• العنوان:
    اليمن في قلب المعركة.. حضورٌ لا يلين
  • المدة:
    00:00:00
  • الوصف:
  • التصنيفات:
    مقالات
  • كلمات مفتاحية:

مبارك حزام العسالي

لم تكن مشاركة اليمن في معركة غزة طارئة أَو دعائية، بل جاءت امتدادًا طبيعيًّا لمسار تاريخي من الموقف المبدئي والانحياز الكامل للمظلومين في وجه الطغاة. وفي أسبوع واحد فقط، نفذ اليمن أكثر من 45 هجومًا نوعيًّا ضد العدوّ الصهيوني، استهدفَ مطار اللُّد (بن غوريون)، ومواقع استراتيجية في مدن محتلّة مثل يافا، عسقلان، أسدود، وأم الرشراش، باستخدام صواريخ باليستية، وفرط صوتية، وطائرات مسيّرة، وزوارق حربية مسلحة، في وقت أغرقت فيه القوات اليمنية سفينتين تجاريتين تنتميان لشركات انتهكت قرار الحظر البحري على الكيان، لتعلن صنعاء أن لا عودة للحياة في ميناء أم الرشراش، ولا رفع للحظر الجوي عن مطار اللد ما دام العدوان مُستمرًّا.

حضورٌ عسكريٌّ كثيفٌ ترافقَ مع خروج ملايين اليمنيين في تظاهرات غاضبة، حاشدة، ومُستمرّة للأسبوع التسعين تواليًا دعمًا لغزة، في مشهد قلّ نظيره عالميًّا، يعكس مستوى الوعي الشعبي الذي لا يتراجع رغم القصف والحصار والتهديدات الصهيونية.

ما يميز الموقف اليمني أنه نابع من الإرادَة الحرة، وغير خاضع لأجندات خارجية.

فاليمن لم يُدعَ لهذه المعركة بل اختار أن يخوضَها، ولم يُشترط عليه موقف بل صنع موقفه، وهو اليوم يصوغ معادلة الردع بيده، مفروضًا على العدوّ معادلات لم يكن يتوقعها.

لم تكتفِ القوات المسلحة اليمنية بتسيير الصواريخ والطائرات المسيرة، بل وسّعت بنك أهدافها، وأعلنت حظرًا شاملًا على الملاحة المرتبطة بالكيان في البحر الأحمر وخليج عدن وبحر العرب، كما قامت بإغراق سفينتين انتهاكا مباشرًا لهذا القرار، في سابقة عسكرية بالغة الدلالة.

هذه العمليات العسكرية لا تُفهم إلا ضمن سياق وطني وشعبي متكامل. القيادة السياسية والثورية في اليمن، وعلى رأسها السيد عبدالملك بدرالدين الحوثي، أوضحت منذ اليوم الأول أن الموقف من فلسطين ليس تكتيكًا ولا مناسبة موسمية، بل عقيدة دينية وإنسانية ووطنية، عبّر عنها بخطاباته التي تدعو للواجب الإيماني في نصرة الشعب الفلسطيني بكل الوسائل المتاحة.

الإعلام اليمني لعب دورًا كَبيرًا في إيصال هذه الرسالة، من خلال نشر لقطات عمليات نوعية، وبث بيانات متزنة ومباشرة تؤكّـد أن كُـلّ خطوة عسكرية خلفها قرار سيادي، وأن القضية الفلسطينية ليست مُجَـرّد عنوان بل ممارسة يومية وشراكة فعلية في الميدان.

وبذلك، غيّر اليمن مشهد الحرب، وجعل البحر الأحمر مسرحًا للردع، بعد أن كان ساحة نفوذ أمريكي وصهيوني مطلق.

في مقابل هذا الحضور اليمني الحي، تبدو كثير من العواصم العربية غارقة في صمت مُخزٍ أَو تواطؤٍ مفضوح. أنظمة طبّعت، وأُخرى صادرت أصوات شعوبها، وثالثة انشغلت في مؤتمرات "السلام الاقتصادي" بينما تُدفن غزة تحت الركام. وحده اليمن قال: لن نقف متفرجين.

وحده كسر القيد، ووجّه الرسائل. وحده اختار أن يكون في صف المظلوم لا الظالم.

أما العدوّ الصهيوني، فهو اليوم في حالة ارتباك حقيقي. فمحاولاته لإعادة تشغيل ميناء أم الرشراش تُقابل كُـلّ مرة بردّ صاروخي أَو بحري يوقف التشغيل. وحالة القلق تتزايد داخل منظومته الاستخبارية، التي باتت ترى في صنعاء خطرًا لا يقل عن الجنوب اللبناني أَو الجبهة الشمالية.

فالتهديد القادم من اليمن لا يمكن تحييده بغطاء جوي، ولا إسكات صوته بتهديدات إعلامية، وهو ما يجعل الكيان يعيش اليوم تحت ضغطٍ استراتيجي غير مسبوق.

إن اليمن، رغم الجراح والحصار، يقدم أنموذجًا فريدًا في زمن الانكسار العربي.

نموذجًا يُعيد للشارع العربي ثقته بأن هناك من لا يزال يقاتل، ويُربك العدوّ، ويرفع علم فلسطين في معركة الإرادات.

يمن الإيمان والحكمة بات اليوم يمن الصواريخ والمسيرات، يمن القرار الحر، والجيش المُهاب، والشعب العظيم.

لا مبالغة حين نقول إن اليمن تجاوز مرحلة الدعم الرمزي، ودخل مرحلة الفعل المؤثر.

إنه بلد محاصر، لكنه قادر على فرض الحصار. فقير بالموارد، غني بالإرادَة. يُهاجم منذ سنوات، لكنه لم يُسقط بندقيته.

ما يفعله اليمن هو دفاع عن فلسطين، وعن الأُمَّــة، وعن شرف العرب الذي تحاول أنظمة التطبيع طمسه.

هو ردّ على سنوات من الخيانة، وسنوات من التساهل مع العدوّ. هو تأكيد أن التحرّر ليس قرارًا دوليًّا، بل فعل إرادَة من داخل الشعوب.

في زمن التخاذل، لا تزال هناك شعوب تُفجّر معاركها بنفسها، واليمن اليوم أولها في الميدان، وأقواها في الموقف، وأصدقها في التضحية.