• العنوان:
    خيانةٌ تُرفع باسم الوطن
  • المدة:
    00:00:00
  • الوصف:
    مَن يقرأْ مسارَ المنافقينَ في القرآن، يُدركْ أنه أمامَ أخطر ظاهرةٍ عرفها التاريخُ الإنسانيُّ؛ ظاهرةٌ لا تقومُ على مبدأٍ ولا تتحَرّك وفقَ قيمةٍ، بل تُبنى على الكذبِ والمكرِ والتحريفِ والخيانةِ.. يقولونَ ما لا يفعلونَ، ويُظهرونَ ما لا يُبطنونَ، ويتقلبونَ مع مصالحِهم حيثما كانتْ.
  • التصنيفات:
    مقالات
  • كلمات مفتاحية:

صوّرهمُ اللهُ بقولِه: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آَمَنَّا بِاللهِ وَبِالْيَوْمِ الآخر وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ}، فهم يكذبونَ على اللهِ، ويخدعونَ أنفسهم حتى تصبحَ الخيانةُ جزءًا من دمائِهم، والتحريفُ أُسلُـوبا دائمًا في حياتِهم.

وحينَ نتأملُ واقعَ اليومِ، نجدُ الصورةَ ذاتَها ترتسمُ بوضوحٍ في مرتزِقةِ تحالفِ العدوانِ، حَيثُ فتحوا لهم أبواب البلادِ، ومهّدوا لاحتلال وطنِهم، ومكّنوّهم من السيطرةِ على منابعِ النفطِ والجزرِ والموانئِ، ثم وقفوا أمامَ الناسِ بكلِّ وقاحةٍ ليقولوا: "ما فعلناهُ هو؛ مِن أجلِ الوطنِ ومن أجل أمنِه واستقراره"! وهذهِ واللهِ هي قمّةُ النفاقِ التي حذّرَ منها القرآن، حَيثُ يصبحُ الباطلُ "إصلاحا"، والخيانةُ "ضرورةً"، والارتماء في أحضانِ العدوّ "حرصًا على البلادِ".

وحينَ وصفَ القرآن حالَ المنافقينَ، كشفَ أنَّ أصل مشكلتِهم ليسَ الجهلَ، بل مرضٌ دفينٌ يسكنُ قلوبَهم: {فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ}.

إنهُ المرضُ ذاتُه الذي نراهُ اليومَ في كُـلّ مَن سلّمَ أرضَه للغزاةِ، ووقفَ معهم ضدَّ أهلِه، وأصبح لسانًا يبرّر الاحتلال، ويدًا تُسهّلُ لهُ السيطرةَ، بينما يظهرُ أمامَ الناسِ بوجهِ المتدينِ أَو الوطنيِّ أَو الحريصِ على البلدِ.

هؤلاءِ المنافقونَ - قديمًا وحديثًا - يخافونَ من النورِ، لأنَّ النورَ يفضحُهم، ويكرهونَ صوتَ الحقِّ لأنهُ يسلبُهم قدرتَهم على التزييفِ.

تراهم في ظاهرِهم متأنّقينَ، منتفخي الأجساد، مزينينَ كلامَهم بالشعاراتِ، لكنَّ حقيقتَهم مكشوفةٌ؛ قالَ تعالى: {وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أجسامهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُـلّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ العدوّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ}.

وهؤلاءِ أنفسهم وصفَهمُ اللهُ بأنهم أقربُ للكفرِ منهم للإيمانِ: {هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ}.

وهذهِ الآيةُ تكادُ تُقرأُ اليومَ على وجوهِ أُولئك الذينَ استقدموا الجيوشَ الأجنبيةَ إلى وطنِهم تحتَ لافتةِ "إعادة اليمنِ إلى الحضنِ العربيِّ" و"تحريرٍ" و"إعادة الشرعيةِ"!

أينَ الشرعيةُ حينَ تتحولُ الجزرُ والموانئُ والنفطُ إلى ملكيةٍ لقوىً أجنبيةٍ؟ أين الوطنُ حينَ يُدارُ من غُرَفِ عملياتٍ مشتركةٍ مع المحتلّ؟ أين الحرصُ على الأمنِ حينَ تصبحُ أراضي البلدِ قواعدَ عسكريةً لواشنطن وتل أبيبَ؟ هؤلاءِ يسيرونَ إلى الكفرِ بخطواتٍ ثابتةٍ، بينما يقفونَ من الإيمانِ والوطنِ وقوفَ المتجمّلِ المتصنّعِ الذي لا يعرفُ الولاءَ إلا لمصلحتِه.

ولأنَّ الخيانةَ جزءٌ من تكوينِ المنافقِ، كانَ القرآن صريحًا في فضحِهم: يقفونَ مع المؤمنينَ بوجهٍ ومع أعدائهم بوجهٍ آخر.

وفي اليمنِ نرى هذا المشهدَ واضحًا؛ يبتسمُ المرتزِق لابنِ بلدِه، بينما يذهبُ سرًا إلى ضابطٍ سعوديّ أَو إماراتيٍّ ليقدّمَ لهُ الولاءَ.

يظهرُ في الإعلامِ متحدثًا عن "السيادةِ"، بينما يوقّعُ في الخفاءِ على اتّفاقياتٍ تُتيحُ للغريبِ السيطرةَ على الموانئِ والجزرِ والحقولِ.

يرفعُ شعارَ "استعادة الدولةِ"، بينما يقدّمُ الدولةَ قطعةً بعدَ قطعةٍ للاحتلال، وكأنَّ الآيةَ نزلتْ فيهم: {إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ}.

أمّا التحريفُ والتزييفُ فهما أداتُهمُ الكبرى مثلَ بني (إسرائيل).

كما قالَ اللهُ: {يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَوَاضِعِهِ}.

يُحرّفونَ الحقيقةَ ليظهرَ العدوّ حليفًا، وليظهرَ الاحتلال "إعمارًا"، وليظهرَ النهبُ "مشروعًا اقتصاديًا".

يصنعونَ رواياتٍ مزيّفةً، يُلصقونَ التهمَ بالمقاومينَ المجاهدينَ، ويقدّمونَ تقاريرَ للغزاةِ، ويبرّرونَ كُـلّ جريمةٍ ترتكبُها الطائراتُ على أبناء بلدِهم.

يستخدمونَ الإعلامَ ليحجبوا الحقيقةَ، ويستخدمونَ الدينَ ليُشرعنوا الخيانةَ، ويستخدمونَ كلمةَ "الوطنِ" ليغطّوا بها أكبر عمليةِ بيعٍ للوطنِ عرفها التاريخُ الحديثُ.

وهذا هو جوهرُ النفاقِ: الجمعُ بينَ الخيانةِ والمكرِ والكذبِ والتزييفِ، حتى يصبحَ الإنسان خادمًا للعدوِّ وهو يظنُّ - أَو يدّعي - أنه يخدمُ وطنَه.

قالَ تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الأرض قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ}.

هذا هو خطابُ المرتزِقةِ اليومَ تمامًا؛ يُدمّـرونَ اليمنَ ثم يقولونَ نحنُ نُصلحُه، يُسلّمونَ أرضَه للغزاةِ ثم يقولونَ نحنُ نحميهِ، يُصفّونَ كوادرَه ورجالَه الأحرار ثم يقولونَ نحنُ نبني "دولةً".

بينما الحقيقةُ أنهم لم يبنوا إلا قصورًا في الخارجِ، ولم يخدموا إلا أجنداتِ الغزاةِ، ولم يجلبوا لليمنِ إلا الحصارَ والتجزئةَ والنهبَ والانقسام.

ولأنَّ خطرَ المنافقِ أعظم من خطرِ العدوّ الخارجيِّ، كانَ القرآن واضحًا في الحكمِ عليهم: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ}.

لم يقلْ في النارِ فقط، بل في الدركِ الأسفلِ، لأنَّ الخيانةَ التي تأتي من الداخلِ، وتلكَ التي تُسلّمُ الوطنَ للغريبِ، وتفتحُ لهُ الأبواب، وتضعُ يدَه على ثرواتِ الأُمَّــة، هي أخطر من كُـلّ الجيوشِ التي تقفُ على الحدودِ.

إنَّ النفاقَ الذي تحدثَ عنهُ القرآن هو مرآةٌ تُعرّي واقعَ المرتزِقةِ اليومَ، الذينَ جلبوا الغزاةَ، ومهّدوا لهمُ السيطرةَ على النفطِ والجزرِ والموانئِ، ووقفوا ضدَّ شعبِهم - ثم قالوا "هذا؛ مِن أجلِ الوطنِ"! - إلا نموذجًا حيًّا لنفاقٍ كشفَهُ القرآن قبلَ ألف وأربع مِئة عامٍ، وفضحَ أصحابه، وسمّاهم بأسمائهم، وقالَ عنهم: همُ العدوّ فاحذرْهم.