خاص| المسيرة نت: باتت الإدارةُ الأمريكية تشاركُ عمليًّا في هندسة عمليات التجويع والخنق المعيشي لسكان قطاع غزة، وليس آخر أشكالها تلك الصفقة المذلة التي حاولت تمريرها عبر شركةٍ سيئة السُّمعة، رفضها الأهالي بإرادَة حرة وكرامة وطنية.

وفيما أكّـدت حماس أن قيادةَ الحركة، سلَّمت ردَّها، على مقترح "ويتكوف" الجديد، بعد أن "درست المقترح بمسؤوليةٍ وطنية، بما يحقّق مصالح الشعب الفلسطيني وإغاثته، وتحقيق وقف إطلاق نار دائم في القطاع".

يراقب الغزّاويون بقلقٍ يتعاظم مع كُـلّ يوم تمضي فيه آلة الحرب الصهيونية في حصد الأرواح وتجريف الحياة، ما يُعرف بـ"مقترح ويتكوف" الذي قدّمه المبعوث الأمريكي "بريت ماكغورك"، والذي استُبعد من البروتوكول الإنساني المتعلَّق بوقف القتال وفتح الممرات الإنسانية.

في عيون الأُمهات اللواتي يتحسسن أنفاس أطفالهن في خيامٍ مهترئة بلا ماء ولا دواء، وفي صوت المسنّين العالقين بين الركام، وفي صمت الشباب الذين فقدوا أحلامهم مع اندثار منازلهم، يتردّد السؤال الكبير: هل هذا المقترح خطوة للسلام، أم فخٌّ جديد باسم التهدئة؟

استبعاد الممرات الإنسانية من صُلب المقترح الأمريكي، يمثّل -برأي سكان غزة- محاولةً فادحة لتجاوز أصل المأساة، وحرب الإبادة نفسها، فكيف يمكن الحديث عن أية تسويةٍ أَو حَـلّ، في ظل استمرار المجازر والإغلاق الخانق الذي حوّل غزة منذ 2 مارس الفائت، إلى سجنٍ كبير تتلاشى فيه أبسط مقومات الحياة؟

ويحذّر الغزّاويون من خطورة الوقوع في فخاخ ما يسمّونه "هدن التجويع"، التي تُستخدم كوسيلة ضغط لإنهاكهم نفسيًّا وجسديًّا، وفرض إرادات سياسية لا يمكن قبولها.

حرمان أكثر من مليونَي إنسان من الغذاء والماء والدواء تحت لافتة "التهدئة" ليس سوى شكل جديد من الحرب الصامتة، حرب تُدار بالتحكّم بالمساعدات بدلًا عن القنابل.

الأهالي يرفعون صوتهم عاليًا: "أيةُ مبادرة لا تبدأ بوقف فوري وكامل لحرب الإبادة، ورفع شامل للحصار، وفتح مستدام للممرات الإنسانية، لا تمثّل سوى إعادة إنتاج للأزمة بمسميات جديدة".

"لسنا أرقامًا في نشرات الأخبار"، يقول أحد الشبان الغزيين، "نريد أن نُعامَلَ كبشر، وأن يُعترَفَ بحقنا في الحياة، لا أن نُستَخدم كوقودٍ لمعادلاتٍ سياسية باردة، وأطماع تسند بمخطّطات ومشاريع التجارة والاستثمار".

في الإطار؛ يرى محللون سياسيون أن المفاوضاتِ الجاريةَ حول وقف حرب الإبادة في غزة دخلت "مرحلة معقَّدة" بعد رَدِّ المبعوث الأمريكي "ستيفن ويتكوف" على موقف حركة حماس، واعتباره "غيرَ مقبول بتاتًا"، في وقتٍ تؤكّـد فيه الحركة أنها لم ترفض المقترح وتسعى لمفاوضات تُنهِي الإبادةَ المتواصلة منذ 20 شهرًا.

وأكّـد القيادي في حماس "باسم نعيم"، أن الحركةَ لم ترفض مقترح ويتكوف الجديد للتوصل لاتّفاق وقف إطلاق النار في غزة، مُشيرًا إلى أنه تم التوافُقُ عليه الأسبوعَ الماضيَ واعتُبر مقترحًا مقبولًا كأَسَاسٍ للتفاوض، وأن الحركة تسلمت رد الطرف الآخر بشأنه.

وقال: "رَدَدْنَا عليه بما يحقّق الحد الأدنى من مطالبنا، وفي مقدمتها، ضمان احترام العدوّ للهُدنة المؤقَّتة لمدة 60 يومًا، ودخول المساعدات الإنسانية بالقدر الكافي، وعلى آلية المؤسّسات الأممية، إضافة إلى تقديم ضمانات بأن تؤديَ هذه المفاوضاتُ إلى إنهاء الحرب وانسحاب القوات المعادية".

بدوره، قال القيادي في حركة حماس "طاهر النونو": إن "الحركة وافقت على إطلاق سراح عشرة أسرى"، مُشيرًا إلى أن "الخلاف قد يكون في توقيت الإفراج".

وشدّد النونو على أن "الحركة تسعى إلى تقوية اتّفاق وقف إطلاق النار، والشروع في جولة جديدة من التفاوض"، مؤكّـدًا في الوقت ذاته "الإصرار على موضوع الضمانات في اتّفاق وقف إطلاق النار".

ويجمع الخبراء على أن المقترحَ الأمريكي الجديد يطابقُ الشروط الصهيونية، والكيان أبدى موافقتَه على المقترح، الذي أريد له أن يكونَ غيرَ قابل للتعديل، على الأقل من قبل حماس، في حين أنه جرى الاتّفاق مع حكومة كيان العدوّ قبل أن يُطرَح.

وفيما يتعلق بدور الوساطة الأمريكية، أكّـد خبراء أن الولايات المتحدة ليست وسيطًا عادلًا أَو نزيهًا، ولكنها الوسيط المقتدر، مؤكّـدًا أن الأمريكيين يميلون للكيان رغم أنهم يعتبرون أنفسهم في الوسط.

الغزاويون لا يُخفون غضبَهم مما يصفونه بـ"السياسات الأمريكية المتواطئة"، ويطالبون واشنطن بتبنّي موقف إنساني حقيقي لا يُجامِل القاتل، بل ينقذ الضحية؛ فإدارةُ الحرب بوسائلَ أكثر قسوة تحت غطاء إنساني، ليست حلًّا، بل استمرارٌ للمأساة بطرقٍ أكثر إيلامًا.

ويقول ناشط حقوقي فلسطيني: إن "الممراتِ الإنسانية ليست بندًا ثانويًّا. هي شريان حياة لمجتمع يحتضر منذ سنوات، ويكاد يلفظ أنفاسه الأخيرة"، على مرأى ومسمع العالم كله.