• العنوان:
    تمحوُر الذات.. الصنم الخفي الذي يفتكُ بالإنسان والمسؤول؟
  • المدة:
    00:00:00
  • الوصف:
    يفكّر: من يمدحني؟ من ينتقدني؟ من يعاديني؟ من يصفِّقُ لي؟ الظلمُ من موقع المسؤولية من أخطر أنواع الظلم -هكذا يؤكّـدُ السيدُ القائد-؛ لأّنَّ المسؤولَ إذَا تحَرَّكَ من منطلَقِ ذاتِه منح نفسَه صلاحياتٍ مطلقة، وتبريراتٍ لكل تصرّف، حتى في لحظات الغضب والانفعال.
  • التصنيفات:
    مقالات
  • كلمات مفتاحية:

********************************

        

في خضمِّ الزحام النفسي وتعدُّد المغريات، يُبتلَى كثيرٌ من الناس -خُصُوصًا من يتولّون مواقعَ المسؤولية أَو الشهرة- بداءٍ خفيٍّ من أخطر الأمراض، ألا وهو التمحوُر حول الذات.

ذلك المرضُ الذي لا يُرى في الجسد، لكنه يأكُلُ القلب والعقل معًا، فيحوّل الإنسانَ من عبدٍ لله إلى عبدٍ لنفسه، ومن مُخلِصٍ في عمله إلى أسيرٍ لمكانته وصورته أمام الناس.

السيدُ القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي -حفظه الله- وصف هذه الحالة بدقةٍ حين قال:

"الإنسان حين يتمحورُ حول نفسه، تصبحُ الذاتُ هي الصنمَ الكبيرَ الذي أصبحت كُـلّ اتّجاهاته نحوه في هذه الحياة، بمعنى تُبنى عليها كُـلّ المواقف".

تمحور الإنسان حول الذات يجعله يرى كُـلّ شيء من زاويةٍ واحدة، وهي: نفسه.

يفكّر: من يمدحني؟ من ينتقدني؟ من يعاديني؟ من يصفِّقُ لي؟

وتبدأ حياته كلُّها تدورُ في فلك الأنا، حتى يصبح رضاه وغضبُه مرهونَينِ بما يصدر عن الآخرين نحوه، لا بما يُرضي اللهَ أَو يخدمُ الحق.

هذه الحالة -كما أشار السيد القائد- من أخطر ما يُصيب الإنسان في إيمانه وإنسانيته؛ لأّنَّها تُخرِجُه عن طبيعته الفطرية، وتزرع فيه سوء الظنّ والوساوس، حتى يظنّ أن كُـلّ من حوله يتآمر عليه أَو يتقصَّدُ إساءتَه.

وحين يتولَّى صاحبُها موقعَ المسؤولية، يتحوّل خطرُها من ذاتيٍّ إلى عامٍّ؛ لأّنَّ قراراتِه ومواقفَه تصبحُ محكومةً بنفسيته لا بمبادئه، وبمشاعره لا بمسؤوليته.

الظلمُ من موقع المسؤولية من أخطر أنواع الظلم -هكذا يؤكّـدُ السيدُ القائد-؛ لأّنَّ المسؤولَ إذَا تحَرَّكَ من منطلَقِ ذاتِه منح نفسَه صلاحيات مطلقة، وتبريراتٍ لكل تصرّف، حتى في لحظات الغضب والانفعال.

إن أخطر ما في التمحور حول الذات أنه يقتل روح النصيحة، فمن تمحور حول نفسه لا يقبل التذكير، ولا يطيق النقد، بل يرى في كُـلّ ناصحٍ خصمًا، وفي كُـلّ ملاحظةٍ إساءة.

وهنا يقول الله تعالى: "وإذا قيل له اتقِ اللهَ أخذتْه العزةُ بالإثم" صدق الله العظيم.

وما أشدَّ حاجةَ كُـلّ إنسان، مهما علا شأنه، إلى أن يُراجع نفسه بتواضع، ويُخضعها لله لا للهوى، ويستشعر أنه مسؤول أمام الله قبل أن يكون مسؤولًا أمام الناس.

كم نحن بحاجةٍ إلى العودة لكل محاضرات السيد القائد -حفظه الله- وأن نسمعها ونردّدها دائمًا، فهي ليست مُجَـرّد وعظ، بل هي نداء وعيٍ وإصلاح داخليٍّ نفسيٍّ وجمعيٍّ؛ لأّنَّ التمحور حول الذات مظهرٌ من مظاهر الفساد والانحراف في المواقع الرسمية والاجتماعية والإعلامية.

فحين يتقدّم الأنا على الواجب يختلّ ميزان العدل وتضيع البصيرة.

فلنراجع أنفسنا جميعًا -مسؤولين ومواطنين، إعلاميين وناشطين- فالإخلاص لا يجتمع مع تضخّم الذات، والحق لا يقف في صفّ من جعل من نفسه صنمًا يُعبد من دون الله.

ولنذكر دائمًا قول الله تعالى: "وَمَاْ اللهُ يُرِيْدُ ظُلْمًا للعَالَمِيْنَ" صدق الله العظيم.