• العنوان:
    الشهداء: بل هم أحياءٌ عند ربهم يُرزَقون
  • المدة:
    00:00:00
  • الوصف:
    إنّ الشهداء هم من صنعوا بأرواحهم الطاهرة شُعاعَ الحريةِ ونبراسَ الكرامةِ التي خلّفوها لنا من بعدِ تضحياتهم الجسيمةِ التي خلّدوا بها معنا العيشَ في ظلِّ الاستقرار الذي لا يتحقّق إلا بالدماءِ الطاهرةِ في ميادينِ سبيلِ اللهِ للدفاعِ عن الأرض والعِرْضِ والمقدسات.
  • التصنيفات:
    مقالات
  • كلمات مفتاحية:

الشهادةُ في سبيلِ اللهِ هي من جسّدت مبادئَ الإسلام والقضايا العادلةَ التي لا ترضى بالوصايةِ والإذلال لأعدائها، أَيْـضًا هي من تنيرُ مصباحَ الحياةِ في الدنيا بتلك الطريقةِ التي رسمت للأجيال أنَّ الشهادةَ هي من تصنعُ المتغيراتِ وتصنعُ الإراداتِ من صميمِ عقيدتها لتعيشَ في الدنيا بعزةٍ وإباء، وإنّ الشهادةَ في سبيلِ اللهِ هي لإعلاءِ كلمتِه والفوزِ العظيمِ في الدنيا والآخرة، وكما قال تعالى: ﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ﴾.

حيث إنّ لولا هؤلاءِ الشهداءِ العظامِ الذين يقدّمون أنفسهم الطاهرةَ لأجلِ حفظِ الأرض والدينِ والممتلكاتِ، لكانَ الأعداء اليومَ يتجرّأونَ على نهبِها ومن ثم تحويلِها إلى مُجَـرّد ساحةٍ منحّتةٍ بالأزماتِ النفسيةِ والمعنويةِ والخسرانِ للدينِ وللمقدساتِ وللعرْض، إلا أنَّ الشهداء قدّموا أرواحهم فداءً لهذهِ القضايا الحرةِ والعدالة.

بل حوّلوا من أنفسهم الشهداءَ حصنًا منيعًا للأُمَّـة ضد بطشِ الأعداء، وها هي اليومَ الساحةُ الإسلاميةُ تترقّبُ بكل وضوحٍ مدى تلك التضحياتِ الجسيمةِ التي قدّمها الشهداءُ الأبرارُ من فلسطينَ واليمنَ والعراقَ وإيران وكلِ أحرار الأُمَّــة، الذين لم يتخلّوا عن نصرةِ الدينِ والدفاعِ عنه، حتى وإن تخلّت أغلبيةُ الشعوبِ والحكوماتِ الإسلاميةِ والعربيةِ عن قضاياها العادلةِ، وعن الجهادِ في سبيلِ اللهِ بالمالِ والنفسِ لحفظِ الأرض والعِرْضِ والمقدسات.

إنّ الشهادةَ في سبيلِ اللهِ هي من حوّلت اليومَ دماءَها الطاهرةَ في الميدانِ إلى منصّاتٍ لإطلاق الصواريخِ والطائراتِ وتحقيقِ الانتصاراتِ العظيمةِ والمشرفةِ، لكي لا يُهزمَ الحقُّ ولا تتحوّلَ أراضينا إلى مُجَـرّد ساحةٍ مفتوحةٍ للغزاةِ الطامعينَ والمحتلّين للأرضِ التي لا تملكُ قوةَ الإرادَة للدفاعِ عن نفسها.

بل إنَّ الشهداءَ العظامَ هم من كانوا يدركون مبكرًا أنَّ الشهادةَ في سبيلِ اللهِ لم تكن خسارةً، بل إنّها فوزٌ عظيمٌ لاتِّخاذ المواقفِ المشرفةِ وإعلاءِ كلمتِه ونصرةِ المظلومِ ولتحمّلِ المسؤوليةِ الدينيةِ والإنسانيةِ لأهميّة العيشِ في ظلِّ الاستجابة للهِ وليسَ الاستجابة لشهواتِ النفسِ أَو الرغباتِ الدنيويةِ التي لا تجني في نهايةِ المطافِ سوى الخزيِ والإهانة في الدنيا والآخرة.

كما أنَّ حبّ الشهادةِ في سبيلِ اللهِ وتربيةَ الأجيال على نهجِها هي من تصنعُ من الأُمَّــة حصنًا منيعًا لا يُستباحُ أَو ينهزمُ أمام قوى الاستكبار العالميِّ أمريكا وكيان الاحتلال، ونحن نرى اليومَ مدى ذلك العزِّ الذي يعيشه محورُ المقاومةِ دون أن يضعفَ أَو يهِنَ أَو يستكينَ أمام التحدياتِ الصعبةِ، حتى وإن كانت مليئةً بالتضحياتِ التي تقدّمُ النفسَ والمالَ رخيصةً لإزهاق الباطلِ ونصرةِ الحقّ.

ونرى أَيْـضًا مدى ذلك الانبطاح الذي يتغلغل بين أوساط الساحةِ الإسلاميةِ والعربيةِ اليومَ بالخنوعِ التامِّ الذي لا تستجيبُ لهُ الأُمَّــة استجابة عمليةً في سبيلِ اللهِ، حتى وإن كانت تُهانُ وتُستباحُ وتُهدرُ دماؤها ظلمًا وهي لا تتحَرّك للمواجهةِ ضد أعداء الإسلام والإنسانيةِ، بل ضد أعداء اللهِ، إنّما تعيشُ حالةَ الهلعِ والفتورِ والتخلّي عن مناصرةِ القضايا العادلةِ.

حيثُ إن اللهَ يقولُ في محكمِ كتابه العزيزِ: ﴿انفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأموالكُمْ وَأنفسكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾. أَيْـضًا يقولُ اللهُ تعالى عن كُـلّ من يتنصّلُ عن مسؤوليةِ الجهادِ في سبيلِ اللَّهِ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ ۚ أَرَضِيتُم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ ۚ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ﴾.

وهكذا «الله تعالى» حذّر من التفريطِ والتنصّلِ والتخاذلِ؛ بقصدِ أنه مهما بلغت المتعةُ في الدنيا فهي في الأخير لا تُسَوّي شيئًا أمام ما يأمُركَ اللهُ بأن تستجيبَ له وأنت مستشعرٌ للمسؤوليةِ الإلهيةِ لتبذلَ الغاليَ والنفيسَ لإعلاءِ كلمةِ اللهِ ونصرةِ المستضعفين من عباده.

وها هي اليومَ أغلبيةُ الشعوبِ الإسلاميةِ التي تخلّت عن دينها نتيجةَ التفريطِ والتنصّلِ عن المسؤوليةِ الدينيةِ تتحمّلُ عبءَ ذلك التخاذلِ والانهزامِ النفسيِّ والمعنويِّ الذي كبّلَها عن حمايةِ حتى نفسها قبل أن تستجيبَ لنصرةِ «اللهِ» المظلوم.

إنّ الشهداء توّجوا مسيرةَ حياتهم بالانتصاراتِ العظيمةِ والمشرفةِ التي حفظت ماءَ وجهِ هذهِ الأُمَّــة بأكملها حتى وإن تخلى عنها الجميعُ وسُطِّروا في التاريخِ مواقفَ العزِّ والكرامةِ والإباءِ والعدالةِ والشرفِ التي يحكيها الواقعُ اليومَ لكلِّ الأجيال الناشئةِ من رحمِ المعاناةِ إلى أحضانِ الحرية.

ختامًا: إنّ الأُمَّــة التي تتحَرّك حسبَ ما جاءَ في القرآن الكريمِ الذي يُربّي الأُمَّــة على المواجهةِ لأعداء اللهِ، فهي الأُمَّــة التي ستحظى برضى اللهِ، وستحفظَ دينَها ومقدساتِها وقضاياها العادلةَ؛ أمّا الأُمَّــة التي لا تستجيبُ لكتابِ اللهِ ولا تعشقُ الشهادةَ في سبيلِه فهي من ستصبحُ ذليلةً مهوَّنةً طوالَ التاريخِ بل حتى أنها ستروي لأجيالها ذلك الانبطاح والخنوعَ التامَّ دون موقفٍ مشرفٍ.