• العنوان:
    بعد فشل جولات.. هل سينجح العدوّ بعد هيكلته الجديدة لأدواته في المحافظات الجنوبية؟
  • المدة:
    00:00:00
  • الوصف:
  • التصنيفات:
    مقالات
  • كلمات مفتاحية:

إذَا ما تأمل الإنسان الواعي المدرك لخلفية ما يجري في جنوب اليمن المحتلّ، وبالتحديد في حضرموت والمهرة، يجده محاولة من قوى العدوان السعوديّ والإماراتي، وبهندسة صهيونية أمريكية، لخلط الأوراق وإعادة ترتيبها وفق هيكلة جديدة لخوض معركة قادمة وطويلة الأمد ضد اليمنيين، تتصدرها الأدوات المحلية، ويتخفى خلف كواليسها الوكلاء الإقليميون مع دعم خفي وظاهر بين الفينة والأُخرى من الراعي الرسمي الأمريكي والصهيوني.


كيف ذلك؟

يحاول العدوّ الأمريكي والصهيوني وأدواتهما السعوديّة والإمارات إعادة الحرب على اليمن لكن بطريقة أُخرى، طريقة مختلفة عن سابقاتها من الحروب والجولات، بحيث لا يكون السعوديّ والإماراتي طرفين مباشرين في الحرب كما في الجولة السابقة، وقد لا نرى طائرات حربية سعوديّة وإماراتية، بل طائرات تحت طابع جنوبي يمسك بزمام عمليات تشغيلها العدوّ الإسرائيلي والأمريكي.

لماذا؟

لأن السعوديّ والإماراتي يعلمان علم اليقين أن صنعاء تمتلك من القدرات والمقومات ما يمثل تهديدًا ليس على المصالح الغربية في الدول الخليجية فحسب، بل على بنية الأنظمة الرجعية الحاكمة على رقاب الشعوب في الجزيرة العربية، لذا يحاولان الوقوف موقف المتفرج مدعيَّي "الحيادية" مع تحفظ ورد فعل من حين لآخر إذَا ما تعرضا لأية عملية من صنعاء، لا لشيء إلا لرسم صورة على أنهما قوتان إقليميتان ليستا أمام اليمن فحسب بل أمام شعوبهما لإخافتها، وإظهار شيءٍ ما على أنهما تقفان في حيادية ولا تهاجمان إلا إذَا ما هوجمتا.

مع العلم أن هذه الهندسة الدراماتيكية التي تحدث حَـاليًّا في المحافظات الجنوبية المحتلّة، وهي برعاية صهيونية أمريكية، هي خلط أوراق أدوات العدوان نفسها وإعادة برمجتها وتشكيلها وفق ما يريده الصهيوني لا أكثر، بحيث يفسحون المجال لمجلس الانتقالي، أَو بالأحرى مجلس الارتزاق الجنوبي، من السيطرة الكاملة على الجنوب مع إظهار المشهد وكأن الأمر خارج عن السيطرة، وذلك من خلال مناوشات عسكرية طفيفة كما حدث في وادي حضرموت وسيئون وغيرها، لإخفاء حقيقة التسليم والاستلام التي تحدث.

وأيهام القبائل الجنوبية المعارضة لذلك أن هناك فعلًا معركة تجري لاستعادة وتحرير الدولة الجنوبية، في حين تتكفل السعوديّة بتهدئة زعماء القبائل المعارضة لتمهد لمرتزِقة الانتقالي بالتمديد حتى يكتمل مشهد السيطرة الوهمية على مصادر الطاقة والمؤسّسات المدنية والعسكرية في حضرموت والمهرة، كما حدث مع رئيس حلف قبائل حضرموت "بن حبيش" حين سارع العدوّ السعوديّ لاختيارهم بإبرام اتّفاق تحت ضغوط كبيرة يقضي بالانسحاب من المنشآت النفطية وتسليمها لقوات حماية المنشآت، التي بدورها قامت بتسليمها لقوات مجلس الارتزاق الجنوبي.

ما بعد سيطرة مجلس مرتزِقة الانتقالي على كامل الجنوب يُدفع به لإعلان دولة (الجنوب العربي) كما يسمونها، في حين يتم إسكات بقية حمقى الارتزاق بالقول إن هذا حق تقرير المصير وأن الجنوبيين لهم حق تقرير مصيرهم بأنفسهم، في حين ما تبقى من شمال اليمن في تعز ومأرب سيدخل تحت الحكم الذاتي في دولة اليمن الجنوبية حتى يتم استعادة – كما يطلقون عليه – صنعاء وبقية ربوع اليمن الحرة حَـاليًّا، وقد طرح هذا المخطّط قبل أشهر أظهره المرتزِق عيدروس في مقابلة تلفزيونية لإحدى القنوات الغربية.

هنا، بعد تقسيم اليمن وإعلان "الدولة الجنوبية"، يأتي الدور الأهم وهو إطباق الحصار على صنعاء مع تنصل السعوديّ والإماراتي وهروبهم من الالتزامات السابقة تجاه صنعاء، مما قد يدفع بصنعاء لإطلاق معركة التحرير، في حين يظهر العدوّ الصهيوني في المشهد كحليف وشريك جديد لعيدروس حتى يصرف النظر عن الممولين الحقيقيين للحرب.

وهنا قد يتساءل البعض: لماذا تم إقصاء حكومة الارتزاق وبناء هذا السيناريو المطول، في حين كان الأسهل والأنسب دعم حكومة المرتزِق العليمي وأقرانه؟

حسنًا، نأتي إلى الجواب:

يدرك جيِّدًا العدوّ الصهيوني والأمريكي، على خلاف وكلائه الإقليميين، أنه لا يوجد التفاف حقيقي من قبل أبناء الشعب اليمني حول شرعية حكومة الارتزاق التي يرفض الجنوبيون القتال تحت لوائها، ويدرك أَيْـضًا أنه لا حرب بدون وقود بشري ومشروع تلتف حوله القوى والمجتمعات الجنوبية، فمشروع إعادة الشرعية الذي يرفضونه بالأَسَاس لم ينطلِ عليهم، لذا يحاولون بناء قيادة جديدة يلتف حولها الجنوبيون المتبقون خارج سيطرة الدولة اليمنية في صنعاء، وذلك من خلال استحضار مشروع قديم جديد هو استعادة الدولة الجنوبية، ليشحذ المجتمعات الجنوبية للزج بهم في مواجهة الدولة في صنعاء تحت مسمى الدفاع عن دولتهم الجنوبية.

إن هذه الهندسة الدراماتيكية التي يسعى العدوّ لإدارة حربه الجديدة ضد اليمنيين بعد فشل كُـلّ حروبه العسكرية والاقتصادية السابقة، إذَا ما نظرنا إليها بوعي فذٍّ وعين مستبصرة، قد تنجح مرة وتفشل مرتين: ينجح في إذكاء الصراع القديم الجديد بين اليمنيين، ويفشل في رهانه على المجتمعات الجنوبية في خوض معركة مناطقية، فأغلب القبائل الجنوبية حرة ولا تنخدع بمثل هذه المشاريع الوهمية، ويفشل أَيْـضًا مرة أُخرى؛ لأَنَّه لا يوجد مشروع يضاهي مشروع القيادة في صنعاء، فكل المشاريع تتبخر أمام عظمة وقوة المشروع القرآني الرباني الذي يتجذر في الشعب اليمني قيادةً وشعبًا.