في هذا السياق، قدم أستاذ العلاقات الدولية الدكتور علي بيضون قراءة معمقة لمآلات هذه الضغوط حجم هذه المخاطر وتكشف عن آليات واشنطن في فرض الإرادة على بيروت، من خلال الضغط للتفاوض المباشر مع كيان العدو، والتدخل في الشأن الداخلي والانتخابي، بهدف رئيسي هو نزع سلاح المقاومة وإعادة رسم المشهد السياسي بما يخدم الأجندة التوسعية.

وأكد الدكتور بيضون في حديثة لقناة المسيرة، صباح اليوم، أن العدو الصهيوأمريكي يستخدم وقف الإبادة في غزة، ووقف الغارات على جنوب لبنان، كغطاء لتوسيع الاستباحة، وإضعاف المقاومة الفلسطينية، مع الاستعداد لتمرير مشاريع التطبيع التي تستهدف تقييد السيادة الوطنية للدول العربية، وعلى رأسها لبنان.

وأضاف أن هذا السيناريو يتكرر في لبنان، حيث يسعى الأمريكيون وحلفاؤهم إلى فرض مفاوضات مباشرة مع كيان العدو الصهيوني، تهدف أساسًا إلى إخضاع لبنان للمسار الأمريكي-الصهيوني، ومحاولات نزع سلاح المقاومة تحت ذرائع سياسية وأمنية واهية.

وأشار  إلى أن لبنان يقف اليوم في موقف سياسي معقد، بين الدفاع عن حقوقه السيادية وبين الضغوط الأمريكية المستمرة لإعادته إلى مسار التفاوض المباشر مع كيان العدو الصهيوني، مبيناً أن الرئيس ميشال عون أعلن في تصريحات سابقة أن لبنان أمام خيار التفاوض، وهو موقف يعكس محاولات الولايات المتحدة فرض إرادتها على الدولة اللبنانية، وإخضاعها لمخطط نزع سلاح المقاومة مقابل وعود أمنية غير قابلة للتحقق.

ولفت إلى أن الاتفاقات الرسمية على توسيع دائرة المشاركة في لجنة المكنسة، بما يشمل الخبراء المدنيين والعسكريين، كانت مشروطة بوقف الاعتداءات والخروقات الصهيونية، وهو شرط لم يتحقق حتى الآن، ما يجعل لبنان مضطرًا للدخول في مفاوضات غير متكافئة مع كيان العدو الصهيوني، في ظل غياب مواقف دولية فعالة للضغط على الاحتلال.

وكشف أن رسائل شديدة اللهجة وصلت إلى الرؤساء الثلاثة، تلخص الموقف الأمريكي بوضوح، مؤكدًا أن واشنطن ترفض أي تأجيل أو مراوغة، وتضغط لإجبار لبنان على التفاوض المباشر.

وأعتبر إلى التصريحات الساخرة التي أطلقها بعض المسؤولين الأمريكيين، والتي تشير إلى ضرورة الاتصال المباشر بين الرئيس عون ورئيس حكومة كيان العدو الصهيوني، في مؤشر على سقف الضغوط المفروضة من واشنطن، هدفها النهائي تمرير اتفاقيات صلح على حساب سلاح المقاومة والسيادة اللبنانية.

ضغوط تقيد القرار الوطني وخيار المقاومة

في هذا المسار أوضح بيضون أن الضغوط الأمريكية لا تتوقف عند حدود المفاوضات، بل تمتد لتشمل الانتخابات النيابية والتعيينات في المؤسسات الحكومية والأمنية، في محاولة لإعادة رسم المشهد السياسي بما يخدم الأجندة الأمريكية-الصهيونية، ويضعف أي قدرة للمقاومة على التأثير السياسي الداخلي.

كما أشار إلى تدخل واشنطن في تعديل القانون الانتخابي لصالح محورها في لبنان، بما يضمن الهيمنة على المجلس النيابي والتحكم في اتخاذ القرارات المصيرية، بما في ذلك التفاوض مع كيان العدو الصهيوني على السيادة والموارد الوطنية.

ولفت إلى أن غياب موقف أوروبي فعّال، وخصوصًا الفرنسي، يمنح الولايات المتحدة هامشًا أكبر لممارسة ضغوطها على لبنان، بما يزيد من احتمال تحويل لبنان إلى ساحة للتنازلات الأمريكية-الصهيونية، مع ما يترتب على ذلك من تهديد للاستقرار الداخلي وتفاقم المخاطر الأمنية والاقتصادية والاجتماعية، بما في ذلك احتمالات النزوح والتهجير الجماعي للمدنيين، وتكرار سيناريو أزمة اللاجئين السوريين.

وخلص الدكتور بيضون إلى أن لبنان أمام اختبار حقيقي، يتطلب الثبات على ثوابت المقاومة وعدم السماح لأي مشروع أمريكي-صهيوني بفرض تنازلات على حساب السيادة الوطنية، مؤكدًا أن أي مفاوضات أو إجراءات لا تراعي حماية سلاح المقاومة وحقوق لبنان ستكون بمثابة خيانة للسيادة الوطنية ولن تمر.

 وأوضح أن المقاومة، سواء في فلسطين أو لبنان، تمثل الحائط الأخير الذي يوقف المشاريع الأمريكية-الصهيونية في المنطقة، وأن التمسك بالحقوق الوطنية والشرعية العسكرية والسياسية هو الضمانة الوحيدة لصد محاولات الهيمنة والحد من التوسع والسيطرة والاستباحة.