• العنوان:
    في غزة.. مفاتيح العودة تُقفل مشاريع التهجير
  • المدة:
    00:00:00
  • الوصف:
    هذه غزة المثخنة بجراح لا يريد لها السفاح والخُذلان أن تندمل، هذه آثار ما فعلت يد العدو وهي تدين آخرين ما يزالون عاجزين عن فعل ما يجب عليهم أن يفعلوه.
  • كلمات مفتاحية:

هذه أسرة أمل، الأم التي أخرجها الباطل من منزل، أعادها الحق إليه، ولكن بمفتاح لم تجد له الأسرة بابًا، وبأمل لم تلقَ لبارقة منه نافذة، وبذكريات لم يعد منها حجر على حجر.

 الأم: "وفتحت بيتي وأخذت أولادي على أساس نرجع نلاقي دارنا، لكن لما صارت الهدنة... رجعنا لا لقينا البيت ولا لقينا حتى الباب الحجري اللي أنتم شايفينه. هذا ليس مجرد حجر يا بناتي، حجر فيه ذكرياتنا، بيتي فيه كل أحلامنا، البيت اللي ربيت فيه أولادي، عشت فيه مع أولادي. هنا الركن هنا عاشوا، هنا أنا ربيتهم، هنا تعلّموا، هنا بكينا، هنا فرحنا... يعني البيت ليس مجرد حجارة."

هذا ناجٍ آخر من إبادة لم تُبْقِ ولم تَذَر. يعود لمنزل مبعثر، يفتح أمام الكاميرا قبضته، ممسكًا بمفاتيح حق لا يتقادم، متمسكًا بسلاح عودة لن يجد النسيان ولا التناسي إليه سبيلًا. يقول الناجي: "المرة السابقة أخذنا مفتاح بيتي ورجعت على أرضي من المحتل، على فلسطين، ورجعت يا أخي، رجعنا نفتح بيوتنا. المرة هذه أخذنا مفاتيحنا معنا على أساس نرجع لبيوتنا المستقرة في غزة. إحنا رجعنا وما لقينا بيت عشان ينفتح بالمفتاح. ما فيش بيت في هذا الوقت. أنا محظوظ بهذا المفتاح، لأنه لا يوجد بيت لأرجع إليه... البيت مستوٍ مع الأرض. مهدم. لا يوجد بيت. لا يوجد شيء. لا يوجد أي شيء داخل البيت. هذا الطريق الأول، وهذا الطريق الثاني الخاص بي. نحن هذا يظل أمل، يظل يعني مسلطًا على رؤوسنا (يقصد الأمل). إحنا عشنا حياتنا فيها، إحنا اتربينا فيها، اتربينا في برّنا، اتربينا في مياهنا، اتربينا في بحرنا، اتربينا في شجرنا، اتربينا في إيه؟ يعني أنت... أنا أنا مش... من جبّانة ومن شاطئ ومن... أنا وُلِدت في الشاطئ وعشت في جبّانة، ولما رحت على الجنوب، مش قادر أستغنى عن أني ما أرجعش على جبّانة. كيف أنا؟ لو بدّي أترك فلسطين كلها، أو أترك قطاع غزة كله... ما بقدر. يعني نحن زي السمك إذا طلعنا من الماء نموت".

هذا السبعيني لم يكن حاله بأعسر من حال كثير من النازحين غيره، سيما أولئك الذين ما يزالون ممنوعين من الوصول إليها، وهم في خيامهم. غارق في احتمالات ما قد يكون حلّ بها، متسائلًا عساهم يجدون فيها رفاهية بقاء أطلال، قد تكون بعض جدران تؤوي، أم أنهم لن يجدوا فيها تَرَف الركام، الذي قد يوفر جزءًا من سقف يغطيهم.

ويقول أحدهم: "يعني إحنا مصير بيوتنا مش عارفين إيش صار فيها، لا تدمّرت ولا ضايلة ولا حاجة. المنطقة تاعتنا، من السكة واطلع، ممنوع أي مخلوق يفوت هناك. يعني إحنا لبّسْنا. نرجع على بيتنا والمفتاح معنا لليوم، بس لسا مش عارفين إيش بدو يصير فينا. مش عارفين بيوتنا موجودة عشان نرجع نفتح بيتنا، ولا ما نرجعش عشان نفتح بيتنا. بنظل طول العمر في الخيمة."

من وسط خيمة متنقلة، وإطراقة قلقة ما تنفك، أم محمد تمسك بمفتاح حق تتشبث به الروح. تقول: "هذا يعني لي حياتي، مستقبلي، ومستقبل ولدي. دم قلبي حطيته في هذا البيت. مش عارفة إن كان باقيًا، والله مش باقيًا. الحمد لله، أستنى أرجع أفتح داري فيه."

فيما مرّوا به من الآلام، ما أبكى العالم كله، وفي تمسكهم بالحق والأمل، ما يعلّم البشرية كلها. أهل غزة، وهم في وسط عواصف اقتلاع تهب من كل اتجاه صوبهم، حُجة على شعوب كل وطن، وأصحاب كل أرض، وأهل كل مُقدَّس، بأن الحق لا يضيع ووراءه مُطالب، وبأن مفتاح العودة قد يحطم نووي الإبادة.