• العنوان:
    مرحلة الطوفان.. تمييزٌ وفرز
  • المدة:
    00:00:00
  • الوصف:
    ما طوفانُ الأقصى إلا بدايةُ فجر جديد، يذكِّرُ الأمة بأن النصرَ لا يأتي بالتمني والدعاء والكلام فقط، بل بالإعداد والجهاد والتحرك الجاد والفاعل والمؤثر ضمن أمة واحدة وقيادة واحدة.
  • التصنيفات:
    مقالات
  • كلمات مفتاحية:

****************************

        

يقول الله سبحانه وتعالى: ﴿بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الٓمٓ، أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ، وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ﴾ سورة العنكبوت.

ووفقًا لهذه السنة الإلهية الثابتة؛ فإن المراحل التاريخية التي تعصف بالأمة ليست محض حوادث عابرة، بل هي مِحَكٌّ إلهي أراده الله لفرز الصفوف وتمييز الخبيث من الطيب.

إن ما نعيشه اليوم ليس زمانًا هينًا، بل هو "زمن الفتنة الكاشفة" الذي ألقى الضوء الساطع على حقائق غفلنا عنها طويلًا، فُكِشِفَتِ الوجوه، وسَقَطَتْ الأقنعة التي طالما سَتَرَتِ النوايا.

لقد كان هذا طوفان الأقصى المبارك أشبه بـ"صيحة الحق" التي أيقظت النائمين، ومن خلاله علمنا يقينًا: من كان صادقًا مع الله في سريرته وعلانيته، ومن هو المنافق الكاذب الذي اتخذ من ثوب الدين والسياسة سِتْرًا يخفي به خيانته الكبرى، وظل يتاجر في بضاعة الأمة بغير حق.

لم يكن "طوفان الأقصى" مجرد معركة على أرض محددة، بل كان "نقطة فرقان" عظيمة في وعي الأمة جمعاء.

لقد أتى ليضع الناس أمام خيار لا لبس فيه: هذا مع الحق المبين، وذاك مع الباطل الذي زهق؛ هذا {تَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ}، وذاك ارتمى في أحضان الظالمين يرجو نصرهم وبقاءهم.

فصارت الصورة ناصعة: {لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَىٰ مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ}.

لقد أعاد الطوفان إلى قلوبنا إدراكنا الأصيل بأننا أمام معركة عقيدة ووجود، وليست مجرد معركة حدود وجغرافيا تُقَسَّم.

إنه صراع بين مشروع أراده الله لتحرير الإنسان ورفعته، ومشروع شيطاني أزلي غايته زرع الذل والهيمنة على عباد الله الأحرار.

وذكّر هذه الأمة بطريقها المفقود: بأن العزة والكرامة والحرية ليست سلعة تُشترى بفتات المال، ولا هدية تُمنح من موائد الغرب.

بل هي صَنْعَة إيمانية تُحاك بخيوط الثبات والتضحية، وتُروى بدم الأبطال الصادقين.

إنها ثمن غالٍ لا يَدْفَعُهُ إلا الأوفياء.

كانت هذه المرحلة "مرآةً إلهية" عُرضت على الأعين؛ فرأينا الناس على حقيقتهم: منهم ثابت على الحق كالشجرة الطيبة، ومنهم ساقط متعرٍ كالشجرة الخبيثة التي اجتُثَّتْ من فوق الأرض.

ورأينا بأعيننا {الَّذِينَ نَبَذُوا كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ}، وتنكّروا لدينهم وعروبتهم؛ وهم الأنظمة التي باعت قضيتها وتهافتت على التطبيع.

لم تكتفِ بالخِذلان للمظلومين وسكتت - ويا ليتها فعلت!! - ولكنها تخدم العدو بكل وقاحة، وكأنها لا ترى {دِمَاءً تَسِيلُ} ولا أطفالًا تُذْبَحُ، ولا أعراضًا تُنْتَهَكُ وتُسْتَبَاحُ، ولا كرامة تُهْدَرُ أمام أنظار العالم.

وهنا تتجلّى حقيقة ما أخبر به القرآن عن حقيقة بعض العرب، حين وصف بعض الأعراب بأنهم {أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا}.

فهؤلاء كانوا وما زالوا "رأسَ حربة الباطل"، يحاربون كل صوت جهاد، وكل موقف شريف يريد العزة للأمة، وكل صوت ارتفع بوجه أمريكا وإسرائيل.

ولكنهم وأسيادهم وكل أعداء الله {لَن يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذًى}.

إنها لفتنة تمحيص وغربلة، ﴿وَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْـمُنَافِقِينَ﴾ العنكبوت11.

هي اختبار حقيقي بين الإيمان والنفاق، بين الولاء لله وحده والولاء للطغاة.

ومن ثبت على الحق اليوم، فهو من سُيُكْتَبُ له حمل راية النصر غدًا، بإذن الله الذي {لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ}.

فليعلم الجميع أن الطريق واضح بين، و{قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ}.

فإما أن نكون مع الله والحق، وإما أن نكون مع الباطل والضياع.

وما طوفان الأقصى إلا بداية فجر جديد، يذكّر الأمة بأن النصر لا يأتي بالتمني والدعاء والكلام فقط، بل بالإعداد والجهاد والتحرك الجاد والفاعل والمؤثر ضمن أمة واحدة وقيادة واحدة، ونبذ كل عناوين التفرقة والاختلاف بأي مسمًى كانت، وبالصمود والثبات حتى يبلغ النصر مداه.