• العنوان:
    رادع العدوان وقاصفُ الكيان.. الشهيد الغُمَاري
  • المدة:
    00:00:00
  • الوصف:
    في حروب المصير، لا تُكتَب النتائج بالأسلحة وحدها، بل بعقولٍ تُعيد صياغة قواعد اللعبة، ومن بين تلك العقول النادرة، يبرز اسمٌ صار رمزًا للتحدي، ومرادفًا للانتصار: الفريق الركن محمد عبد الملك الغماري، القائد الذي لم يكتفِ بقيادة الجبهات، بل صنع المعادلات الاستراتيجية، وحوّل المستحيل إلى واقع ملموس.
  • التصنيفات:
    مقالات
  • كلمات مفتاحية:

من رحم عمران: تشكّل القائد الحديدي

ينحدر الغماري من أسرة عريقة في محافظة عمران، معقل البأس والصمود في اليمن.

في تلك البيئة التي تُربّي الأبطال على القيم الأصيلة والشجاعة، تبلورت شخصيته:

حيدريٌّ في مبدئه، شجاعٌ في ميدانه، مؤمنٌ صادقٌ في عقيدته.

انضم مبكرًا إلى مسيرة الهدى والقرآن، وكان من أوائل المُكبّرين؛ فتعرّض لأقسى أنواع التنكيل والاعتقال في سجون النظام البائد.

شارك في الحروب الست التي شُنّت على صعدة، وكان رأس حربة في الثورة السبتمبرية.

وبدأ مسيرته القيادية من محور الشمال - جازان، نجران، عسير -، حَيثُ تدرّج في السلم الوظيفي بعزيمةٍ لا تلين، وذكاءٍ حادّ، ليس بفضل الصدفة، بل بفضل جهدٍ متواصل، ودراسةٍ عميقة للعلوم العسكرية، وفهمٍ دقيق لطبائع الأرض وأخلاقيات القتال.

رئيس الأركان: مهندس القدرات العسكرية

مع اندلاع عاصفة الحزم وبدء العدوان على اليمن عام 2015، وجد الغماري نفسه في قلب العاصفة، حين كانت البلاد بأمسّ الحاجة إلى قيادة عسكرية قادرة على قيادة معركة البقاء.

وعندما عُيّن رئيسًا لأركان الجيش واللجان الشعبيّة، لم يكن مُجَـرّد مسؤول إداري، بل صار "مهندس القدرات" بامتيَاز.

المهمة كانت شبه مستحيلة:

مواجهة تحالف دولي مسلّح بأحدث الأسلحة، بقواتٍ متنوعة الانتماءات، وأصولٍ بدائية في التسليح والتنظيم.

لكن الغماري أدرك أن سرّ النصر لا يكمن في المواجهة المباشرة فحسب، بل في "هندسة القدرات".

فقاد عملية تحويل "اللاشيء إلى شيء"، وحوّل المجاهدين إلى جيش نظامي يمتلك تكتيكات عصرية.

أشرف على تطوير الصناعة العسكرية المحلية، التي أصبحت لاحقًا مصدر رعبٍ للعدو:

صواريخ باليستية، طائرات مسيرة، زوارق تفجيرية متطورة.

تحت قيادته، تحول الجيش من حالة الدفاع إلى امتلاك قدرات ردع استراتيجية، تجسّدت في صواريخ «بركان» و«ذو الفقار» والصواريخ فرط الصوتية التي زلزلت الكيان، وطائرات «يافا» المسيرة التي وصلت إلى أعماق العدوّ الصهيوني.

قائد القوات: السيد هاشم في ساحة المعركة

لم تكن معارك الغماري تقليدية، بل اعتمدت على رؤية استراتيجية ثاقبة جعلته يُلقّب بـ "سيد هاشم"؛ تكريمًا لحنكته ودهائه العسكري.

وقد ارتكزت خطته على ثلاثة محاور رئيسية:

حرب الاستنزاف: إدارة عمليات متواصلة لاستنزاف موارد العدوّ وقدراته المعنوية.

المعلومات والاستخبارات: بناء شبكة استخباراتية دقيقة جعلت من المستحيل على العدوّ تحريك قوات أَو معدات دون رصدها، مما مكّن من تنفيذ عمليات اصطياد نوعية ضد الأهداف والسفن البحرية.

الحرب النفسية: استخدام الخطاب العسكري والإعلامي ببراعة لرفع معنويات القوات، وكسر شوكة العدوّ، حتى صارت تصريحاته إشارة لبدء معارك جديدة أَو الإعلان عن إنجازات نوعية.

رادع العدوان.. وقاصف الكيان

أثبت الغماري أنه "رادع العدوان" الحقيقي.

فلم تعد القوات المسلحة اليمنية تكتفي بصَدّ الهجمات، بل أصبحت قادرة على فرض معادلات جديدة، وتحويل العمق الاستراتيجي للعدو إلى هدفٍ مكشوف ومهدّد.

كل صاروخ باليستي يضرب "تل أبيب"، وكل طائرة مسيرة تستهدف منشآت حيوية، كان يحمل توقيع "مهندس القدرات" الذي حوّل الحلم إلى حقيقة، والضعف إلى قوة.

وقد نجح في تحويل "الجيش واللجان الشعبيّة" إلى مؤسّسة عسكرية متماسكة، تعمل بروح الفريق الواحد، فصار العمود الفقري للمشروع الوطني اليمني في مواجهة العدوان، ورمزًا للوحدة الوطنية في الساحة العسكرية.

شهيد "طوفان الأقصى": خاتمة مجدٍ لا تُنسى

في معركة الإسناد والدعم لـ "طوفان الأقصى"، كان الغماري رأس حربة في كُـلّ العمليات التي أسندت المقاومة الفلسطينية، وأرعبت العدوّ الصهيوني حتى صار يعيش في رعبٍ دائم داخل ملاجئه.

ما أن يخرجوا منها حتى يعودوا إليها!

وقد وضع هذا التهديد المُستمرّ العدوّ في حالة تأهب قصوى، وجعل من الغماري هدفًا أولًا للاستهداف.

وبمساعدة العملاء والخونة، تمكّن العدوّ من الوصول إليه، فاستُشهد شهيدًا مجيِّدًا، خالدًا، متوجًا مسيرته الجهادية الإيمانية الحيدرية، وواضعًا خاتمةً مشرّفة على حياةٍ كلها عطاءٌ وفداء.

الختام: القائد الذي صنع المعجزة

اللواء الركن محمد عبد الملك الغماري ليس مُجَـرّد قائد عسكري، بل هو ظاهرة استراتيجية تُدرَس في كليات الحرب:

كيف يمكن للإرادَة والفكر أن يهزما تفوق الآلة؟

هو النموذج الذي تصنعه الظروف الصعبة، فتصقله بإرادته ليصنع منها معجزة، من ساحة القتال إلى غرف العمليات، ومن العقول إلى قلوب الملايين من اليمنيين الذين يرون فيه أحد أبرز مهندسي نصرهم.

إرثه هو إرث الصمود، والكرامة، والإيمان.

والأمة، حين تنجب رجالًا من هذا الطراز، فَــإنَّ قدرها - بإذن الله - سيكون النصر.

تغطيات