع نداءات المعذَّبين والمجوَّعين في قطاع غزَّة، التي بعضها بات بلا صوت، ينبغي أن يكون الخروج يوم الغد- إن شاء الله- غير مسبوق، في ظل تلك المعاناة والمأساة غير المسبوقة للشعب الفلسطيني:

-         استجابةً لله تعالى.

-         وجهاداً في سبيله.

-         ونصرةً للشعب الفلسطيني المظلوم، الذي نصرته فيما يعانيه من مظلومية ومأساة، واجبٌ إنسانيٌ أخلاقيٌ، يدفع إليه الشعور الإيماني، والانتماء الإيماني، والشعور الإنساني لكل من بقي إنساناً، يحمل المشاعر الإنسانية، ولكل من له انتماءٌ صادقٌ للإسلام يحمل المشاعر الإيمانية،

آمل أن يكون الخروج واسعاً في العاصمة صنعاء، وبقية المحافظات، والمديريات، والساحات.

أَسْألُ اللهَ "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" أَنْ يَكْتُبَ أَجْرَكُم.

خروجكم المستمر في كل أسبوع بهذا الزخم العظيم هو جهاد، لن يضيع عند الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، هو يرسِّخ المعاني والقيم الإيمانية والإنسانية، هو يبني شعبنا في وعيه، في إيمانه، يرتقي به في ذلك، وفي نفس الوقت مذخورٌ له عند الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، والله لا يضيع أجر المؤمنين.

نَسْألُ اللَّهَ "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" أَنْ يُوَفِّقَنَا وَإِيَّاكُم لِمَا يُرْضِيه عَنَّا، وَأَنْ يَرْحَمَ شُهْدَاءَنَا الأَبْرَار، وَأَنْ يَشْفِيَ جَرْحَانَا، وَأَنْ يُفَرِّجَ عَنْ أَسْرَانَا، وَأَنْ يَنْصُرَنَا بِنَصْرِه إِنَّهُ سَمِيعُ الدُّعَاء، وَأَنْ يُعَجِّلَ بِالفَرَجِ وَالنَّصْرِ لِلشَّعْبِ الفِلَسْطِينِيِّ المَظْلُوم، وَلِمُجَاهِدِيهِ الأَعِزَّاء.

وَالسَّـــــلَامُ عَلَـيْكُـــمْ وَرَحْـمَـــــةُ اللَّهِ وَبَــرَكَاتـــُهُ؛؛؛