• العنوان:
    غزة تحت النار: استهداف الذاكرة قبل الحجر
  • المدة:
    00:00:00
  • الوصف:
    ليس مُجَـرّد حرب على الأرض، بل عدوان على الذاكرة الجمعية، واستهدافٌ متعمَّدٌ للهُـوية الثقافية، فالقصفُ الذي طال القصائد واللوحات والألحان، يهدف إلى اقتلاع الفلسطيني من تاريخه قبل قتله في حاضره.
  • التصنيفات:
    مقالات
  • كلمات مفتاحية:

              
*****************

غزة ليست مُجَـرّد مدينة على الساحل الشرقي للبحر المتوسط، بل هي موطن لحضارات متعاقبة تمتد لأكثر من أربعة آلاف عام. ومن الكنعانيين والفينيقيين مُرورًا بالرومان وُصُـولًا إلى الحضارتين الإسلامية والعثمانية، حَيثُ شكلت هذه المدينة ملتقى للثقافات وتعايش الأديان، اليوم، تتحول غزة إلى مسرح مأساوي لاستهداف الإنسان والتاريخ معًا.

العدوان الصهيوني على غزة، منذ السابع من أُكتوبر 2023، لم يقتصر على تدمير البنى التحتية والمنازل، بل امتد ليطال الذاكرة والهُـوية الثقافية؛ فالمساجد والكنائس، والأديرة والمكتبات، جميعها كانت ضمن أهداف القصف، كما أن المسجد العمري الكبير، أقدم مساجد غزة، الذي يعود تاريخه إلى القرن السابع الميلادي، تعرض للتدمير شبه الكامل، فيما بقيت مئذنته وحيدة، شاهدة صامتة على حضارةٍ حاولت الحرب محوها، ولم تسلم كنيسة القديس بورفيريوس ودير القديس هيلاريون من القصف، رغم تسجيلهما ضمن المواقع المحمية من "اليونيسكو".

وَتتعدى مأساة غزة الحجر والتراث إلى الإنسان نفسه، فقد استُشهد أكثر من 150 مثقفًا فلسطينيًّا، بين شعراء وكُتّاب وموسيقيين ومخرجين، حاملي الفكر والإبداع، في استهداف صارخ للهُـوية والذاكرة الجمعية، فالبيوت التراثية والأسواق العثمانية، مثل بيت السقا وبيت الغصين، إضافة إلى مكتبات تحمل آلاف الكتب، لم تسلم من التدمير، في محاولة ممنهجة لمحو كُـلّ أثر للثقافة الفلسطينية.

ما يجري في غزة ليس مُجَـرّد حرب على الأرض، بل عدوان على الذاكرة الجمعية، واستهداف متعمد للهُـوية الثقافية، فالقصفُ الذي طال القصائد واللوحات والألحان، بحسب الصحافية الفلسطينية بليستيا العقّاد، يهدف إلى اقتلاع الفلسطيني من تاريخه قبل قتله في حاضره.

ليست الغارة على التراث الفلسطيني اعتداء على الحجر، بل هي اعتداء على الروح، وَعلى التاريخ، وعلى كُـلّ ما يمثله الإنسان الفلسطيني من حضارة وفكر وإبداع، والحديث عن إعادة بناء البيوت قد يكون ممكنًا، لكن إعادة بناء الذاكرة والثقافة، بعد هذا العدوان، يتطلب أكثر من مُجَـرّد أسقف وجدران.. إنه يتطلب إرادَة شعب لا يمكن أن يُمحى من جذوره التاريخية.

تغطيات