• العنوان:
    كيف صنع اليمنيون اقتصادهم من الصفر؟
  • المدة:
    00:00:00
  • الوصف:
    في عالمٍ تُسقِط فيه الحروبُ الدولَ وتُفكك الاقتصادات، كان اليمن حالةً استثنائية؛ بلدٌ أُريد له أن ينهار تحت نيران العدوان العربي-الأمريكي-الصهيوني الإسرائيلي وحلفائه، لكنه اختار أن ينهض من بين الركام ليصنع اقتصادًا جديدًا من الصفر.
  • التصنيفات:
    مقالات
  • كلمات مفتاحية:

فمن بين الحصار والمجاعة وانقطاع الموارد، وُلدت روح إنتاجية لا تُقهر، أعادت تعريف مفهوم التنمية في زمن الحرب، وجعلت من الاعتماد على الذات استراتيجية وطنية لا شعارًا إعلاميًا.

لقد أراد العدوان أن يُجَوِّع اليمنيين، فإذا بهم يُزرعون قوتهم بأيديهم؛ وأراد أن يُطفئ مصانعهم، فإذا بهم يُشغِّلونها بالإبداع والإرادة. وهكذا تحوّل اليمن من ساحة استهداف إلى مدرسةٍ في الصمود الاقتصادي، ومن بلدٍ محاصر إلى نموذجٍ يُعيد كتابة قواعد الاقتصاد في وجه الحرب والحصار.

رغم العدوان العربي-الأمريكي-الصهيوني الإسرائيلي وحلفائه، ورغم ما رافقه من حصار خانق استهدف الاقتصاد اليمني في كل مفاصله، إلا أن اليمن لم ينكسر، بل استطاع أن يحوّل التحدي إلى دافع، والحصار إلى محرّك إبداع، فبدأ من الصفر ليبني اقتصادًا وطنيًا مقاوِمًا يعتمد على الذات.

لقد سعى العدوان، منذ انطلاقه، إلى شلّ الحياة الاقتصادية عبر استهداف الموانئ والمطارات والمنشآت الإنتاجية، وإغلاق المنافذ البرية والبحرية، وفرض قيود مالية وتجارية خانقة، في محاولة لتركيع الشعب اليمني وتجويعه. غير أن ما حدث كان عكس ما أرادوه تمامًا: إذ انبثقت من رحم المعاناة روح إنتاجية جديدة أعادت صياغة المفهوم الاقتصادي اليمني على أسس من الاعتماد على الذات والتكامل المجتمعي.

في القطاع الزراعي، تحوّلت الأرض إلى خط الدفاع الأول في معركة الصمود. فبعد أن كان الاستيراد يغطي أكثر من 80% من احتياجات البلاد الغذائية، أعاد اليمنيون الاعتبار للزراعة، فامتلأت الوديان والسهول بالقمح والبقوليات والخضروات، وبرز المزارع اليمني كركيزة أساسية في تحقيق الأمن الغذائي الوطني. لم تعد الزراعة خيارًا موسميًا، بل أصبحت استراتيجية بقاء ومصدر قوة اقتصادية سيادية.

وفي القطاع الصناعي، برزت مئات الورش والمصانع الصغيرة والمتوسطة التي أنتجت بدائل محلية لمواد كانت تُستورد من الخارج، من الصناعات الغذائية إلى مواد البناء والمستلزمات الزراعية. لقد أثبتت التجربة أن "الحاجة أم الاختراع" ليست شعارًا بل حقيقة، وأن الاقتصاد يُبنى بالإرادة والابتكار قبل رأس المال.

أما على صعيد التكنولوجيا والاقتصاد الرقمي، فقد برز الشباب اليمني كقوة فاعلة في مشهد جديد. ظهرت تطبيقات مالية وتجارية محلية، ومشاريع رقمية تُدار بإمكانات ذاتية، لتُعلن أن اليمن حاضر في ميدان اقتصاد المعرفة رغم العزلة التي فُرضت عليه عمدًا.

ولم تكن مؤسسات الدولة الاقتصادية والمالية في صنعاء بمعزل عن هذا الصمود؛ فقد حافظت على استقرار نسبي في السياسة النقدية، ومنعت الانهيار الكامل الذي كان يُراهن عليه العدوان، من خلال إدارة مرنة وواقعية للعرض النقدي وتفعيل الدورة الاقتصادية الداخلية.

إن ما يعيشه اليمن اليوم هو ولادة حقيقية لـ "الاقتصاد المقاوم" — اقتصاد يولد من تحت الركام، ويتنفس من الأرض، ويستمد قوته من الإنسان اليمني نفسه. هذا الاقتصاد لا يستجدي القروض المشروطة ولا يعتمد على المساعدات، بل يقوم على الإبداع والإنتاج والمبادرة الشعبية.

لقد أثبت اليمنيون أن الحصار لا يصنع الضعف بل يُنبت الإرادة، وأن العدوان مهما اشتد لا يمكنه أن يطفئ جذوة الإبداع. فاليمن اليوم لا يواجه العدوان بالسلاح وحده، بل يواجهه أيضًا بالاقتصاد — بالزراعة والصناعة والتكنولوجيا والإنتاج الوطني.

ورغم كل التحديات، كان لقيادة السيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي دور بارز في توجيه السياسات الاقتصادية نحو تعزيز الاكتفاء الذاتي وتشجيع الإنتاج المحلي. فقد حرص القائد على أن يكون الاقتصاد اليمني أداة صمود، لا مجرد أرقام مالية، مؤكّدًا أن قوة الشعب اليمني في قدرته على الإنتاج والابتكار والتكامل بين الجهود الشعبية والرؤية الحكومية. بهذا التوجيه، أصبح الاقتصاد المقاوم نموذجًا حيًا يثبت أن الإرادة الوطنية يمكن أن تتغلب على الحصار والعدوان، وأن اليمنيين قادرون على كتابة مستقبلهم الاقتصادي بأيديهم.

وفي النهاية، يمكن القول إن اليمنيين صنعوا اقتصادهم من الصفر، لا لأنهم أرادوا ذلك فحسب، بل لأنهم أُجبروا عليه، فحولوا الإكراه إلى خيار، والضيق إلى إنجاز.

إنها تجربة تُدرَّس في كيفية تحويل الحصار إلى دافع للبناء، لتبقى اليمن مثالًا على أن الشعوب الحرة تستطيع أن تخلق اقتصادها حتى في زمن العدوان.


تغطيات