وعلى الرغم من إعلان وقف العدوان، شهدت الساعات الأخيرة تواصل القصف المدفعي من قبل آليات الاحتلال في المناطق الشرقية من مدينة دير البلح، وأحياء الزيتون والشجاعية والتفاح في غزة، بالإضافة إلى استهداف المنطقة الجنوبية الشرقية لمدينة خان يونس.

الأمس وحده سجّل ارتقاء شهيدين وإصابة آخرين جراء القصف المدفعي على المنطقة الشرقية من دير البلح ووسط القطاع، فيما واصل الاحتلال عمليات نسف المنازل وتدمير الأحياء السكنية في المنطقة الصفراء، حيث يتمركز جيش الاحتلال على طول الخط الأصفر، مما يعكس استمرار سياسة الترهيب العسكري والضغط النفسي على السكان المدنيين.

إلى جانب ذلك، يتواصل إغلاق معبر رفح البري، الذي كان من المفترض فتحه فوراً بعد 24 ساعة من إعلان وقف العدوان لتسهيل مغادرة المرضى الذين يحتاجون إلى العلاج خارج القطاع، إلا أن الاحتلال قام بتأجيل فتح المعبر لأربع مرات متتالية حتى إشعار آخر، في انتهاك واضح لبنود الاتفاق، ما يعكس تعمد تعطيل الخدمات الإنسانية الأساسية.

وتفاقمت الكارثة الإنسانية في ظل عدم التزام الاحتلال بالكميات المطلوبة من المساعدات الإنسانية، حيث كان من المفترض إدخال ما بين 300 إلى 600 شاحنة يومياً كحد أدنى، إلا أن الواقع يشير إلى انخفاض كبير في الكميات المسموح بها.

كما لم يتم السماح بدخول المعدات الثقيلة والطواقم المتخصصة من البلديات والدفاع المدني والإسعاف، اللازمة لفتح الشوارع ورفع الأنقاض والبحث عن جثامين الشهداء تحت ركام المنازل المدمرة، ما يفاقم معاناة السكان ويؤخر جهود الإغاثة الطارئة.

واقع إنساني مأساوي وتحديات مستمرة

ويبقى الواقع الإنساني في غزة صعباً للغاية، مع أزمات حادة في المياه والغذاء والخدمات الصحية، لا سيما وأن الاحتلال يتعمد تدمير الآبار وشبكات المياه الصالحة للشرب خلال عملياته العسكرية، خصوصاً في مدينة غزة، ما زاد من تفاقم معاناة المواطنين في مناطق متفرقة.

شهدت مدينة غزة عمليات عسكرية برية واسعة، تعد الأكبر والأعنف منذ بدء العدوان، أسفرت عن دمار كامل للأحياء السكنية، وإخراج المنظومة الصحية عن الخدمة، وتدمير البنية التحتية والمعالم الحياتية الأساسية. ورغم هذا الدمار الهائل، عاد السكان إلى وسط المدينة وجنوبها، أصروا على التمسك بمنازلهم حتى في ظل فقدان مقومات الحياة الأساسية، ونصبوا خيامهم فوق ركام المنازل المدمرة في الساحات العامة والشوارع، في مشهد يعكس إرادة الصمود والتشبث بالأرض في مواجهة آلة الحرب.

القطاع الصحي في غزة يواجه حالة شبه انهيار، إذ لا تستطيع المستشفيات تقديم الرعاية الطبية المطلوبة بسبب نقص حاد في الأدوية والمستهلكات الطبية. أكثر من 22 ألف مريض يحتاجون إلى علاج خارج القطاع، واستمرار إغلاق معبر رفح يهدد حياتهم بشكل مباشر، خاصة الفئات الحرجة مثل مرضى السرطان والحالات الطارئة.

بالإضافة إلى ذلك يشهد قطاع غزة نقصاً حاداً في الإمكانيات الطبية والطواقم البشرية المؤهلة، وهو ما يعقد أداء المستشفيات ويؤخر إجراء العمليات الجراحية، ويضع السكان في مواجهة يومية مع مخاطر صحية جسيمة، في ظل استمرار الاحتلال في تضييق الوصول إلى المساعدات والإمدادات الطبية.

وتشمل الأزمات الإنسانية تردياً في البنية التحتية الأساسية، وانقطاع الكهرباء والمياه، وأضراراً جسيمة في المدارس والمرافق العامة، إضافة إلى الضغوط النفسية والاجتماعية الناجمة عن استمرار القصف والخوف الدائم من الاعتداءات العسكرية.

وتعكس هذه الظروف مدى تعمد الاحتلال الإسرائيلي تعميق الأزمة الإنسانية في القطاع، بما يتجاوز مجرد العمليات العسكرية، ليطال منع الحياة الطبيعية وفرض معاناة متواصلة على السكان المدنيين.

على الرغم من الانتهاكات المستمرة والمماطلة في الالتزام ببنود وقف العدوان يواصل سكان قطاع غزة الصمود في مواجهة آلة العدوان، متمسكين بحقهم في الحياة على أرضهم ومنازلهم، ويعكس إرادة شعبية قوية تتحدى كل محاولات الاحتلال لتفريغ القطاع من سكانه، ويبرز الحاجة الملحة للمجتمع الدولي للتدخل الفعلي لضمان تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار وتقديم الدعم الإنساني الكامل.

ولم يتغير شيء في غزة على مدى أيام وقف العدوان الصهيوني غزة ما يضع المجتمع الدولي أمام مسؤولية عاجلة لضمان تنفيذ اتفاق وقف العدوان، وفتح المعابر، وتوفير المساعدات الإنسانية بشكل كامل، مع تزايد الكارثة أكبر تهدد حياة عشرات الآلاف من المدنيين.