• العنوان:
    خطاب السيد عبدالملك الحوثي.. رؤية قرآنية للمواجهة والتحرير
  • المدة:
    00:00:00
  • الوصف:
    في زمنٍ تتشابك فيه المفاهيم، وتتداخل الخطابات، ويغيب فيه الوضوحُ أحيانًا عن المشهد السياسي، يبرُزُ خطابُ سماحة القائد السيد عبدالملك الحوثي كأنموذجٍ نادر للخطاب السياسي الإسلامي المتماسك، الذي لا يكتفي بالتفاعل مع الأحداث، بل يصنع الوعي، ويقود المواجهة، ويُعيد تعريف العلاقة بين الإيمان والعمل السياسي.
  • التصنيفات:
    مقالات
  • كلمات مفتاحية:

عبير عبدالحكيم الجنيد

خطابُ السيد الحوثي مشروع فكريٌّ استراتيجيٌّ متكامل، يستمد مرجعيته من القرآن الكريم، ويستند إلى رؤيةٍ إيمانيةٍ عميقةٍ ترى في "الشهادة في سبيل الله" فوزًا عظيمًا، وحياةً حقيقيةً لا تنتهي بانتهاء النفس، وليس هو مُجَـرّد كلمات تُلقى في مناسبةٍ أَو ردّة فعلٍ على تطور ميداني.

عقيدة تُقاوم، وسياسة تُحرّر

يرتكزُ الخطابُ الحوثي على بُعدٍ إيماني صُلب، يُعيدُ بناء وعي الفرد والمجتمع على أَسَاس الإيمان بالله، والثقة بالنصر، ورفض الخنوع.

فسماحته لا يفصلُ بين العبادة والجهاد، يجعل من الوعي أَسَاسًا للمواجهة، ومن القرآن دليلًا استراتيجيًّا لا مُجَـرّد مصدرٍ روحي.

وفي قراءته الدقيقة للواقع، لا يتردّد السيد الحوثي في تسمية الأعداء: المشروع الصهيوني عدوٌّ وجودي للأُمَّـة، والولايات المتحدة وبريطانيا داعمان أَسَاسيان له، بينما يُعدّ التطبيع العربي خيانةً لدماء الشهداء وقضية الأُمَّــة المركَزية.

هذا الوضوح لا يجدُه القارئ في كثيرٍ من الخطابات السياسية المتردّدة أَو المُلتبسة.

المقاومة: استراتيجية شاملة

ما يميّز خطاب سماحته هو تبنّيه لرؤية "المقاومة الشاملة"، التي لا تقتصر على البندقية والميدان، بل تمتدّ إلى الثقافة، والإعلام، والبناء الداخلي.

فالمقاومة عنده ثقافةٌ تُزرع في الوعي، لا مُجَـرّد ردّ فعلٍ عسكري.

وهو يحوّل التجاربُ الميدانية إلى دروسٍ استراتيجية، ويستثمرُ الهدن المؤقّتة في التحضّر والتأهّب، لا في التراخي أَو الاغترار.

وفي مواجهة الحرب الإعلامية الشرسة التي تستهدفُ تشويه صورة المقاومة، يقدم سماحته روايةً بديلةً، واضحةً، مستمدةً من منظورٍ إسلاميٍّ أصيل، تعيد تعريف الصراع ليس؛ باعتبَاره صراعًا جغرافيًّا أَو سياسيًّا فحسب، بل صراعَ حقٍّ وباطل، وصراعَ إيمانٍ وكفر.

عقلٌ حرّ، وأمةٌ واعية

من أبرز ملامح خطابه أَيْـضًا تركيزُه على "تحرير العقل المسلم" من ثقافة الخوف، والانهزام، والاستسلام.

فسماحته يدعو إلى حمل السلاح، وقبلُ ذلك بناء إنسان مقاومٍ فكريًّا، واثقٍ من قضيته، قادرٍ على التفكير، والتحليل، والمبادرة.

ومن هنا، يصبح البناء الداخلي جزءًا لا يتجزأ من مشروع المواجهة: بناء الشخصية المسلمة الواعية، المؤمنة، الصابرة، التي لا تنكسر أمام المؤامرات، ولا تنجرّ وراء الإغراءات.

توازنٌ نادر بين الثبات والمرونة

في خطابه، نجد توازنًا نادرًا بين الحماسة الثورية والرؤية الواقعية.

فهو يحثّ على الجهاد، ولا يهمل التخطيط.

ويُلهِب الهمم، ولا يغفل عن التنظيم.

ويتحدث عن النصر الإلهي، ولا يُهمل الأخذ بالأسباب.

هذا التوازن هو ما يجعل خطابه قابلًا للترجمة على الأرض، لا مُجَـرّد شعاراتٍ عاطفيةٍ زائلة.

خاتمة: قرآنٌ يقود.. ووعيٌ يقاوم

باختصار، يمثل خطاب السيد عبدالملك الحوثي نموذجًا للقيادة الإسلامية الواعية التي تقرأ الواقع بعين الإيمان، وتُخطط للمستقبل بعقل استراتيجي، وتحَرّك الأُمَّــة بخطابٍ يجمع بين الأصالة والمعاصرة.

إنه خطاب يُعلِن التحرير ولا يكتفي بالدفاع، يبني المستقبل ولا يكتفي بالردّ.

وفي عالمٍ يبحثُ عن هُويةٍ وقيادةٍ ومشروعٍ تحرّري حقيقي، يبقى هذا الخطاب مرجعًا لمن يريد أن يفهم كيف تكون المقاومة عقيدةً، والسياسةُ عبادةً، والنصرُ وعدًا إلهيًّا لا بدّ أن يتحقّق.