• العنوان:
    خيار السابع من أُكتوبر: التحرّر من قيد الصمت
  • المدة:
    00:00:00
  • الوصف:
    الموقف الأبرز والأكثر تأثيرًا، الذي لم يكن في حسبان العدوّ هو دور اليمن، تحَرّك بثقله الإيماني والعسكري، محاصِرًا الكَيانَ عبرَ حظر الملاحة في البحر الأحمر والعربي وخليج عدن، ووُصُـولًا إلى المحيط الهندي والبحر الأبيض المتوسط. كان تحَرُّكًا استراتيجيًّا أربك الأعداء، وصاحَبَ ذلك استهدافات للعدو في الأراضي المحتلّة في عسقلان ويافا وحيفا وأم الرشراش وغيرها.
  • التصنيفات:
    مقالات
  • كلمات مفتاحية:

*********************************

                 

في سجلات التاريخ الإنساني، تقف قضية فلسطين شاهدة على أقصى درجات الظلم والقهر.

على مدى عقود طويلة، عاش الشعب الفلسطيني تحت وطأة احتلال لا يعرف الرحمة، عانى من الظلم والاضطهاد والقتل والتعذيب الممنهج.

لقد سُلبت أرضه وحقوقه، وفُرض عليه حِصار خانق حول الحياة إلى جحيم لا يُطاق.

لكن القسوة لم تقتصر على العدوّ فحسب، بل زادتها مرارةً صدمة الخِذلان العربي الكبير؛ صمتٌ عربي مخزٍ وشلل تام أمام جريمة إنسانية متواصلة، وكأن الضمائر قد ماتت والأخوة قد ذابت في وحل المصالح.

أمام هذا المشهد المظلم من القهر والخِذلان، لم يبقَ للشعب الفلسطيني الصابر إلا خيار واحد: أن يتحَرّك للدفاع عن وجوده وكرامته.

لقد كان هذا التحَرّك ضرورة وجودية لا مفرّ منها؛ إيمانًا منهم بأن التقاعس يعني الاستمرار في حلقة مفرغة من الظلم والقتل وسلب الحقوق.

فكان خيارهم هو الخيار الصحيح والسليم لدفع هذا الجور عن أنفسهم.

وفي يوم السابع من شهر أُكتوبر، انطلقت شرارة عملية "طوفان الأقصى".

كانت هذه الانطلاقة بمثابة صرخة حق ارتفعت من عمق الألم، استندت إلى إيمان راسخ بالعدل الإلهي، مستلهمة قول الله تعالى:{أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا، وَإِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ}.

كانت حركة تهدف إلى كسر قيد الذل، وإعادة الاعتبار للحق المغتصب.

مع انطلاق "طوفان الأقصى"، تجسدت مواقف العزة والوفاء من محور المقاومة.

ففي لبنان، كان موقف حزب الله موقفًا تاريخيًّا، ارتقى إلى مستوى تقديم القمم في سبيل نصرة غزة.

فكانت التضحيات عظيمة، حَيثُ ارتقت أرواح خيرة القادة والكوادر شهداء، منهم أمين حزبه السيد حسن نصر الله، ومنهم السيد هاشم صفي الدين، في تأكيد على أن ثمن الكرامة لا يقاس بالمال، بل بالدم الطاهر.

وإلى جانبهم، كان للفصائل المقاومة في العراق موقف مساند كبير، قدموا فيه كذلك الشهداء الأبرار، مؤكّـدين وحدة الجبهة في مواجهة العدوان.

كما كان للجمهورية الإيرانية بصمتها المؤثرة بعدة موجات صاروخية أصابت الكيان في مقتل، لتثبت أن الدعم لا يتوقف عند حدود الكلمات.

أما الموقف الأبرز والأكثر تأثيرًا، والذي لم يكن في حسبان العدوّ ولا حلفائه، فهو دور اليمن.

هذا البلد الصامد تحَرّك بثقله الإيماني والعسكري، محاصرًا الكيان عبر حظر الملاحة في البحر الأحمر والعربي وخليج عدن ووُصُـولًا إلى المحيط الهندي والبحر الأبيض المتوسط.

كان تحَرّكًا استراتيجيًّا أربك الأعداء، وصاحب ذلك استهدافات للأراضي المحتلّة في عسقلان ويافا وحيفا وأم الرشراش وغيرها.

تحَرّك اليمنيون تحت شعار الفتح الموعود والجهاد المقدس امتثالًا لقول الله سبحانه: {وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ}، مصحوبًا بحراك شعبي ضخم من مسيرات ووقفات ومناورات وغيرها.

حاولت القوى المستكبرة التدخل؛ فشكّل الأمريكي والبريطاني عدة تحالفات لمحاولة عزل اليمن عن إسناده لغزة، منها عملية أطلق عليها حراسة الازدهار، لكن كُـلّ حملاتهم باءت بالفشل الذريع.

اضطروا في النهاية إلى الإعلان عن انسحابهم من المواجهة مع اليمن مقابل عدم استهداف سفنهم، في اعتراف ضمني بقوة وثبات هذا الموقف.

في خضم هذه التضحيات، كان الموقف العربي الرسمي يتسم بالهزال والضعف.

لم يكتفِ هذا الموقف بالتقاعس عن فك الحصار وإدخَال المساعدات الأَسَاسية، بل اتجه البعض إلى دعم الكيان في محنته بعد حصار اليمن! لقد كان لهم دور في تقليل الحصار عليه عبر تزويده بكل ما يحتاج، وفتح جسر بري يمر من الإمارات إلى السعوديّة والأردن ثم إلى الكيان، وكذلك الإمدَاد عبر جسر جوي.

ووصل العار ببعضهم إلى أن يكون عتالًا يحمل السلاح للعدو عبر سفنه، كما كشف الإيطاليون عن سفينة سعوديّة.

لقد كانت معركة "طوفان الأقصى" بمثابة "الغربال" الذي هزّ الأُمَّــة، فكشفت الوجوه والأقنعة، غربلت معادن الدول والأحزاب والمكونات السياسية.

فظهر الصادق من الكاذب، والشجاع من المتخاذل، وأظهرت سوءات من خانوا القضية والمستضعفين.

أمام هذا التخاذل وهذا النسيان الذي كاد يفتك بالأمة، ظل المجاهدون في غزة واليمن يسطرون أروع معاني الصمود والثبات.

لقد أثبتوا للعالم كله أن الكيان ليس على شيء قدير، بل هو أوهن من بيت العنكبوت أمام قوة الإيمان والعزيمة التي لا تلين.

لقد رفعوا راية الكرامة عاليًا، مذكّرين الأُمَّــة بما يجب أن تكون عليه.

ويبقى الجهاد في سبيل الله وتقديم التضحيات هو صمام الأمان الوحيد لدفع أخطار الأعداء والحد من غطرستهم.

ثمن التضحية أقل بكثير عندما تتحَرّك الأُمَّــة لتدفع الأخطار عنها.

أما عندما تتقاعس وتتخاذل، فلن تستطيع العيش بأمان الأعداء، ولن تسلم من عذاب الله على تقاعسها وتمكين الأعداء منها.

إنها رسالة بدم الشهداء مفادها: لا كرامة ولا وجود إلا بالمقاومة والجهاد في سبيل الله.

قال تعالى: {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْـمُؤْمِنِينَ}، صدق الله العظيم.


تغطيات