• العنوان:
    السعودية أمام صبر اليمن ثم زنده
  • المدة:
    00:00:00
  • الوصف:
    لقد طوت الأيّام صفحة العدوان الطويل، وكشفت الأستار عن حقيقة النهاية المُرّة لمن بدأ الحرب بـ "عاصفة الوهم" المزعومة.
  • التصنيفات:
    مقالات
  • كلمات مفتاحية:

اليوم، لا تُفاوض الرياض من موقع القوة أَو الغلبة، بل تجلس على مقعد المبعوث الأممي شاهدًا أخرس على اعتراف عمليٍّ بفشل الأهداف.

إنّ التراجع السعوديّ عن الاشتراطات التعجيزية، والهرولة نحو التهدئة لإنقاذ العمق الاستراتيجي المهدّد من الضربات المتوالية، ليست منَّة سلام أَو بادرة حسن نية، بل هي اعتراف ندم مدفوع ثمنه باهظًا من خزائن المملكة وسُمعتها الدولية التي اهتزت عالميًّا، وهو ثمنٌ تفرضه حقائق الميدان وقوة الردع التي أثبتت جدارتها، وليس مُجَـرّد حسابات سياسية عابرة.

لقد ظن المعتدي أن اليمن لقمة سائغة، وأن الحرب ستنتهي في أسابيع معدودة، فاستقوى بالمال والسلاح الأجنبي، وغفل عن حكمة القرآن التي تُذكّرنا بقانون إلهي ثابت: ﴿كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾ (البقرة: 249).

هذا الصبر اليمني الأُسطوري، الممزوج بالإيمان والتضحية، والمُستمد من تاريخ حافل بالعزة، هو الذي سحق كبرياء المملكة المزعوم على صخور الجبال وفي سهول تهامة، وحوّل الحصار إلى حافز لامتلاك القوة.

فبينما كانت الرياض تبني جبهتها على مرتزِقة ووعود أمريكية واهية بالتفوق الجوي، بنى اليمنيون جبهتهم على مبدأ الصمود والتوكل، مستحضرين حكمة متوارثة راسخة في وجدان كُـلّ يمني حر: "لو طال الليل..

يطلع نهار".

لقد أثبت الصبر أنه سلاح أقوى من ترسانة العدوان المادي، وأن إرادَة الشعوب لا تُهزم بالطائرات.

إن جوهر تحليل المشهد التفاوضي اليوم يتلخص في معادلة القوة التي أرغمها الردع الاستراتيجي على طاولة الحوار.

لم تعد المفاوضات سوى صيغة لترتيب وقف خسائر المعتدي وتحديد آلية لإعادة الحقوق المسلوبة إلى اليمن.

إن ملف دفع رواتب موظفي الدولة ورفع الحصار الشامل عن الموانئ والمطارات ليس مطالب سياسية قابلة للمساومة أَو التنازل، بل هي حقوق سيادية انتزعت بقوة المواجهة وَ"الـ 'لا' النفطية" الصارمة التي أوقفت تدفق الثروة المنهوبة.

وهذا الواقع يضع الرياض في موضع لا تحسد عليه، لتؤكّـد الآية الكريمة حقيقة مصير كُـلّ ظالم معتدٍ: ﴿وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أي مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ﴾ (الشعراء: 227).

لقد أثبتت التجربة اليمنية أن القوة الحقيقية ليست في عدد الطائرات، بل في ثبات الإرادَة والسيادة الوطنية.

وبينما تتخبط الرياض في محاولات بائسة لـ "حفظ ماء الوجه" والبحث عن "مخرج آمن" بعد ثماني سنوات عجاف، يتجسد الموقف اليمني الموحد في المثل الشعبي الحكيم الذي يؤمن بأن العزة تُصنع ولا تُوهب: "مَن لَم يُكرِمه عوده (قوته وكيانه)، لَم يُكرِمه الناس".

فبفضل قوة الردع والثبات الميداني، تحولت طاولة المفاوضات إلى منصة لإقرار الهزيمة ودفع ثمن الندم.

اليمن، بصبره وبسالته، يثبت للعالم أن الحقوق تُنتزع ولا تُستجدى، وأن زمن الوصاية قد ولى إلى غير رجعة.