• العنوان:
    التربية على الجهاد وطريق النصر
  • المدة:
    00:00:00
  • الوصف:
    إنَّ فيضَ رحمةِ اللهِ الواسعةِ على عبادِهِ تتجلَّى في شرعِهِ الحكيمِ، ومن أسمى مظاهرِ هذهِ الرحمةِ أنْ فرضَ علينا الجهادَ في سبيلِهِ.
  • التصنيفات:
    مقالات
  • كلمات مفتاحية:

قد يستثقلُ البعضُ هذا الفرضَ، وقد تضيقُ بهِ النفوسُ، ويراهُ كُلفةً لا تُطاق، ولكنَّ الحكمةَ الإلهيّةَ المطلقةَ تتجلَّى في قولِهِ تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شيئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّوا شيئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}.

إنَّ اللهَ -سبحانَهُ- يعلمُ ما لا نعلمُ، ويعلمُ أعداءنا وما يدبِّرونَ من مكرٍ وكيدٍ، فكانَ الجهادُ صمامَ أمان وحصنًا منيعًا، وفرضًا إلهيًّا يدفعُ الأُمَّــة إلى معارجِ العزةِ والتمكينِ، ودرعًا واقيًا من الذلِ والهوان.

لقد أثبت التاريخُ الممتدُّ للأُمَّـة، كما تؤكّـدهُ آيات القرآن الكريم، أنَّهُ لمْ تتحقّق للمسلمينَ في تاريخِهمْ الطويلِ غايةٌ نبيلةٌ، ولنْ ترتفعَ لهمْ رايةُ كرامةٍ وعزَّةٍ في حاضرِهمْ ومستقبلِهمْ، إلَّا بامتثالِ أمرِ اللهِ تعالى بالجهادِ في سبيلِهِ.

إنَّهُ هوَ الحلُّ والوحيدُ وكلمةُ السرِّ لدفعِ الأخطارِ المحدقةِ عنِ الأُمَّــة.

فإذا استسلمتِ الأُمَّــة وتخلَّتْ عنْ فريضةِ الجهادِ، فَــإنَّها تكونُ قدْ أعلنتْ الاستسلام لأعدائها طوعًا أَو كرهًا، وفتحتْ لهمْ الأبواب لاحتلال الأرض، وتدنيسِ المقدَّساتِ، وطمسِ الهُويةِ.

وصدقَ اللهُ؛ إذ قال: {إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شيئًا وَاللهُ عَلَى كُـلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}.

إنَّ مقارنةَ حالِ مَنْ يبذلُ ويُعطي ويُضحي بنفسِهِ ومالِهِ في سبيلِ اللهِ، بحالِ مَنْ يستسلمُ للأعداء، تبيِّنُ الفارقَ الهائلَ في العواقبِ والنتائجِ.

صحيحٌ أنَّ الجهادَ يتطلبُ دماءً وجهدًا ومالًا، ولكنْ تأكّـدوا أنَّ فاتورةَ التكلفةِ تكونُ أقل بكثيرٍ منْ فاتورةِ الاستسلام والخضوعِ.

فالاستسلام يعني فقدانَ كُـلّ شيءٍ.

الدينِ الذي هوَ أغلى ما نملكُ، والعرضِ والأرض والكرامةِ، تحتَ نيرِ عدوٍّ لا يعرفُ رحمةً ولا شفقةً ولا عهدًا.

أمّا التضحيةُ في سبيلِ اللهِ، فهيَ استثمار رابحٌ، نتيجُتهُ العزَّةُ الأبديةُ والنصرُ المؤكّـد، إمّا نصرًا وتمكينًا في الدنيا، أَو شهادةً ورضوانًا في الآخرة، وكلاهما فوزٌ عظيمٌ.

إنَّ الأُمَّــة التي تتشبعُ نفوسُ أبنائها بـ التربيةِ على الجهادِ في سبيلِ اللهِ تصبحُ عصيَّةً على أعدائها، كالصخرةِ الصمّاءِ التي تتكسَّرُ عليها أنياب المعتدينَ.

هذهِ التربيةُ الأصيلةُ تغرسُ في الأجيال روحَ العزَّةِ، ورفضَ الذُّلِ والهوانِ، وتقديمَ الواجبِ العظيمِ على الراحةِ الدنيويَّةِ، والبذلَ السخيَّ على الأنانيةِ والشحِّ.

إنَّها تُنشئُ جيلًا يرى الحياةَ مزرعةً للآخرة، والشهادة في سبيلِ اللهِ امنيةً ساميةً تُطلبُ وتُشتاقُ، جيلًا يبيعُ نفسه بثمن لا يساويه إلا الجنة، كما أشارَ لذلكَ الحقُّ سبحانَهُ:{إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أنفسهُمْ وَأموالهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ وَالقرآن وَمَنْ أَوْفَىٰ بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ ۚفَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}.

إنَّ دماءَ الشهداءِ هيَ الزيتُ الذي يُشعلُ سراجَ الأُمَّــة المضيء، وهيَ الغيثُ الذي يُثمرُ نصرًا وعزَّةً لا تزولُ، وتكتبُ فصولَ المجدِ بمدادٍ أحمر قاني.

دماءُ الشهداءِ لها قدرةٌ ربانيَّةٌ على إحياءِ القلوبِ الغافلةِ التي ركنتْ إلى الدنيا، وتبعثُ فيها اليقظةَ والوعيَ من سباتِ طويلٍ، والاستشعار للمسؤوليةِ الملقاةِ على عاتقِ كُـلّ فردٍ.

فكلَّما ارتقى شهيدٌ، ازدادَ الإصرار على المضيِّ في الطريقِ، وتجدَّدتْ العهودُ على حمايةِ الثغورِ، فما أحيا الأُمَّــة بعدَ مواتِها مثلُ دمِ شهيدٍ سكبَ روحَهُ في سبيلِ ربِّهِ، وهو حيٌّ عندَ ربِّهِ كما قالَ تعالى:{وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا ۚ بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ}.

إنَّ الشهادةَ وسامُ شرفٍ ربانيٍّ، اصطفى اللهُ بهِ خيرةَ عبادِهِ، لا ينالُها إلاَّ مَنْ اصطفاهُ اللهُ وعلِمَ صدقَ نيَّتِهِ وثباتَ قلبِهِ ويقينَهُ.

إنَّها منزلةٌ تُنالُ بالعملِ المخلصِ والتضحيةِ الفائقةِ.

ولهذا، لا يمكنُ للأُمَّـة أنْ تحافظَ على دينِها ومقدَّساتِها وأرضِها وعرضِها، إلاَّ إذَا استعادتْ ثقافةَ الجهادِ والاستشهاد في سبيلِ اللهِ لتكونَ جزءًا أصيلًا من كيانِها.

هذهِ الثقافةُ هيَ التي تضعُ حاجزًا منَ النارِ دونَ طمعِ الأعداء، وهيَ التي تجعلُهمْ يفكرونَ ألف مرَّةٍ قبلَ أنْ يمدُّوا أيديهمْ الدنيئةَ إلى مقدَّساتِنا، فإذا شعرَ العدوّ أنَّ خلفَ هذا الجدارِ أُمَّـة عاشقةً للموتِ كما يُحبُّ هوَ الحياةَ، ارتدَّ خاسئًا.

في المقابلِ، فَــإنَّ التقاعسَ والتخاذلَ عنْ فريضةِ الجهادِ لا يجلبُ أمنًا ولا سلامًا، بلْ هوَ خيانةٌ للحقِّ واستجداء لشرِّ الأعداء.

إنَّ الضعفَ والتراخيَ يُحقّق مطامعَ الأعداء، بلْ يجعلُها تطمعُ أكثر فأكثر، فالذئبُ لا يكتفي بالشاةِ المستسلمةِ، بلْ يستشري شرُّهُ كلَّما وجدَ ضعفًا وهشاشةً.

لذلكَ، فَــإنَّ العودةَ الصادقةَ إلى روحِ الجهادِ، والتربيةِ عليهِ، والتضحيةِ في سبيلِهِ، هوَ الطريقُ الأوحدُ لاستردادِ الحقِّ المغتصبِ، وحفظِ الكرامةِ، وضمانِ المستقبلِ لأجيالنا القادمةِ.

إنَّ الجهادَ في سبيلِ اللهِ، بشموليتِهِ وعمقِهِ، هوَ دفاعٌ عنِ الوجودِ والهُويةِ، وهوَ فداءٌ وتضحيةٌ وبذلٌ، وهوَ الطريقُ الذي ارتضاهُ لنا خالقُنا لنكونَ سادةً لهذا الكونِ لا عبيدًا لأحدٍ سواهُ.

فلنتمسَّكْ بهِ لنيلِ العزَّةِ في الدنيا، ورضوانِ اللهِ والجنَّةِ في الآخرة.

تغطيات