• العنوان:
    ملحمة 7 أُكتوبر.. تصويب البُوصلة نحو القضية الفلسطينية
  • المدة:
    00:00:00
  • الوصف:
    الأهميّة الاستراتيجية لهذه المرحلة تكمن في تحوّلها من معركةٍ عسكريةٍ إلى صراعٍ وجوديٍّ حول مستقبل المنطقة والقضايا العادلة التي لا ترضى بالخنوع للجبابرة والطواغيت.
  • التصنيفات:
    مقالات
  • كلمات مفتاحية:

*****************************************

       

تمرّ الذكرى الثانية لـ"7 من أُكتوبر" المجيد، وقد أثبتت هذه الملحمة التاريخية قدرة الإرادَة على إعادة تشكيل المعادلات الإقليمية بأكملها.

ولم يكن ذلك اليوم مُجَـرّد هجوم عسكري، بل كان زلزالًا استراتيجيًّا هزّ أركان المشروع الصهيوني من الجذور، وفرض واقعًا جديدًا يقوم على تكافؤ الردع وانهيار نظرية الأمن الإسرائيلي التي ظلت لعشرة عقود تُسوَّق كحقيقة مطلقة.

لقد نجحت المقاومة الفلسطينية في تحويل المعادلة من مواجهة غير متوقعة إلى حرب استنزاف شاملة، حَيثُ أفشلت كافة الأهداف الإسرائيلية المعلنة.

وعبر آليات قتالية متطورة اعتمدت على الدفاع المتحَرّك في الشبكة الأنفاقية، وتنفيذ كمائن القرب المدمّـرة، واستخدام الأسلحة المتطورة، قدّمت المقاومةُ نموذجًا فريدًا في الصمود، وفرضت تكاليفَ باهظةً على آلة الحرب الإسرائيلية الهشّة.

وعلى الصعيد الإقليمي برز الإسناد اليمني لغزة نقلةً نوعيةً في مفهوم الدعم، من الخطاب إلى الفعل الاستراتيجي الممنهج.

ولم تكن الضربات الصاروخية والمسيرة التي استهدفت العمق الإسرائيلي عملياتٍ عشوائية، بل جاءت ضمن استراتيجيةٍ محكمة تهدف إلى عزل الكيان وإلحاق ضررٍ هيكلي باقتصاده ومكانته الإقليمية.

حيثُ شكّل الحصار البحري اليمني في باب المندب والبحر الأحمر أحد أهم أدوات الضغط الاستراتيجية، التي نجحت في شلّ حركة ميناء "أم الرشراش" بشكلٍ كامل؛ ما كبّد الخزينة الإسرائيلية خسائر مباشرة تُقدّر بعشرات الملايين، كما أجبرت شركات الملاحة العالمية على تغيير مساراتها؛ مما رفع تكاليف الشحن والتأمين بشكلٍ غير مسبوق.

ولم تكن هذه الضربات منفصلةً عن بعضها، بل شكّلت حلقةً متكاملةً من الضغط المتواصل.

فبينما استهدفت الصواريخ والطائرات المسيَّرة المعنوياتَ وأحدثت الانهيار الأمني، عمل الحصار البحري على خنق الشريان الاقتصادي؛ مما خلق أزمة مركّبة يعاني منها الكيان على جميع المستويات.

فكانت النتيجة الحتمية لهذا الحصار متعدّد الجبهات هي هروب رؤوس الأموال والاستثمارات الأجنبية من الاقتصاد الإسرائيلي، حَيثُ أظهرت البيانات إغلاق آلاف الشركات أبوابها، في مؤشرٍ واضحٍ على انتكاسةٍ اقتصاديةٍ كانت تعتمد ميزانيتها بشكلٍ كلي على المساعدات الخارجية لتغطية نفقات الحرب والأضرار الاقتصادية.

لم تكن هذه القدرات اليمنية وليدة اللحظة، بل نتاج تحوّلٍ استراتيجيٍّ عميق في البنية العسكرية، حَيثُ مثّل تطوير الترسانة الصاروخية النوعية -التي تشمل صواريخ بالستية وفرط صوتية- وبناء أسطولٍ مسيَّرٍ هجوميٍّ بعيد المدى نقلةً نوعيةً في القدرات العسكرية، فجعلت من اليمن طرفًا إقليميًّا فاعلًا لا يمكن تجاهله إطلاقًا.

أحدثت هذه المعادلة الجديدة شرخًا عميقًا في المنظومة السياسية والإعلامية الإسرائيلية، حَيثُ انكشف عجز المؤسّسة العسكرية والأمنية عن تحقيق أيٍّ من أهدافها، ولم يعد الحديث عن "القضاء على حماس" أَو "تحرير الأسرى"، بل تحوّل إلى جدالاتٍ حول مسؤوليات الفشل واستحالة تحقيق النصر.

عالميًّا، كسرت هذه المواجهة احتكار الدعم الغربي المطلق لـ (إسرائيل)، حَيثُ أصبحت انتهاكات الكيان ووحشيته موضوعًا رئيسيًّا في الإعلام العالمي، وبدأت موازين القوى الدولية بالتحوّل تدريجيًّا لصالح القضية الفلسطينية، بعد عقودٍ من التهميش والإقصاء.

إلا أنّ الأهميّة الاستراتيجية لهذه المرحلة تكمن في تحوّلها من معركةٍ عسكريةٍ إلى صراعٍ وجوديٍّ حول مستقبل المنطقة والقضايا العادلة التي لا ترضى بالخنوع للجبابرة والطواغيت.

لقد نجح محور المقاومة في تحويل المعادلة من الدفاع إلى الهجوم، ومن ردّ الفعل إلى صناعة الحدث؛ مما أعاد للقضية الفلسطينية بُعدها الحضاري والإنساني.

ختامًا، تمثّل هذه المرحلة من الصراع برهانًا تاريخيًّا على أنّ طريق التحرّر لا يمرّ بالمفاوضات الاستسلامية، بل عبر إرادَة الشعوب وقدرتها على صنع النصر.

لقد أثبت طوفان الأقصى والتصعيد اليمني أنّ المعادلات العسكرية لم تعد حكرًا على القوى التقليدية، وأنّ زمن الهيمنة الإقليمية لـ (إسرائيل) قد ولّى إلى غير رجعة، وأنّ اقتلاعَ جذورها من المنطقة كمحتلّ في أرضٍ غيره بات قريبًا، ما دام الإصرار الشعبي والرسمي يتحَرّكان لتحقيق استقلال القضية الفلسطينية على أرضها المقدسة.

تغطيات