• العنوان:
    لبنان الرسمي وأوهام الدبلوماسية
  • المدة:
    00:00:00
  • الوصف:
    لم يعد لخطاب التهدئة المصطنع الذي انطلق من اجتماع "الناقورة" أي صدى على الأرض، بعد أن تحولت الكلمات الدبلوماسية إلى أوراق توتٍ سقطت أمام رسالة النار والإرهاب التي أطلقها الكيان الصهيوني.
  • التصنيفات:
    مقالات
  • كلمات مفتاحية:

فالإنذارات العسكرية التي استهدفت قرى في الجنوب اللبناني لم تكن سوى توقيع دامٍ على بيان سياسي واضح: الحوار الوحيد المقبول هو "التفاوض تحت النار"، والقوة هي اللغة الوحيدة التي يفهمها المحتلّ.

هذا هو الدرس الذي تكرّره آلة الحرب الصهيونية منذ عقود، لكن بعض الأرواح في أروقة السلطة اللبنانية تتعامى عنه.

فبتصريحاته الصريحة، يؤكّـد نتنياهو أن "نزع سلاح حزب الله أمر إلزامي"، ملوِّحًا بإغراءات اقتصادية وهمية كـ"حلوى مسمومة" تُقدّم في مقبرة.

ليست هذه مقايضة، بل إهانةٌ تستذكرُ منطقَ القوة الاستعماري الذي لا يعترف إلا بمنطق القوة ذاته.

لقد فرض كيان الاحتلال، عبر سنوات من العدوان المتواصل، معادلة مرعبة في الوعي السياسي العربي واللبناني: التفاوض من موقع الضعف، والقبول بالهزيمة كأمر واقع، والتطبيع مع التهديد كخلفية دائمة للحياة.

لقد حوّل الأمن القومي اللبناني إلى سلعة في سوق المزادات، حَيثُ تُعرض تنازلات اقتصادية وهمية مقابل الاستسلام الأمني والسيادي.

والطلقة الموجهة اليوم هي تذكرة بأن "سيّد المزاد" لا يزال يمسك بالمطرقة.

لكن ما تغفله الحسابات الصهيونية، وما يتعامى عنه بعض اللبنانيين الرسميين، هو أن الأرض قد تغيرت تحت أقدام هذه المعادلة البائدة.

فعلى مدى ثمانية عشر عامًا، بُنيت قوة ردع شعبيّة حقيقية كسرت احتكار العدوّ للقوة، وأعادت رسم حدود الممكن والمستحيل.

لقد سقطت ورقةُ التوت الدبلوماسية، لتظهر الحقيقة العارية: العدوّ لا يفهم إلا لغة الردع، وكل مفاوضات تجري خارج مظلة هذه القوة تكون مضيعة للوقت.

إن الإنذارات العسكرية التي تستهدف عمق الجنوب ليست سوى صرخة غضب عاجزة من آلة حربية أدركت أن سطوتها لم تعد مطلقة.

إنها تريد "نزع السلاح" لأن هذا السلاح أصبح ضمانة الحياة الكريمة والدرع الحامي من مصير مشابه لغزة والضفة.

ولكن دماء الشهداء وتجربة الاحتلال السابقة علمتا اللبنانيين أن السلاح في يد المقاومة الأمينة هو عنوان الحرية، والتنازل عنه توقيع على فقدان الكرامة.

لقد حاول "لبنان الرسمي"، بكل أدواته الدبلوماسية والعلاقات الدولية، كسر هذه المعادلة، ففشل فشلًا ذريعًا.

لأن الدبلوماسية وحدها، بمعزل عن القوة على الأرض، تشبه من يلوح بورقة بيضاء في وجه دبابة.

ففي مقابل كُـلّ حديث عن "المسارين"، يصر العدوّ على أن يريد السلاح فقط، وأنه مستعد لحرق لبنان؛ مِن أجلِه.

لكن في المقابل، هناك يقظة شعبيّة وحصانة وطنية تغرسها المقاومة في الوعي الجمعي.

هناك جيلٌ يعرف أن الحق لا يُسترد بالنواح في المحافل الدولية، بل بالاستعداد الدائم للدفاع عنه.. لقد ولدت معادلة جديدة: ردع متبادل يجعل عدوان العدوّ مكلفًا وخسائره محسوبة.

لقد انتهى زمن الصمت وزمن التفاوض من موقع الاستسلام.

فالمقاومة لم تعد خيارًا بين خيارات، بل أصبحت الشرطَ الأَسَاسي لأي حديث عن سيادة أَو استقلال أَو حياة كريمة.

والعدوّ يدرك ذلك، ولهذا يصيحُ غاضبًا؛ لأنه أمام حقيقة سياسية ونفسية جديدة: سلاح المقاومة يحول أحلامه التوسعية إلى رماد في مهب ريح التحدي والصمود.