• العنوان:
    مدخلات الزراعة في اليمن بين شح الموارد وضرورة الاكتفاء الذاتي
  • المدة:
    00:00:00
  • الوصف:
    تُعد الزراعة، التي كانت يوماً عصب الاقتصاد ومصدر فخر اليمن السعيد، اليوم قطاعاً حيوياً ولكنه يواجه تحديات وجودية، لا سيما فيما يتعلق بـ مدخلات الإنتاج الزراعي.
  • التصنيفات:
    مقالات
  • كلمات مفتاحية:

وفي ظل العدوان والحصار والأزمات الاقتصادية والبيئية المتفاقمة، يظل تأمين هذه المدخلات هو المفتاح لتحقيق الأمن الغذائي المنشود.

 

أولاً: الأهمية الإستراتيجية للمدخلات

تشكل مدخلات الزراعة الأساسية – مثل البذور، الأسمدة، المبيدات، وأنظمة الري – الشريان الذي يغذي عملية الإنتاج. فبدونها، يستحيل على المزارع اليمني الصمود أمام تحديات طبيعية وبشرية هائلة.

الأسمدة والمبيدات: يعتمد الإنتاج الزراعي اليمني بشكل كبير على الاستيراد لتوفير الأسمدة الكيماوية والمبيدات. إن الارتفاع المستمر في أسعار هذه المدخلات عالمياً، بالإضافة إلى القيود المفروضة على الواردات بفعل الحصار والاضطرابات في سلاسل الإمداد الدولية (كما حدث إثر الأزمة الأوكرانية)، يؤدي إلى زيادة هائلة في تكلفة الإنتاج على المزارع.

البذور المحسنة: يعاني القطاع من نقص في توفير البذور عالية الجودة والمقاومة للجفاف والآفات، مما يدفع المزارعين إلى استخدام بذور مستوردة أو بذور هجينة قد لا تتناسب بالضرورة مع الظروف المناخية والتربة اليمنية المتنوعة، مما يؤثر سلباً على جودة المحصول وكميته.

تقنيات ومعدات الري: مع تزايد ندرة المياه الجوفية والاعتماد الكبير على الري بالغمر، تبرز الحاجة المُلحة لمدخلات الري الحديثة مثل أنظمة الري بالتنقيط. إلا أن تكلفتها المرتفعة وصعوبة استيراد قطع الغيار تشكل عائقاً أمام تطبيق ممارسات الزراعة الذكية مناخياً.

 

ثانياً: التحديات الجوهرية التي تواجه تأمين المدخلات

الحصار والقيود الاقتصادية: أدى العدوان والحصار إلى تدمير البنية التحتية الزراعية، ورفع تكاليف الشحن، وزيادة الضرائب والرسوم على الواردات، كما أن تقلبات سعر صرف العملة المحلية تجعل شراء المدخلات المستوردة أمراً شبه مستحيل بالنسبة لصغار المزارعين.

التغيرات المناخية ونقص المياه: تعتمد زراعة الحبوب بشكل رئيسي على مياه الأمطار التي تتسم بالتذبذب الشديد. كما تزيد الفيضانات والجفاف من الحاجة إلى مبيدات وأسمدة لمواجهة الأمراض والآفات وتدهور التربة.

غياب التصنيع المحلي: لا يقدم القطاع الصناعي المحلي الدعم اللازم للقطاع الزراعي؛ فاليمن لا يزال يستورد معظم احتياجاته من الأسمدة والمبيدات والآليات، مما يساهم في ضعف إنتاجية القطاع الزراعي بشكل عام.

هجرة الأيدي العاملة ونقص الخبرة: هجرة الشباب من الريف إلى المدينة أو الخارج تبعد جيل الخبرة عن الأرض، وتؤدي إلى تراجع صيانة المدرجات الزراعية.

 

ثالثاً: الحلول والرؤى المستقبلية

لمواجهة هذه التحديات، تبرز ضرورة تبني استراتيجية وطنية شاملة تركز على توطين المدخلات وتقليل الاعتماد على الخارج:

توطين إنتاج المدخلات: يعد التوجه نحو إنتاج المدخلات الزراعية محلياً – من بذور محسنة، وأسمدة عضوية، ومبيدات حيوية – خطوة استراتيجية لرفع مستوى الإنتاج وتحسين جودة المحاصيل، وتقليل فاتورة الاستيراد.

دعم المزارعين والتمويل: يجب خفض تكاليف الإنتاج من خلال تقديم قروض ميسرة وإعفاء المدخلات الأساسية من الرسوم الجمركية، وتنظيم القطاع عبر جمعيات زراعية فعالة.

إدارة الموارد المائية: الاستثمار في مشاريع إعادة تأهيل وبناء السدود المائية، وتطوير وتعميم تقنيات الري الحديثة والمستدامة لتقليل استنزاف المياه الجوفية.

الزراعة التعاقدية: تطبيق نظام الزراعة التعاقدية لضمان التسويق للمزارعين، مما يمنحهم حافزاً لزيادة الإنتاج والتركيز على المحاصيل الإستراتيجية كالحبوب والبقوليات، بدلاً من المحاصيل النقدية ذات الاستهلاك المرتفع للمياه كـ القات.

إن استعادة قوة القطاع الزراعي في اليمن تبدأ بتأمين مدخلاته، وهي خطوة ضرورية ليست فقط لتحقيق الاكتفاء الذاتي، بل لتعزيز الهوية الوطنية وضمان الصمود الاقتصادي أمام كافة المؤامرات والمخططات الخارجية.


تغطيات