• العنوان:
    قمة العشرين الأفريقية: تراجع الهيمنة الأمريكية وملامح نظام دولي جديد
  • المدة:
    00:00:00
  • الوصف:
    خاص | المسيرة نت: شكلت قمة العشرين (G20) التي انعقدت لأول مرة في القارة الأفريقية، وتحديداً في جوهانسبرغ بجنوب أفريقيا، محطة جيوسياسية فارقة تجاوزت حدود الأجندات الاقتصادية التقليدية، وكشفت عمق التحولات في النظام الدولي، وقد تأكدت فيها عزلة الولايات المتحدة كقوة مهيمنة أحادية القطب، لتؤسس لـ "ولادة نظام دولي جديد" تكسر فيه القوى الأخرى الهيمنة الأمريكية.
  • كلمات مفتاحية:

ويرى الخبير في الشؤون الاستراتيجية الدكتور محمد هزيمة، أن انعقاد القمة كان ضعيفاً وعديم التأثير، مرجعاً سبب ذلك إلى الغياب الملحوظ للقوى الاقتصادية الكبرى، ممثلة بالرئيس الأمريكي، إضافة إلى الرئيسين الروسي والصيني. 



ويشير هزيمة في حديثه لقناة المسيرة إلى أن الغياب الأمريكي أسهم في نزع الثقل السياسي عن القمة، مما أتاح المجال لتجلّي الصدامات الإرادية. 

ويضيف: "تجسد تراجع الدور الأمريكي في اعتراض واشنطن الواضح على بيانها الختامي للقمة، والملفت هنا هو الذريعة التي استخدمتها الإدارة الأمريكية، والتي ادعت فيها ممارسة جنوب أفريقيا لـ "التمييز العنصري"، وهذه الذريعة تكشف عن تناقض أخلاقي صارخ للسياسة الأمريكية التي "يمارس رئيسها جريمة بحق الإنسانية، ويغطي حرب إبادة في غزة، حرب قتلت وهجّرت ما يقارب ربع مليون إنسان جلّ ذنبهم أنهم مسلمون". 

ويؤكد الدكتور هزيمة أن الجوهر الحقيقي للاعتراض الأمريكي تمثل في الإشارة إلى قضية فلسطين ضمن البيان، حتى لو لم يقاربها بشكل مباشر، وهذا السلوك يمثل دليلاً دامغاً على "تراجع قدرة أمريكا على السيطرة على العالم"، ويكشف عن طبيعة التدخل المهيمن لواشنطن ومحاولتها المستمرة لـ "فرض الوصاية على القرارات الدولية".

رمزية المكان وتأكيد السيادة الأفريقية

اكتسبت القمة رمزية خاصة كونها أول رئاسة أفريقية لمجموعة العشرين، حيث أكد وزير العلاقات الدولية والتعاون في جنوب أفريقيا أن انعقاد القمة في بلاده يؤكد التزام بريتوريا بـ "بناء عالم قائم على التعاون المتبادل"، كما تعمقت الرمزية بانعقاد القمة بالقرب من سويتو، في إشارة واضحة إلى انتصار الدولة على حقبة الفصل العنصري (الأبارتايد) بعد كفاح طويل. 

وفي سياق متصل، يشدد رئيس تحرير قناة المسيرة، طالب الحسني، أن المقاطعة الأمريكية هي عداء متأصل لجنوب أفريقيا، مؤكداً أن الغياب الأمريكي لم يكن عفوياً، بل كان يهدف إلى محاولة "إفشالها أو خلق حالة من التشويش عليها". 


ويشير الحسني إلى أن التبرير الأمريكي للغياب بزعم "مناهضة البيض" هو "غير مقنع"، ويكشف عن العداء التاريخي لواشنطن ضد حزب المؤتمر الوطني الحاكم، الذي سبق أن صنّفته كـ "حزب إرهابي" بسبب مواقفه المناهضة للفصل العنصري. 

ويضيف: "ازدادت حدة هذا العداء بسبب الموقف المبدئي لجنوب أفريقيا تجاه غزة، وتجسد في مرافعة رئيسها "سيريل رامافوزا" أمام محكمة الجنايات الدولية ضد كيان العدو الصهيوني. 

وفي مواجهة هذا الاستهداف، أكد رامافوزا أن بلاده "لن تسمح لأي شيء بأن يقلل من قيمة ومكانة وتأثير أول رئاسة أفريقية لمجموعة العشرين"، فيما أشار الحسني إلى أن نجاح استضافة القمة ومخرجاتها يُعدّ انتصاراً محسوباً لحزب المؤتمر الوطني الحاكم، ويعيد له الزخم السياسي الداخلي.

واعتمدت قمة قادة مجموعة العشرين في جنوب أفريقيا إعلاناً يتناول أزمة المناخ والتحديات العالمية، وتم إعداد هذا الإعلان "دون مشاركة الولايات المتحدة، وهذه الخطوة وصفتها مصادر البيت الأبيض بأنها رفض من جنوب أفريقيا "لتسهيل الانتقال السلس لمجموعة العشرين" إلى الولايات المتحدة، في رد شبه مباشر على المقاطعة الأمريكية. 

وتضمن الإعلان الختامي نقاطاً محورية تعكس توجهات القوى الدولية نحو التعاون بعيداً عن الهيمنة الأمريكية، ومن أبرزها: "مساعدة الدول النامية في التكيف مع المناخ، والتأكيد على ضرورة دعم الدول النامية لمواجهة تداعيات التغيرات المناخية، وتخفيف أعباء التجويع، والتشديد على اتخاذ خطوات عاجلة لمعالجة أزمة الغذاء العالمية، والتعاون التجاري المفتوح، والدعوة إلى "تعزيز تجارة مفتوحة ومتوازنة واتخاذ خطوات لتحرير التجارة قدر الإمكان من خلال اتفاقيات جديدة تخفض التعريفات الجمركية والحواجز"، وهي إشارة واضحة للرسوم التي فرضتها واشنطن. 

وبالنظر إلى مناقشة القمة قضايا الديون وتنمية أفريقيا، بما يخدم "نهضة الإنسان ورفاهه والنهوض بالبشرية"، يُعدّ التركيز على هذه القضايا مؤشراً واضحاً على ولادة نظام دولي جديد، تتسع دلالاته وتتجسد ملامحه من خلال الصدام السياسي الذي جرى في القمة. 

وعن تداعيات المغامرات الأمريكية، كشفت القمة عن حجم الأزمات المتراكمة التي تعصف بالكتلة الأوروبية، من ضرائب جمركية إلى أزمات مالية فاقمت تدهور "القارة العجوز"، ويُرجع هزيمة هذا التدهور إلى "المغامرات الأمريكية" التي أخرجت أوروبا من واقعها الدولي المستقل، مما يضعف الكتلة الغربية ككل.

رفض أمريكي لعالم متعدد الأقطاب

في هذا السياق يؤكد الدكتور هزيمة أن المشهد الدولي يشهد اليوم "ولادة نظام دولي جديد"، تتشكل ملامحه من "القوى الأوراسية الصاعدة" ومن أي إطار دولي آخر، ما يمثل حالة نهوض عالمي، تُقابل هذه الولادة برفض أمريكي نابع من العقلية التي حكمت مرحلة الأحادية القطبية وأثبتت فشلها الذريع، والتي "لا تقبل أي إطار دولي ناشئ"، حتى لو كان يناقش قضايا إنسانية ومصيرية كالمناخ أو الديون أو تنمية أفريقيا. 

هذا الرفض، المدعوم بالمعارضة الأمريكية لبرامج مواجهة الاحتباس الحراري وعدم إيمان الرئيس الأمريكي بـ "التدخل البشري" في المناخ، كما تجلى بانسحابه من اتفاقية باريس عام 2017م، يضع السياسة الأمريكية تحت مجهر النقد، ويفضح "العقلية الاستعمارية القائمة على السيطرة على الشعوب واستغلال مقدراتها"، حسب الخبير الاستراتيجي محمد هزيمة. 

وتبقى قمة جوهانسبرغ نقطة تحول تؤكد على إصرار القوى الدولية على المضي قدماً في مقاربة التحديات العالمية، حتى في ظل غياب القطب الأكبر، وهذا الإصرار، مع صدور بيان يعكس "توجهاً مناهضاً للسياسات الأمريكية"، ويعزز ملامح نظام دولي يتجه نحو تجاوز الهيمنة الأحادية وكسر العقلية الاستعمارية التي تحاول السيطرة وسرقة الشعوب.