• العنوان:
    حرب لا تظهر على الشاشات.. لكنها تحدّد مصير المعارك
  • المدة:
    00:00:00
  • الوصف:
    في ظِلال الحرب المرئية بالدبابات والطائرات، تتحَرّك حرب أُخرى أكثر عمقًا وخطورة، حرب لا تُعلِن عن نفسها ولا تظهر على شاشات الأخبار، لكنها تحفر في أعماق النفوس والجماعات.. إنها حرب "الوحدة 504"، الذراع الأوسخ لآلة الاستخبارات الصهيونية، التي ليست مُجَـرّد أدَاة تجسس هامشية، بل هي التجسيد الحي والأكثر قذارة للمشروع الاستعماري في صميمه.
  • التصنيفات:
    مقالات
  • كلمات مفتاحية:

تترجم "الوحدة 504" الحلم التوسعي المزعوم إلى مخطّطات عملية يومية، تبدأ باختراق الفرد وتنتهي بتفكيك مجتمع بأكمله.

ولادتها المتزامنة مع قيام الكيان في عام 1948م تروي قصة لا يمكن فصلها عن جرائم التطهير العرقي والنكبة؛ فهي لم تأتِ لتحمي دولة قائمة، بل لتبني دولة على أسس من الاختراق والخلخلة والتدمير النفسي الممنهج.

إن كُـلّ "نجاح" تسجله هذه الوحدة هو في الحقيقة وصمة عار جديدة في سجل جرائم الحرب، ونقطة دم إضافية على خريطة المعاناة التي تمتد من البحر إلى النهر.

إنها ليست وحدة استخباراتية محايدة، بل هي الذراع التنفيذية لأيديولوجيا ترى في الإنسان العربي مُجَـرّد كائن يمكن استغلاله أَو تحطيمه أَو شراؤه، وهي تمثل الوجه الحقيقي للكيان الذي يتخفى خلف شعارات الديمقراطية الزائفة، بينما يمارس في الظلام أبشع أنواع الحرب النفسية والفساد الأخلاقي المؤسّسي.

تكشف "الوحدة 504" النقاب عن الوحشية المزدوجة للكيان الصهيوني؛ حَيثُ تخلق المعاناة ثم تتغذى عليها، تفرض الحصار وتُسبب الفقر ثم تتحول إلى مستغل رئيسي لهذا الفقر عبر شبكات من الإغراء المالي والابتزاز الاقتصادي.

إنها جريمة ممنهجة بدم بارد، حَيثُ تتحول الحاجة إلى رغيف خبز أَو دواء لمريض إلى فخّ يختنق فيه كرامة إنسان، وتنقلب فيه المشاعر الإنسانية الأقدس إلى سلاح مدمّـر.

فالحب بين الأهل، والترابط الأسري، والعلاقات الاجتماعية النبيلة، تتحول في مختبرات هذه الوحدة إلى نقاط ضعف يتم استهدافها بلا رحمة.

وهذا ليس ذكاءً تكتيكيًّا كما يحاول البعض تصويره، بل هو انحطاط أخلاقي يصل إلى مستوى تدنيس المقدسات الإنسانية.

والأكثر خداعًا هو استخدام الواجهات الخيرية والإعلامية، حَيثُ تتحول جمعيات الإغاثة وقنوات التواصل إلى أقنعة لعملاء الظلام.

إنه فساد منظم يرتدي ثوب المحسن ويحمل قلم الصحفي، مما يؤكّـد أنه لا توجد خطوط حمراء في هذا الصراع الوجودي سوى خدمة المشروع الاستعماري بكل الوسائل الممكنة.

الهدف المعلن، المتمثل في جمع المعلومات، ما هو إلا ستارة رقيقة تخفي الهدف الحقيقي والأكثر عمقًا والأشد فتكًا: تدمير إرادَة المقاومة وتحطيم التماسك المجتمعي من جذوره.

إنها حرب على النسيج الاجتماعي نفسه، تهدف إلى تحويل المجتمعات من كتل صلبة من التضامن والتضحية إلى مجموعة من الذرات المتناثرة المليئة بالشك والخوف.

إنها عملية زرع منهجية لبذور الريبة بين الجار وجاره، والصديق وصديقه، بل وأحيانًا بين أفراد الأسرة الواحدة؛ مما يقوض ثقافة الثقة التي هي أَسَاس أي مجتمع مقاوم.

إنها تحاول تحويل الإنسان من كائن مؤمن بقضية ومستعد للتضحية؛ مِن أجلِها، إلى سلعة قابلة للشراء بالمال أَو التدمير بالتهديد، وبذلك تُشيع جوًا من الرعب النفسي غير المرئي، حَيثُ يشعر الإنسان أنه مراقب في كُـلّ خطوة، محاصر في كُـلّ خيار، مما يؤدي إلى مراقبة ذاتية قاتلة تُوقف روح المبادرة وتقوض أي احتمال للمقاومة.

إنه إرهاب مؤسّسي لا يصدر صافرات الإنذار، لكنه يُعلَّق في الأجواء ويسمم الحياة اليومية.

ولا يمكن فهم هذه الآلة إلا في إطارها الاستعماري الشامل؛ فهي تعمل كشرطة سرية للمستعمر، تشبه في دورها وأساليبها أجهزة القمع في أبشع حقبات الاستعمار الكلاسيكي.

وظيفتها الرئيسية هي حماية الجسم الغريب المغروس في قلب الأُمَّــة العربية، عبر قمع أي بذرة مقاومة وتفكيك أي شكل من أشكال التماسك الوطني أَو الاجتماعي الذي قد يهدّد هيمنة المشروع الاستعماري.

إن نشاطها المكثّـف في الأراضي المحتلّة عام 1967م هو امتداد طبيعي لسياسة الاحتلال والضم، لكن بأدوات أكثر خبثًا وأقل ظهورًا.

فهي تكمل عمل الجندي في الحواجز والجرافة في هدم المنازل، لكنها تفعل ذلك في العقل والقلب.

إنها أدَاة لاستمرار الاحتلال بوسائل أُخرى، تهدف إلى إخضاع العقول قبل الأجساد، وإلى تحطيم الروح المعنوية للمجتمع ليكون الاحتلال مصيرًا مقبولًا لا قدرة على رفضه.

إنها حرب تستهدف تاريخ الهوية وذاكرة الشعب وقدرته على الحلم بالمستقبل.

إن هزيمة هذه الوحدة تبدأ عندما يرفض الإنسان أن يتحول إلى رقم في معادلاتها، أَو سلعة في أسواقها.

وصمود المجتمع ووعيه هما المرآة التي تعكس قبح هذه الآلة الإجرامية وهشاشة المشروع الذي تخدمه.

فالكيان الذي يضطر للاعتماد على استغلال جوع الطفل أَو مرض العجوز أَو حنين المغترب لضمان أمنه، هو كيان يعترف بهشاشته العميقة رغم كُـلّ أدوات القوة الظاهرية.

إنه وحش ضخم يقف على أقدام من طين، طين الخديعة والفساد الأخلاقي الذي لا يمكن أن يصمد أمام صلابة الحق وإرادَة الشعوب الحرة.

فالوعي هو السلاح الأول الذي يجعل من كُـلّ فرد حارسًا على وطنه، ومن كُـلّ نظرة شك سيفًا يقطع الطريق على عملاء الظلام.

وهذه المعركة، وإن كانت خفية، فَــإنَّ نتائجها تُحدّد مصير المعارك الظاهرة؛ فالأمة التي تحفظ تماسكها الداخلي وتصون ثقتها بنفسها وتحمي نقاء قضيتها، هي أُمَّـة قادرة على هزيمة كُـلّ أدوات الاختراق وُصُـولًا إلى التحرير الشامل.