• العنوان:
    سبل الحياة وقوى الموت
  • المدة:
    00:00:00
  • الوصف:
    نحن عُشَّاقُ الحياة بمعناها الأعمق والأشمل، لا بمعناها الضيِّق الذي يحصرُه الآخرون في لذةٍ عابرة أَو شهوةٍ زائلة.
  • التصنيفات:
    مقالات
  • كلمات مفتاحية:

إن حبنا للحياة هو إيماننا بكرامتها، وبقدسية الحق والحرية اللتين هما أَسَاس وجودها.

ومن هذا المنطلق، ومن هذا الحب الجوهري، فَـإنَّ اختيارنا لطريق المواجهة لم يكن مُجَـرّد خيارٍ تكتيكي، بل كان قَدَرًا وجوديًّا وضرورةً حتمية.

فنحن نواجه قوى الاستكبار والغطرسة، تلك القوى التي جعلت من نفسها آلهةً على الأرض، تتصرّف بمقدرات الشعوب، وتستعبد الإرادات، وتمتصُّ دماء الحياة؛ مِن أجلِ مصالحها الضيقة.

وهي بهذا لا تكون أعداء لنا فحسب، بل أعداء للحياة نفسها، معاديةً للإنسانية في كرامتها الفطرية، وحربًا على الدين في قيمه التي تحرّر الإنسان وتكرّمه.

وليس بغريب أن يتولّى أمر هذه القوى ويخدم مشروعها "شذاذ الآفاق منافقو العرب والمسلمين".

أُولئك الذين باعوا آخرتهم بدنياهم، وارتَدَوا عباءة الدين ليُموّهوا على البسطاء، بينما قلوبهم وأفعالهم في خدمة أسيادهم من المستكبرين.

إنهم "الشذاذ" ليس لأَنَّهم قلة عددية؛ بل لأَنَّهم شذّوا عن المنهج القويم، وانحرفوا عن الفطرة السليمة، وتمرّدوا على العهود والمواثيق.

هم أشد خطرًا من العدوّ الصريح؛ لأَنَّهم يطعنون الأُمَّــة من داخلها بسكينٍ مغطّى بغلافٍ من الشعارات الزائفة.

نحن نواجه هذا التحالف الظالم؛ لأَنَّهم -مجتمعين- يمثّلون قوى الموت والفساد والانحطاط.

إنهم يريدون للحياة أن تكون غابةً يأكل فيها القوي الضعيف، وللإنسانية أن تكون قطيعًا مُسَيَّرًا لا حول له ولا قوة.

مواجهتنا لهم هي دفاعٌ عن الحياة بمعناها الإنساني السامي، وهي دفاعٌ عن الدين الذي جاء ليقيم العدل ويحرّر الإنسان من عبودية الإنسان.

وهذه المواجهة ليست طريقًا إلى الفناء، بل هي العكس تمامًا؛ فهي الجسر الذي نُعَبِّدُه نحو الحياة الحقيقية.

إن إيماننا الراسخ بأن "حياتنا الأُخرى هي امتداد طبيعيٌّ لحياتنا الدنيا" هو الذي يضفي على كفاحنا هذا معناه العميق.

فما نزرعه هنا من تضحيات، وما نبنيه هنا من قيم، هو رأس مالنا في الحياة الآخرة.

ليست هناك فجوة بين العالمين، بل هناك ترابطٌ وثيقٌ وحتميةٌ سببية: حياة الدنيا هي حقل العمل، وحياة الآخرة هي موسم الحصاد.

من هذا المنظور، فَـإنَّ طريقنا هذا، برغم وعورته وكثرة مخاطره، هو "الطريق الوحيد" الذي يوصل إلى "المستقر الأبدي الآمن"، إلى ذلك المقام الذي لا خوف فيه ولا حزن.

وهو البوابة إلى "الحياة الخالدة التي لا انقطاع لها أبدًا"، إلى "حياة النعيم الخالد" التي وعد بها الصادقون، حَيثُ تتحقّق كُـلّ معاني السعادة والاطمئنان التي يتوق إليها القلب البشري.

هذه الرؤية الشاملة للوجود، وهذه الفلسفة التي تربط بين العمل والعاقبة، وبين الكفاح والجزاء، هي سرّ قوتنا وهُويتنا.

وهي في الوقت نفسه "هذا الكلام الذي لا يفهمه الموتى أبدًا".

فالموتى هنا هم أصحاب القلوب المتحجّرة، والأبصار المعماة، الذين فقدوا حاسة البصيرة، فلم يعودوا يميّزون بين النور والظلام، ولا بين الحياة الحقيقية والموت البطيء.

إنهم يظنون أن طريق السلامة هو في السكوت والاستسلام، غافلين عن أن ذلك هو الموت بعينه.

لذلك جاءت الآية الكريمة لتضع الأمر في نصابه، مقرّرةً سُنّةً إلهيةً لا تتغيّر:

﴿فَإِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَىٰ وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ﴾.

فحقيقة "الموتى" و"الصم" لا تكمن في آذانهم، بل في قلوبهم التي أعرضت وأدبرت.

إنك لا تستطيع أن تمنح البصر لمن أغمض عينيه بإرادته، ولا أن تهدي من اختار الضلال على الهدى.

فحريٌّ بنا، ونحن نمضي في هذا الدرب، ألا نلتفت إلى صيحات اليائسين، ولا نعبأ بتهويل المتردّدين.

فطريقنا واضح المعالم، مضيءٌ باليقين، وعاقبته هي الحياة في أسمى صورها: حياة العزة في الدنيا، وحياة النعيم في الآخرة.

تغطيات