• العنوان:
    الدمُ المسفوك جسرًا
  • المدة:
    00:00:00
  • الوصف:
    تأمُّل في الماهية الروحية للشهادة كوقود لحركة التحرير نحو القدس (الشهيد محمد الغماري أُنموذجًا)
  • التصنيفات:
    مقالات
  • كلمات مفتاحية:

الشهادةُ في مدرسةِ الأنبياء ليستْ مُجَـرّد نهايةٍ لحياةٍ، بل هي مفتاحٌ قرآنيٌّ يُفتحُ بهِ بابُ النصرِ الحقيقيِّ، ووقودٌ لا ينضبُ لحركةِ التحريرِ المُستمرّةِ.

في اللحظةِ التي يرى فيها المتردّدونَ والمُثبِّطونَ أن التضحيةَ بالنفسِ خسارةٌ وجوديةٌ وفداءٌ عبثيٌّ، يقدمُ لنا الذكرُ الحكيمُ في سورةِ آل عمرانَ تحليلًا وجوديًّا عميقًا ينسفُ هذا المنطقَ الماديَّ، مُعلنًا: ﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ﴾.

هذهِ الآيةُ ليستْ وعدًا غيبيًّا وحسبُ، بل هيَّ رؤيةٌ تشريعيةٌ تُحوِّلُ الدمَ المسفوكَ على طريقِ الحقِّ إلى جسرٍ حقيقيٍّ بين مرحلةِ الاستضعافِ ومرحلةِ العزةِ والتمكينِ.

إنَّ تتبعَ مسارِ المقاومةِ اليمنيةِ، التي وضعتْ "على طريقِ القدسِ شهداء" شعارًا وعقيدةً ومسارًا عمليًّا، يكشفُ أنَّ هذهِ التضحيةَ هي القرارُ السياسيُّ الأسمى الذي يخرجُ الأُمَّــة من دائرةِ التبعيةِ المُهينةِ إلى فضاءِ السيادةِ والكرامةِ.

الشهيدُ القائدُ محمدُ عبدالكريمِ الغماريُّ، كما آلافٌ غيرُهُ ممن ساروا على هذا الدربِ المُضيءِ، يمثلُ هذا الجسرَ المتينَ.

لم يكنْ رحيلُهُ مُجَـرّد رقمٍ عابرٍ في سجلِّ المناضلين، بل كانَ بصمةً حيةً على جدارِ الرفضِ، تُغذي الأجيال بـ "الماهيةِ الروحيةِ للشهادةِ" كفعلٍ مقاومٍ متجددٍ ضدَّ الغطرسةِ الصهيونيةِ والأمريكيةِ.

في سياقِ القضيةِ السياسيةِ الراهنةِ، حَيثُ تتصاعدُ المواجهةُ المباشرةُ وتتضحُ محوريةُ الصراعِ حولَ فلسطينَ كبوصلةٍ للعالمِ، يصبحُ الدمُ المسفوكُ هو العملةَ الوحيدةَ القادرةَ على شطبِ اتّفاقياتِ التطبيعِ والتخاذلِ، وإحياءِ الوعيِ الميّتِ.

الشهيدُ الغماريُّ، بدمِهِ الطاهرِ، هو الشاهدُ الأصدقُ الذي لا يمكنُ للتحليلِ السياسيِّ الماديِّ أنْ يُحاصرهُ أَو يُفسرهُ بعيدًا عن الرؤيةِ القرآنيةِ.

وإليكَ أيُّها الكيانُ الغاصبُ المتهالكُ، أنَّ دماءَ هؤلاءِ الشهداءِ ليستْ نهايةً، بل هيَ بدايةُ نهايتِكَ الحتميةِ.

كُـلّ قطرةِ دمٍ سالتْ على طريقِ القدسِ تتحولُ إلى صاروخٍ موجهٍ نحو عَرشِ كِبرِيائكَ الزائفِ.

فَلْتَرْتَقِبْ، فإنَّ صيرورةَ التاريخِ لا تقبلُ الاستثناء: زوالُكُم حتميٌّ، ونحنُ اليومَ، بدماءِ شهدائِنا وقوةِ إيمانِنا، أقربُ ما نكونُ لتحقيقِ هذا الوعدِ الإلهيِّ.

هذا الدمُ هو العهدُ، وهذا الجسرُ هو الطريقُ، والقدسُ هي المصيرُ.